في ذكرى مأساة سنجار.. ماذا بعد 10 سنوات على الإبادة الجماعية بحق الأيزيديين؟
“نحن مدمّرون. لم نحصل على شيء إطلاقا”.. كانت هذه كلمات هدلا قاسم، وهي سيدة من أهالي سنجار فقدت أربعين فرداً على الأقل من عائلتها، بينهم والدها ووالدتها وشقيقها، في قرية كوجو على يد تنظيم داعش الإرهابي.
وتروي السيدة البالغة من العمر 40 عاما، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها تقدّمت قبل ثلاث سنوات بطلب للحصول على تعويض عن منزل العائلة المدمّر، لكن دون جدوى، ومثلها في ذلك مثل الآلاف من المكون الأيزيدي.
كما لا تزال تنتظر الحصول على التعويض الشهري الذي يُدفع لعائلات “الضحايا” لكن طلبها على غرار طلبات أخرى كثيرة، لا يزال عالقاً في متاهة البيروقراطية الإدارية.
واجتاح
تنظيم داعش
المنطقة في العام 2014، واستهدف بشكل خاص الأقليات، لا سيما الأيزيديين، فقتلهم وهجّرهم وخطف العديد من نسائهم “سبايا”.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تمكّنت القوات الكردية “من إقليم كردستان” من طرد الجهاديين من
سنجار
، بمساندة من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فيما أعلنت، أعلنت الحكومة العراقية في آب/أغسطس 2017 طرد التنظيم المتطرف من كل محافظة نينوى التي تقع فيها سنجار، قبل أن تعلن “الانتصار” على الجهاديين في نهاية العام ذاته.
لكن بعد كل هذه السنوات، لا تزال قرى وأحياء بكاملها مدمّرة، فيما تعرقل النزاعات السياسية عملية إعادة إعمار منطقة شهدت العديد من المآسي.
واليوم وبينما تحل الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية الأيزيدية في سنجار حين ارتكب تنظيم داعش في مطلع أب/أغسطس عام 2014 أحد أسوأ الجرائم في التاريخ الحديث، لا يزال المشهد يذكّر بالحرب: منازل مدمّرة، أنابيب مياه وخزانات صدئة، وأعشاب برية بين تشقّقات جدران تشهد على ما كان يوماً مكانا للسكن.
تسلسل زمني يوضح صعود وسقوط تنظيم داعش. أ ف ب
العاصفة نيوز وبمناسبة هذه الذكرى أجرت هذا الحوار مع
النائبة الأيزيدية فيان دخيل عضو مجلس النواب العراقي
والمتحدثة باسم كتلة الحزب الديموقراطي، وهي أيضا ناشطة عالمية من أجل العدالة وحماية حقوق الإنسان، كما أنها معروفة عالميا كصوت بارز في تعبئة الرأي العام العالمي ضد الإبادة الجماعية للشعب الأيزيدي، التي ارتكبها تنظيم داعش.
وهي أيضا حاصلة على جائزة آنا بوليتكوفسكايا في عام 2014 لشجاعتها في تمثيل المجتمع الأيزيدي وجائزة قمة جنيف لحقوق الإنسان في 2016.
النائبة العراقية فيان دخيل تتسلم جائزة حقوق الإنسان لعام 2016، بحضور زعيمة الأقلية في مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي والنائب آلان لوينثال خلال حفل أقيم في 8 فبراير/شباط 2017. أ ف ب
قتلوهم بدم بارد
تستذكر دخيل في بداية حديثها ما جرى قبل 10 سنوات قائلة: “تمر علينا اليوم الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية للأيزيديين من قبل تنظيم داعش الإرهابي، بعدما اجتاح سنجار في 3 أغسطس 2014، حينها قتل قتل الرجال بدم بارد واختطف النساء والأطفال ليصبحو عبيدا وجواري وسبايا، وهدم كل شيء، وارتكب فظائع خطيرة”.
تضيف النائبة الأيزيدية: “تعامل التنظيم مع هؤلاء البشر كسلع في أسواق النخاسة في الموصل والرقة وغيرها، كانت الفتيات الإيزيديات اللواتي تعرضنا لأبشع أنواع العنف تباع وتشترى، هذه الأمور كلها إضافة إلى منكوبية سنجار”.
