من وحي ما يحدث في مدينة عدن من تخريب للقيم المدنية بايدي المعنيين بحمايتها؛ حاميها حراميها!.
رغم أنني منحدر من أصول ريفية ولا ذنبي لي في ذلك أبدا -إذ لا أحد يختار والديه ولا مكان مولده – لكنّي أشعر بأنني منتمي للقيم المدنية أكثر من بعض ابناء المدينة ذاتهم. المدينة مكان وفضاء عمومي للعيش والعمل والإقامة والمدنية قيم وأخلاق ورموز لا يفهما الا من أحبها وربما كان لتخصصي في الفلسفة دورا في استيعاب منى التمدن والمدنية. ليس بمقدور المجتمع المدني أن يولد وينمو ويزدهر بدون وجود قوة تحميه أو تبيح له فرصة الوجود الفاعل والديمومة، وهذا هو ما يقوله لنا جون أهرنبرغ, في كتابه المهم, المجتمع المدني: التاريخ النقدي للفكرة, الذي تتبع صيرورة المفهوم منذ أفلاطون وحتى هابرمانس. في الحقيقة لم يظهر المجتمع المدني بشكله الأنضج إلا بعد استقلال المجال السياسي عن المجال الديني وهذا هو أهم منجزات العلمانية الحديثة في العهد الليبرالي إذ رأت النظريات الليبرالية أن المجتمع المدني يستلزم نظاماً قانونياً يدافع عن حقوق الملكية الخاصة والروابط المهنية … فما يجعل من مجتمع ما مجتمعاً ((مدنياً)) هو أنه الموضع الذي ينظم فيه الناس أنفسهم بحرية في جماعات وروابط أصغر أو أكبر في مستويات متنوعة بغية الضغط على الهيئات الرسمية لسلطة الدولة من أجل تبني سياسات منسجمة مع مصالحها”_ يقصد تلك الجماعات المدنية المكتفية بذاتها. ويبين رتشارد سينيت في كتابه المهم(سقوط الإنسان العام) الفروق الدقيقة بين المجال العمومي ومجال الحياة العامة (المجتمع المدني) والمجال الشخصي , فالمجتمع المدني هو مجتمع الغرباء, إذ أن المجتمع الحميمي يجعل الحياة المدنية أمراً مستحيلاً. فالناس لا يستطيعون تطوير علاقاتهم مع الآخرين إذا عدوها غير مهمة لكونها علاقات لا شخصية. والمجتمع الحميم على عكس تأكيدات أصحابه , هو مجتمع فظ؛ لان الحياة المدنية (هي النشاط الذي يحمي الناس من بعضهم بعضاً, ويتيح لهم مع ذلك أن يتمتعوا برفقة الآخر) فالعيش مع الناس لا يستلزم (معرفتهم) ولا يستلزم التأكد من أنهم (يعرفونك) … والحياة المدنية تنوجد عندما لا يجعل المرء من نفسه عبأ على الآخرين” على هذا النحو النظري العام يمكن لنا استخلاص: أن المجتمع المدني بوصفه مجالاً للحياة العامة المستقلة عن مجالات الحياة الأخرى، مجال السياسية ومجال القرابة ومجال الاقتصاد، ومجال الدين لا يمكن له أن ينمو ويزدهر ألا في ظل وجود دولة المؤسسات المنظمة بالدستور والقانون. أما على صعيد السياق المحلي فنحن نعني بمصطلح (منظمات المجتمع المدني) الفاعلون غير الحكوميين بكل تنوعاتهم بالتوافق مع الخصائص اليمنية والشركاء والاقتصاديين والاجتماعيين ومنهم منظمات اتحادات التجارة والقاع الخاص، والاتحادات المهنية والنقابية والإبداعية والحقوقية والأحزاب وجمعيات النساء والطلاب والمبادرات الخيرية لرجال الدين والنخب الاجتماعية بوصفهما جماعات غير ربحية. ولما كنت على وعي واضح من أن الحياة المشتركة في مدينة بحرية مثل عدن الحبيبية لا يمكنها أن تستمر وتنمو دون التضامن المدني الفعّال، وأي استجلاب أي شكل من أشكال التضامنات التقليدية اليها يعني خرابها المؤكد فقد سعيت طول حياتي في مدينة عدن من أجل ترسيخ وتعزيز منظمات المجتمع المدني وقيمها والدعوة الدائمة الى حفظ وتنمية المؤسسات الوطنية العامة، وكنت في مقدمت المتضامنين مع أي شخص ذكرا كان أو أنثى ، مؤسسة أو منظمة أو جماعة تتعرض لأي نوع من انواع الانتهاكات والتعدي، واتذكر بانني أكثر من كتب مقالات مطولة بل وقصائد شعرية في التضامن مع مؤسسة وصحيفة الأيام وعميد المرحوم هشام باشراحيل في محنتهما المشهورة، تضامن خالص مخلص دون أي غايات أخرى، كما بذلت الغالي والرخيص في سبيل تعزيز وتنمية العدد من منظمات المجتمع المدني في عدن في مختلف أشكال النضال السلمي وكنت شاهد ودافع لميلاد الكثير منها بل وألقيت محاضرات للعدد منمنتسبيها من النشطاء والناشطات الشباب، ولعل بعضهم يتذكرون! فضلا عن تضامني مع زملاء وزميلات كثر في الجامعة وخارجها حينما كان الأمر يستدعي التضامن، حتى في الحالات البسيطة التي ادعى بعضهما/ هن، في عدن بأنها تسبب لهم/ هن/إساءة وإنهاك للخصوصية الفردية. تضامنت بضمير نقي، ما كل من دعاني للتضامن معه دون أن اسأله عن