قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الأربعاء، إن السلطات التابعة للحوثيين والأطراف الأخرى، تعرقل أعمال الإغاثة وتُفاقم تفشي الكوليرا القاتل في أنحاء البلاد.
وأضافت في تقرير مطول لها، أن كل الأطراف، بما فيها الحوثيون و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، عرقلوا المساعدات والوصول إلى المعلومات، ولم تتخذ تدابير وقائية كافية للتخفيف من انتشار الكوليرا.
وتابعت "احتجز الحوثيون موظفي المجتمع المدني وهددوهم، بمن فيهم عمال الإغاثة الإنسانية، ضمن حملة اعتقالات أخيرة".
وتشير البيانات التي جمعتها وكالات الإغاثة إلى أنه من 1 يناير/كانون الثاني إلى 19 يوليو/تموز، كان هناك حوالي 95 ألف حالة مشتبه بإصابتها بالكوليرا، ما أدى إلى وفاة 258 شخصا على الأقل، وفقا لشخص يعمل مع "مجموعة الصحة في اليمن"، وهي مجموعة من منظمات الإغاثة والسلطات والجهات المانحة، بقيادة "منظمة الصحة العالمية"، بحسب بيان المنظمة.
ونقل البيان عن نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش، قولها إن "العوائق التي تواجه أعمال الإغاثة من قبل السلطات اليمنية، وخاصة الحوثيين، تساهم في انتشار الكوليرا. مات حتى الآن أكثر من 200 شخص بسبب هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه، وإقدام الحوثيين على احتجاز عمال الإغاثة يشكل تهديدا خطيرا يفاقم القيود على المساعدات المنقذة للحياة".
وذكرت المنظمة أنها تحدثت مع سبعة أطباء يعملون في مستشفيات في مختلف أنحاء اليمن بشأن الاستجابة للكوليرا، ومع العديد من الاختصاصيين الآخرين في الرعاية الصحية، وتواصلت أيضا مع 20 مسؤولا في وكالات إغاثية، من بينهم أطباء وعلماء أوبئة يعملون على الاستجابة لتفشي الكوليرا، ومع مسؤول صحي حكومي.
وفي 24 يوليو/تموز، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة اليمنية والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي لطلب مزيد من المعلومات. التقت الحكومة اليمنية بـ هيومن رايتس ووتش وأوضحت أن العديد من القيود التي تواجهها في معالجة تفشي الكوليرا مرتبطة بنقص التمويل. قدمت أيضا معلومات توضح الإجراءات التي اتخذتها لإبلاغ اليمنيين بتفشي المرض.
وفقا لطبيب يعمل مع منظمة إغاثية في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، رغم أن أعراض الكوليرا بدأت تظهر على المرضى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رفضت سلطات الحوثيين الاعتراف بالأزمة للوكالات الإنسانية حتى 18 مارس/آذار 2024، عندما كان هناك بالفعل آلاف الحالات.
وفي مارس/آذار، بدأ الحوثيون أخيرا بتقديم معلومات حول حالات الكوليرا في الأراضي التي يسيطرون عليها، لكنهم لم يعلنوا عن تفشي المرض.
المنظمة أشارت إلى اعتقال سلطات الحوثيين "ما لا يقل عن 12 من موظفي "الأمم المتحدة" والمجتمع المدني منذ 31 مايو/أيار"، وقالت مصادر مطلعة لـ هيومن رايتس ووتش إن "عدد المحتجزين مستمر بالتزايد. تركت الاعتقالات العديد من الوكالات تتساءل عما إذا كانت ستستمر في تقديم المساعدات الإنسانية بأمان في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أو كيف ستستمر، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم تفشي الكوليرا الحالي".
وقالت مصادر الوكالات الإنسانية إن السلطات، ولا سيما الحوثيين، ضغطت على وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لوقف نشر البيانات العلنية عن حالات أو وفيات الكوليرا.
ومنذ 30 أبريل/نيسان، لم تعلن منظمة الصحة العالمية عن أي بيانات جديدة حول عدد حالات الكوليرا المسجلة. مع ذلك، قالت مصادر لـ هيومن رايتس ووتش إن أعداد الحالات زادت بسرعة منذ أبريل/نيسان، عندما أبلغت منظمة الصحة العالمية عن أرقام الحالات آخر مرة.
وأفاد "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) في 12 مايو/أيار أن هناك حوالي 500 إلى ألف حالة جديدة كل يوم، وأن "الشركاء في مجال الصحة يتوقعون أن يتراوح العدد الإجمالي للحالات من 133 ألف إلى 255 ألف حالة بحلول سبتمبر/أيلول 2024".
المنظمة أشارت إلى الإجراءات الحكومية المتخذة وبعض القيود، وقال إنه "في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كانت السلطات أقل شفافية بكثير من السلطات الأخرى في اليمن فيما يتعلق بتفشي المرض.