تؤكد فيان دخيل أن كل هذه الفظائع تمر أمام أعينهم وكأنها حصلت اليوم، وليس قبل عقد من الزمان، خصوصا مع استمرار مأساة الآلاف من العائلات التي لا تزال نازحة منذ 10 سنوات في مخيمات النزوح.
وبحسب
المنظمة الدولية للهجرة في العراق التابعة للأمم المتحدة
، لا يزال أكثر من 200.000 أيزيدي يعيشون في حالة نزوح، داخل وخارج المخيمات في إقليم كردستان العراق.
تهميش لقضية الأيزيديين
وتنتقد المتحدثة باسم كتلة الحزب الديموقراطي، تعامل الحكومة العراقية مع قضية الأيزيديين، حيث ترى أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تأخذ هذا الملف على محمل الجد، بينما لا يزال هناك الاف النازحين ممن لم يعودوا حتى الآن إلى بيوتهم، فضلا عن عدم تطبيق العدالة الانتقالية، بالقصاص من المجرمين، الذين ارتكبوا هذه الفضائع.
تقول دخيل إنه رغم كل ما مر بأهل سنجار، فإن الدولة العراقية لم تعترف بأن ما حصل للإيزيديين هي إبادة جماعية، ولم تولي اهتماما كبيرا للنازحين، كما لم يتم تعويض الناجين من تلك المجازر، ناهيك عن عدم إعمار سنجار وتأهيل بناها التحتية، حتى يتمكن هؤلاء النازحون من العودة إلى منازلهم.
ولم تبدأ عمليات إعادة الإعمار في سنجار رغم مرور كل هذه السنوات بسبب الصراعات السياسية والإقليمية والتوترات الأمنية، في وقت لا يزال آلاف الإيزيديين في عداد المخطوفين والمفقودين.
إغلاق مخيمات النزوح
وحدّدت السلطات العراقية مؤخراً مهلة تنتهي في 30 تموز/يوليو الماضي لإغلاق مخيمات النزوح، لكن على ما يبدو لم يتم تنفيذ القرار، ووعدت بمساعدات مالية وحوافز للعائدين الى قراهم.
وأعلنت وزارة الهجرة مؤخراً عودة المئات إلى مناطقهم، في الوقت الذي تشير فيه تقارير أممية الى أن مناطق عدة استقبلت نصف عدد سكانها الأصليين أو أقل، فيما لم تُسجّل أي عودة الى 13 موقعاً على الأقل منذ 2014.
وتطرقت النائبة فيان دخيل إلى هذا الملف، قائلة، إن عودة النازحين التي كان مقررا في 30 من الشهر الماضي، و
إغلاق المخيمات
، لم يكن لها تتم، في ظل الوضع الذي تعيشه سنجار دون تعمير، متسائلة إلى أين كان سيذهب هؤلاء النازحون، ومنازلهم مهدمة، ولا توجد خدمات بالمنطقة، بالإضافة، إلى وجود قوات غريبة خارجية موجودة في سنجار، تجعل المنطقة غير آمنة.
رفض للإعادة القسرية
وشددت على رفضها القاطع للإعادة القسرية للإيزيديين وأهالي سنجار إلى مناطقهم التي لا تزال غير مستقرة، مؤكدة أن قرار الحكومة العراقية بإغلاق المخيمات في إقليم كوردستان وإجبار النازحين على العودة “قسراً” يشكّل تهديداً واضحاً بالنسبة إليهم.
وأكدت أن “إجبار النازحين على العودة قسراً ينتهك حقوقهم الأساسية ويعكس قسوة غير مبررة تجاه معاناتهم الطويلة، ويعرضهم لخطر منظمات ومجموعات عسكرية لا تخدم استقرار سنجار”.
النائبة الأيزيدية
أشارت في حديثها مع العاصفة نيوز إلى مبلغ التعويضات الذي تقدمه الحكومة العراقية متمثلة بوزارة الهجرة ، والذي يبلغ 4 ملايين دينار حوالي (3000 دولار أمريكي)، وهو مبلغ زهيد بحسب دخيل مقابل ما تعرض له الضحايا، ولا يكفي حتى لبناء منزل في سنجار، مطالبة الحكومة العراقية، بأن تبذل كل جهودها كي تضمن إعادة الكرامة لهؤلاء الضحايا، بعد 10 سنوات من إبادتهم.