حقيقة دعواه! ايمانا مني بضرورة تعزيز قيم الثقافة التضامنية المدنية في مدينة لا تحميل غيرها ابدا! إذ كنت ولا زلت من أشد خصوم التضامنات التقليدية العمودية في المدينة، مهما كلفني الأمر من متاعب وألم، كان ذلك ديدني منذ كانت طالبا في الجامعة، إذ كرهت الاصطفافات المناطقية والقبلية والحزبية الايدولوجية والطائفية بكل أنماطها وأشكالها، وحرصت على تنمية وتعزيز التضامنات المدنية المؤسسية الأفقية الانسانية الواسعة. كان هذا السلوك نابعا من قناعات راسخة في عقلي وضمير ولا زال كذلك. وتعد المدينة، بوصفها ظاهرة اجتماعية تاريخية قديمة قدم الحضارة البشرية، من أعقد الموضوعات العلمية في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، بما تنطوي عليه من بنية شديدة التركيب تتكون من شبكة هائلة من الانساق والعناصر والممارسات والعلاقات والقيم والخصائص والوظائف والابعاد ومنها: (البعد الجغرافي المورفولوجي، والبعد السوسيولوجي، والبعد السياسي والبعد الثقافي الفكري والفني والأدبي، والبعد الاقتصادي والبعد القيمي الأخلاقي والجمالي، والبعد الديني والبعد المدني..الخ). وهي لذالك تقع على تخوم عدد واسع من العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافية. ورغم أهمية المدنية الا أنها لم تحظى بما تستحقه من البحث والدراسة العلمية المنهجية الجديرة بالقيمة والاعتبار. إذ لاتزال المدينة (معناها وبنيتها وخصائصها ووظائفها وشروطها وقيمها..الخ) في الثقافة العربية الراهنة من المجاهيل الكبرى. إذ قلما يجد الباحث في شؤونها كتابات علمية منشورة في الدوائر الأكاديمية والثقافية فضلا عن الشبكة العنكبوتية.
وحينما يواجه أحدنا سؤال بسيط: ماهي المدينة على وجه التحديد؟ يصيبه الارتباك والتلعثم ويكتشف جهله بالجواب! ويكتفي بالقول: أنني أعرفها ولا أعرف ماهي! ربما كان هذا هو أحد الأسباب التي دفعتنا في مركز فاعلون لتنظيم هذا الملتقى الدولي السابع المكرس لبحث ودراسة (المدينة في العالم العربي). من مختلف الزوايا والابعاد الفلسفية والأنثروبولوجية والمورفولوجية والسوسيولوجية والسيمائية والسياسية.. الخ. فضلا عن الأسباب الحافزة الأخرى وأهمها؛ ما تشهده المدينة وقيمها الحضرية في المجتمعات العربية اليوم من تحديات بالغة الحيوية والخطورة. إذ رأينا بأم أعيينا كيف تحولت مدن عربية عريقة كمدن (بغداد والبصرة وصنعاء وعدن والقاهرة ودمشق وحلب وطرابلس وبن غازي.. الخ) الى فضاءات عنيفة وأمكنة موحشة وخطرة للعيش والعمل. فما هي المدينة وكيف يمكننا مقاربة مفهومها ابستمولوجيا؟ وما الفرق بين مفهومي مدينة ومدنية؟ وما هي السمات والخصائص التي تميز المدينة عن أماكن العيش الأخرى كالأرياف والقرى؟ وكيف تطورت المدينة ومفهومها في السياق التاريخي الإنساني العام والعربي تحديدا؟ وما علاقة المدينة بالدولة وأشكال الهيمنة السياسية؟ وكيف نستشكل المدينة سوسولوجيا بوصفها فضاءا عاما للحياة الاجتماعية المشتركة للمواطنين المقيمين والوافدين؟ ومن أي زاوية يمكننا الاطلال على الملامح الأنثروبولوجية للمدن العربية؟ وكيف يمكن تمثل وتمثيل المدينة العربية سيميائياً؟ وما أوجه التشابه والاختلاف بين المدن والأرياف في المجتمعات العربية الراهنة؟ وماهي عوامل وشروط نمو وتنمية المدن واستقرارها وازدهار؟ وكيف يمكن تفسير أسباب تدهور المدينة ووظائفها وقيمها في العالم العربي اليوم؟ وغير ذلك من القضايا المتصلة بالمدينة ودوائرها بالعالم العربي؛ كالتخطيط الحضري، والبنية التحتية، والمؤسسات الخدمية، وفرص العمل والعيش الكريم والتنمية الاقتصادية، ومجال العدل والقضاء وحقوق الإنسان، ودور الثقافة والفنون الجميلة، ووضع المؤسسات التعليمية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني. الخ. كل تلك الأسئلة والقضايا الحيوية هي ما سوف تكون محط عناية واهتمام الملتقى الدولي السابع لمركز فاعلون. أهداف الملتقى: بالاتساق مع الأسئلة والمشكلات المطروحة على طاولة الملتقى الدولي السابع المكرس لبحث مشكلة المدينة في العالم العربي. يمكننا تحديد الأهداف بالآتي:
أولا: الإحاطة الأكاديمية النظرية والمنهجية بالمدينة مفهوما وظاهرة، بما يعمق المزيد من المعرفة والفهم المنهجي العقلاني السليم بها ومعناها ومشكلاتها في الثقافة العربية المعاصرة.