وتابعت: "قال جميع الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش والذين يعملون في وكالات الإغاثة في مناطق الحوثيين إن الحوثيين لم يقدموا أي بيانات أو معلومات حول تفشي الكوليرا إلى مجموعة الصحة حتى مارس/آذار. قال عديد من الأطباء إن الحوثيين ينكرون بشدة وجود الكوليرا في المناطق التي يسيطرون عليها، رغم أن الأطباء دقوا ناقوس الخطر".
ومنذ 18 مارس/آذار، بدأ الحوثيون بتقديم معلومات إلى الوكالات الإنسانية حول تفشي الكوليرا، بما فيها أعداد الحالات. لكن بعكس الحكومة اليمنية، التي كانت تزود الوكالات الإنسانية بـ "بيانات خام"، كانت سلطات الحوثيين توفر فقط عدد الحالات في كل محافظة.
وقال خبير أمراض آخر إن "ذلك يعيق قدرة الوكالات الإنسانية على تقديم استجابة مستهدِفة، لأنها تحتاج إلى بيانات خام "لتحليل وتحديد المناطق التي تأتي منها الكوليرا".
وقال عامل إغاثة آخر: "الكوليرا ليست شيئا يمكن عزله بين الجنوب والشمال. يجب أن تحصل على بيانات كاملة من [كلا الجانبين]، وإلا فلن تتمكن من الاستجابة بشكل صحيح لأن الأشخاص يتحركون ذهابا وإيابا".
الحوثية تعيق وصول المساعدات
تقرير هيومن رايتس سلط في جزء منه الضوء على إقدام السلطات الحوثية على عرقلة وصول المساعدات عبر الشروط البيروقراطية الشاقة وغير المبرَّرة، والتي فاقم انتشار الكوليرا.
وقالت المنظمة إنه "رغم دعوة وكالات الإغاثة إلى تقديم المساعدات والتمويل بعد تفجّر أعداد الحالات خلال الربيع، تستمر السلطات (الحوثية) في فرض شروط معقّدة على الوكالات من أجل الاستمرار في نشاطاتها، وقد توقف العديد من البرامج في انتظار التصاريح".
ونقلت عن أشخاص عدة يعملون في وكالات إغاثة، قولهم "إنهم عانوا للحصول على الموافقة لبدء برامجهم في مكافحة الكوليرا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وقد انتظروا في بعض الحالات لأشهر. قال طبيب يعمل مع وكالة إغاثة: "تحتاج إلى موافقة خاصة لكل نشاط في الشمال – حتى إذا أرت القيام بزيارة ميدانية، يجب أن تحصل على إذن. إذا أردت إجراء تدريبات، تحتاج إلى إذن".
قال شخص آخر إن الحوثيين "يفرضون العديد من الشروط الإدارية ومتطلبات امتثال اعتباطية، يعقّدون طلبات التأشيرة، وقد أخّروا طلبات تأشيرات الخروج".
وشرح أشخاص عدة المشاكل في جمع البيانات في مناطق الحوثيين وأثرها السلبي على قدرتهم على الاستجابة الفعّالة للوباء. قالت امرأة تعمل في وكالة إغاثة إن المنظمات "تحتاج إلى أذون [لجمع البيانات]، وتصاريح، وإلى تقديم الأدوات [التي ينوون استخدامها] ... وقد يرفض الحوثيون بعض الأسئلة أو الاستبيان كاملا".
وطالت موجة الاعتقالات والاتهامات بالتجسس التي شنها الحوثيون مؤخرا أشخاصا يجمعون البيانات لوكالات الإغاثة، ما يشير إلى الخطر الجسيم الذي يواجه الموظفين خلال تأدية هذا العمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقال طبيب في وكالة إغاثة: "العمل في الشمال يستحيل أكثر فأكثر. تخطينا جميع الإشارات الحمراء. هل نريد الاستمرار على هذا الشكل؟"
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وبعد سنوات من المفاوضات الفاشلة، قرر "برنامج الأغذية العالمي" "إيقاف المساعدات الغذائية مؤقتا" في مناطق الحوثيين. وقالت منظمات إغاثة أخرى عديدة إنها تعاني لمواصلة عملياتها في مناطق الحوثيين بسبب القيود الواسعة ومحاولات الحوثيين السيطرة على برامجهم.
وكان لاشتراط الحوثيين على النساء، ومنهن العاملات في وكالات الإغاثة، اللواتي يسافر إلى المناطق التي يسيطرون عليها أن يكنّ مصحوبات بمحرَم أثر كبير على تقديم المساعدات.
وفي رسالة موجّهة إلى الحوثيين، قال مقررون خاصون أمميون إن "عدم القدرة على السفر يؤدي إلى عدم القيام بالكثير من المهام الضرورية، ما يؤدي بدوره إلى خسارة في العمل. وهناك العديد من التقارير عن مغادرة عاملات إغاثة وظائفهن، وبالتالي خسارة مدخول ضروري لعائلاتهن".
