في 19 يوليو / تموز، ضربت طائرة مسيرة تابعة للحوثيين مبنى سكنيا في تل أبيب يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من فرع السفارة الأمريكية، مما أسفر عن مقتل مواطن اسرائيلي وإصابة عشرات آخرين. تبنت جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) الهجوم بالطائرة المسيرة المحملة بالمتفجرات والمزودة بتقنية تجعلها قادرة على التخفي عن الرادار، والتي أطلقت عليها اسم (يافا)، حيث أفاد خبراء بأنها نسخة متطورة من الطائرة المسيرة (صماد 3) التي سبق أن استخدمها الحوثيون بنجاح من قبل، وبالأخص في الهجوم الذي استهدف مطار أبو ظبي في يوليو 2018. افترض خبير عسكري يمني – تحدث إلى مركز صنعاء – بأن الطائرة المسيرة انطلقت من جزيرة كمران في البحر الأحمر، وتفادت رصدها بالرادار عبر التحليق فوق أجواء إريتريا والسودان ومصر باتجاه البحر الأبيض المتوسط، لتصل تل أبيب من الغرب. أنكر الجانب الإسرائيلي قدرة الطائرة المسيرة على التخفي عن الرادار وزعموا رصدها وهي تحلق، لكنهم لم يعتبروها تهديداً – حسب قولهم – كونها كانت قادمة من الغرب حيث تظهر في الرادار في بعض الأحيان طيوراً وأجساما طبيعية.
الأهمية الاستراتيجية لهذا الهجوم لن تتأكد إلا إذا تمكن الحوثيون من تنفيذ هجمات مماثلة مستقبلا واختراق دفاعات القبة الحديدية الإسرائيلية التي تعتبر من أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا، وهذا قد يقوض خطط نتنياهو لتوسيع دائرة الحرب عبر غزو جنوب لبنان.
رداً على الهجوم، شنت إسرائيل غارات على أهداف مدنية في ميناء الحديدة، ما أسفر عن مقتل ستة عُمال على الأقل وإصابة أكثر من 80 آخرين، فضلا عن تدمير خزانات وقود في محيط الميناء واستهداف الرافعات الجسرية المتحركة بغرض تعطيل قدرة الميناء على التعامل مع الحاويات.
فاقمت الضربة الاسرائيلية من معاناة السكان المدنيين في اليمن وقد تشلّ القدرة على إيصال المساعدات الإنسانية لـ 12 مليون مواطن يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، علما أن اليمن يفتقر إلى موانئ نشطة تعوض الخسائر وتسد الحاجة التي خلفها الهجوم على ميناء الحديدة.
فضلا عن ذلك، سيؤدي الهجوم الإسرائيلي إلى ارتفاع تكاليف التأمين والشحن البحري، مما سيفاقم من حالة انعدام الأمن الغذائي التي يعيش تحت وطأتها معظم اليمنيين. توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بأن رد إسرائيل الانتقامي سيكون أكثر قسوة في المرة المقبلة في حال استمرت هجمات الحوثيين وأن “النتيجة ستكون مماثلة” لما حدث في لبنان وغزة – حسب قوله.
في هذا السياق، ذكر مصدر دبلوماسي غربي أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لقصر هجماتها على الحديدة وعدم استهداف ميناء الصليف الذي يستقبل شحنات سائبة كالحبوب كون ذلك قد يتسبب بوقوع مجاعة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. كما نوّه الدبلوماسي إلى أن الإسرائيليين وافقوا أيضا على عدم استهداف صنعاء هذه المرة، غير أن السيناتور ماركو روبيو، نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي دعا إلى استهداف قيادات الجماعة باعتباره رداً منطقياً من إسرائيل في حال تمت مناوشتها مرة أخرى.
هذا التصعيد من جانب الحوثيين ليس مستغرباً، حيث رفعت الجماعة شعار الحرب ضد إسرائيل منذ نشأتها؛ إلاّ أن الهجوم الأخير على تل أبيب لم يكن لينجح دون الدعم التقني والمادي الإيراني وهو ما يفرض السؤال التالي:
لماذا قررت إيران القيام بهذا الهجوم التصعيدي تحديداً، بعد أن بذلت جهودا مضنية لتجنب أي تصعيد غير ضروري مع إسرائيل (حسبما يتضح من تنسيقها مع الولايات المتحدة في شن هجوم 13 أبريل/ نيسان الذي لم يخلف أي أضرار أو إصابات)؟
الإجابة ببساطة: لم يكن هجوم الحوثيين على تل أبيب تصعيديا بالنسبة لإيران، والتفسير المنطقي له هو حاجة طهران إلى ممارسة الضغط العسكري على إسرائيل لتقويض قدرتها على تنفيذ العملية الهجومية الواسعة التي تستعد لشنها ضد حزب الله في لبنان. في الوقت نفسه، لم ترغب إيران في منح نتنياهو عذرا إضافيا لتوسيع رقعة الحرب وجرها إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وهو احتمال حاول الجانبان الإيراني والأمريكي تجنبه.
على هذا الأساس، حقق هجوم الحوثيين ضد إسرائيل التوازن المطلوب في المعادلة الإيرانية، حيث حوّل جزءًا من القدرات الهجومية الإسرائيلية تجاه الحوثيين، وبعيدا عن حزب الله – ولم يستدعِ التصعيد ضد إيران.
يتمتع الحوثيون بقدرة أكبر على استيعاب الغارات الإسرائيلية بسبب مساحة الجغرافيا التي يسيطرون عليها، ناهيك عن أن معظم اليمنيين مناصرين جداً للقضية الفلسطينية ومستعدون لتحمل عواقب ذلك، على عكس غالبية الشعب اللبناني الذين لا يرغبون في الانجرار إلى آفة الحرب والمعاناة من أجل سكان غزة.
على مدى السنوات الماضية، تسبب ظلم وجبروت الحوثيين وابتزازهم الخانق وممارساتهم القمعية بحالة من الاستياء العارم لدى سكان المناطق الخاضعة لسيطرتهم، رغم هذا استطاعت الجماعة استقطاب مئات الآلاف من اليمنيين للمشاركة في مسيرات حاشدة أسبوعياً بعد كل صلاة جمعة، منذ بدء هجماتهم العسكرية تحت لافتة التضامن مع شعب غزة ونصرة المقاومة الفلسطينية، وتعد المسيرة التي أعقبت الهجوم على تل أبيب الأكبر حتى الآن. حول هذا، علّق أحد الخبراء الدوليين -مازحا- بأن الحوثيين حققوا شهرة نجوم البوب العالميين، وأن أسهمهم ارتفعت خارج اليمن على غرار الداخل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news