ثانيا: التعرف على السياقات التاريخية والفكرية لنمو وتطور المدينة ومفهومها عبر التاريخ.
ثالثا: التوفر على فهم العوامل والشروط الممكنة لنمو وتنمية المدينة واستقرارها وازدهارها.
رابعا: تسليط الضوء على الوضع الراهن للمدن العربية وتشخيص أزماتها.
خامسا: إشاعة الوعي العلمي في الدوائر الأكاديمية والثقافية الرسمية والمدنية وعند الرأي العام العربي عن المدنية واهميتها الحيوية في تطور الحضارة البشرية.
سادسا: الكشف عن أسباب أزمة المدينة العربية والبحث في الممكنات والسبل العلمية الكفيلة بعلاجها واستئناف نهضتها للقيام بوظائفها .
سابعا: اتاحة الفرصة للباحثين والباحثات العرب لعرض أفكارهم حول المدينة العربية ومناقشتها في فضاء حواري بطريق عقلانية منهجية منظمة.
محاور الملتقى:
أولا: المدينة من منظور أبستمولوجي
:
– مفهوم المدينة في الفكر الإنساني.
– المدينة والمدنية تشابه اللفظ واختلاف المعنى.
– معنى المدينة في المدونة الثقافة العربية.
ثانيا: مورفولوجيا المدينة العربية
:
– المكان والزمان والسكان والمناخ.
– التخطيط الحضري والنمط المعماري.
– البنية التحتية والمؤسسات الخدمية.
ثالثا: سوسيولوجية المدينة العربية
:
– الفاعلون الاجتماعيون وانماط علاقاتهم وتفاعلاتهم.
– أثر الهجرة من الريف الى المدينة.
– مشكلات الاندماج الاجتماعي بالمدن العربية.
رابعا: علاقات الهيمنة السياسة والمدينة العربية
:
– الصراع على السلطة وأثره في المدينة العربية.
– علاقات الولاء والانتماء والهوية.
– المجالات المدنية واستراتيجيات الهيمنة الأيديولوجية.
خامسا: التقليد والتحديث في المدينة العربية
:
– مشكلة التكنولوجيا المستوردة والتنمية المدينية العربية.
– المجتمع المدني والنوع الاجتماعي في المدن العربية.
– المدينة العربية وتحديات الإعلام الجديد.
سادسا: الطبيعية السيميائية للمدن العربية
:
– الفضاء العام ورهانات الراسمال الثقافي الرمزي.
– الرسمي والمدني في الشارع العربي
– التشابه والاختلاف السيميائي بين المدن العربية
سابعا: التنمية الاقتصادية في المدينة العربية
:
– فرص الاستثمار ومجالاته ومشكلاته.
– اجهزة القضاء والعدالة وفعاليتها في الضبط والحماية.
– فرص العمل والكفاءات العلمية العربية ( الجامعة والمجتمع)
ثامنا: المدينة العربية: تحديات وممكنات
:
– عوامل وشروط تنمية المدن العربية وازدهارها.
– معوقات ومقومات نهضة المدينة العربية.
– مقترحات بمشاريع علمية في حل أزمات المدن العربية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
تفجيران يستهدفان طقمين تابعين للمقاومة الوطنية أثناء توقفهما في مناطق مدنية بمدينة المخا والتربة
لم يكشفه الفيلم: الزوكا قُتل بوحشية ورأس صالح ثأرًا لحسين.. ورأس طارق انتقامًا لدماج وهنا قاتلهم
عاجل : قوة عسكرية وقبلية ترافق موكب الشيخ محمد بن احمد الزايدي اثناء اطلاق سراحه ومغادرته ديوان عام
تم ظهر اليوم الإفراج عن الشيخ القبلي محمد أحمد الزايدي في محافظة المهرة، بموجب اتفاق تم بين السلطات