تشرذم السلطات يعيق الاستجابة
وأشار التقرير إلى اتخذ الحكومة اليمنية، التي تضم المجلس الانتقالي الجنوبي، خطوات في السنوات الأخيرة لتخفيف الشروط البيروقراطية المرهِقة على وكالات الإغاثة، إلا أن مصادر عديدة شعرت أنها استمرت في عرقلة بعض استجابات الإغاثة "عبر التدخل والبيروقراطية". مع ذلك، قال كثيرون إن القضية الأكبر هي الصراع الداخلي بين مختلف السلطات في الجنوب، لا سيما بين مختلف الهيئات وبين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على عدن ومحافظات عدة أخرى.
وقال عامل إغاثة إن العديد من وزارات الحكومة – لا سيما الوزارة اليمنية للشؤون الاجتماعية، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، كلاهما بإدارة أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي – تتصارع حول أي مجموعة مسؤولة عن إدارة المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك مَن يحق له الموافقة على النشاطات. وقد قال: "هذه مشكلة الحكومة اليمنية، إنها لا تعنينا، لكنها تؤثر على عملنا".
بالإضافة إلى هذه الضبابية، يؤدي الانقسام بين السلطات في مناطق مختلفة إلى مشاكل إضافية. إذ قال عامل إغاثة آخر: "المشكلة في الجنوب هي التشرذم. فجأة تقول لنا وزارة التخطيط [في إحدى المحافظات] ووزارة التخطيط [في محافظة أخرى] إننا نحتاج إلى موافقة منها بينما كنا نعتقد أن الأمر محصور بيننا وبين وزارة التخطيط في عدن".
وحتى ضمن الوزارات نفسها، غالبا ما تكون هرمية السلطة مبهمة. قال أحد موظفي وكالة إغاثة: "تطلب الموافقة من شخص على قائمة بالأدوية المستوردة، فتجد أن كل شخص في الوزارة يريد أن تكون له السلطة على الأمور".
شيطنة اللقاحات
وقادت مليشيا الحوثي أيضا حملات ضد اللقاحات، التي يمكن استخدامها للوقاية من الكوليرا وغيرها من الأمراض، بما فيها الحصبة.
وقالت منظمة الصحة العالمية: "إن تفشي الأمراض التي يمكن تفاديها باللقاحات في اليمن نتيجة مباشرة لتزايد انخفاض مناعة الأطفال".
تتعدد التحديات اللوجستية أمام تأمين اللقاحات وتوزيعها في مختلف أنحاء اليمن، بما في ذلك "سلسلة التبريد"، أو تخزين اللقاحات ونقلها في بيئة يتم التحكم بدرجة حرارتها، والمتطلبات والنقص العالمي. غير أن عرقلة المساعدات، واعتقال عمال الإغاثة وموظفي شركات الأدوية، والحملات المناهضة للقاحات تفاقم هذه الصعوبات بشكل حاد، وفقا للمنظمة.
وقال مسؤول في مكتب الصحة الحكومي في تعز، ضمن الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، إنه وآخرين فحصوا الخضار الواردة إلى تعز من محافظات الشمال ووجدوا فيها كوليرا.
وأضاف: "سُقيَتْ هذه الخضراوات بمياه الصرف الصحي". والناس في تعز يحتاجون إلى مزيد من الدعم من السلطات الحكومية لتنقية خزانات المياه في المناطق الريفية في المحافظة، والمزيد من الدعم في المياه والنظافة بشكل عام.
وقال أطباء وعمال إغاثة إن وكالات الإغاثة تحتاج إلى العمل مع السلطات على خطة طويلة الأمد. إذ قال عامل إغاثة: "أولا، يجب وضع خطة استراتيجية وضمان أن تكون خطة طويلة الأمد. إذا حسّنتَ وضع الكوليرا، فإنك تُحسّن المياه والصرف الصحي والنظافة. إذا حسَّنتَ المياه والصرف الصحي والنظافة، فإنك تُحسِّن وضع سوء التغذية".
وقال خبير أوبئة يعمل في وكالة إغاثة، "الكوليرا ليست مرضا جديدا. إنها مرض يجب ألا يكون موجودا. كان علينا أن نتخلص منه منذ قرون ... إذا كانت لديك مياه معالَجة بالكلور، وتحكُّم بمياه الصرف الصحي، وتحكُّم بكيفية ري المحاصيل، يمكن وقف انتشاره. الواقع أنه مرض ويمكنك بكل تأكيد القيام بأمر ما حياله"، وفقا لتقرير هيومن رايتس.
ودعت هيومن رايتس في تقريرها "جميع أطراف النزاع لإنهاء انتهاكاتهم وتجاوزاتهم لحق اليمنيين في الصحة، وعلى الحوثيين إنهاء اعتقالاتهم التعسفية للعاملين في المجتمع المدني والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news