وتطالب النائبة فيان دخيل بضرورة تعويض النازحين بمبالغ تتناسب مع حجم ما عانوه معنويا وماديا، وأن يتم تقديم كل التسهيلات لمعاملات التعويضات لأهل سنجار وبشكل استثنائي، حيث ترى أنه ينبغي أن تعوض كل عائلة بما لايقل عن ٢٥ مليون دينار عراقي.
اتفاق سنجار
وتوصلت الحكومة العراقية مع إقليم كردستان في تشرين الأول أكتوبر 2020 إلى اتفاق يهدف لإعادة الاستقرار والنازحين إلى سنجار عبر إنهاء وجود حزب العمل الكردستاني والحشد الشعبي والجماعات المرتبطة بهما في المدينة ونشر قوات اتحادية نظامية.
وفي هذا الصدد تعتقد المتحدثة باسم كتلة الديمقراطي الكردستاني، أن الحكومة العراقية لم تكن جادة في تنفيذ اتفاق سنجار في الماضي حتى يتمكن النازحون من العودة إلى مناطقهم، مشيرا إلى أنه لم يتم تنفيذ أي من بنود الاتفاق، سواء على صعيد إخراج القوات الغريبة من سنجار، أو إعمارها تمهيدا لعودة النازحين أو اختيار حكومة محلية شرعية، فضلا عن عدم تعويض المتضررين، والضحايا، وكذلك فيما يتعلق بإعادة تأهيل الناجيات، او البحث عن المفقودات.
وشددت دخيل أن “التطبيق الفعلي لاتفاقية سنجار، دون تسويف، هو الحل الأكثر واقعية والأفضل لتمهيد الطريق لإعادة بناء وإعمار المدينة، ثم التفكير في آلية عودة النازحين وإنصافهم”.
وبينما تظهر الأرقام دوما حجم المأساة، كشفت النائبة ڤيان دخيل أن عدد من اختطفهم تنظيم داعش قبل 10 سنوات بلغ نحو 6417 شخصا، بينما تم تحرير ما يقرب من 3700 مختطف، ولا يزال هناك نحو 2600 شخص لا يعرف مكانهم أو مصيرهم، لكنها أشارت إلى أن البحث لا يزال جاريا عنهم.
وبالنظر إلى التداعيات التي خلفتها الإبادة الجماعية للإيزيديين وتأثيرها المدمر على السكان، يبقى السؤال: هل يمكن لهذا المكون أن ينتهي من مأساته وأن يستعيد هويته ويعيش حياة مستقبلية آمنة؟.
وفي هذه النقطة ترى النائبة فيان دخيل أن المكونات التي تتعرض للإبادة جماعية لا يمكن أن تستعيد حياتها وهويتها بسهولة، كون هناك عدد كبير من الضحايا ومن المفقودين وهجرة لم تنتهي، مؤكدا أنه في ظل كل هذه المعطيات لا يمكن للجراح أن تندمل في وقت قصير.
واختتمت المتحدثة باسم كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي فيان دخيل حديثها مع “ العاصفة نيوز” بالتأكيد على ضرورة تطبيق اتفاقية سنجار وتطبيق العدالة الانتقالية، بمحاسبة كل من أجرم أو شارك او ساعد في إبادة الأيزيديين، مع العمل على جبر الضرر وتعويض المتضررين والناجيات سواء ماديا أو معنويا، حتى يتم إعادة تأهيلهم وإعادتهم للحياة مرة أخرى.
خريطة توضح موقع مدينة سنجار – أ ف ب
وسنجار، هي منطقة جبليّة ، موطنٌ لخليط من السكان الكورد والعرب والإيزيديين، وهم أقلية إثنية ودينيّة، دُمّر 80% من البُنية التحتية و70% من بلدة سنجار، أكبر مدينة في القضاء، خلال النزاع ضدّ تنظيم داعش بين 2014 و2017.
ويقع قضاء سنجار في محافظة نينوى على مسافة 120 كيلومترا إلى الغرب من مدينة الموصل، العاصمة الإدارية للمحافظة، ونحو 50 كيلومترا إلى الشرق من الحدود السورية في شمال شرق محافظة الحسكة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news