تفاصيل الخبر | اهم الاخبار
المقاومة الوطنية في ذكراها السابعة: من رصاصة المعركة إلى لبنة الدولة
71 قراءة  |

د. محمد الحميدي

سبعُ سنواتٍ انقضت، وأنا أتأمل كيف تحولت رصاصات الاشتباكات في الساحل الغربي إلى أدوات بناءٍ لا ينهض إلا فوق أنقاض الحروب. لم تكن هذه الحرب مجرد صراع على الجغرافيا، بل امتحانًا صارخًا لروح وطنية رفضت أن تُهزم، لتُعيد تعريف السيادة، أنها ليست حكمًا قسريًا على رقعة من الأرض، بل قدرة على استنبات الأمل وسط الخراب، وتحويل البندقية من أداة قتل إلى رافعة حياة.

استراحة في قلب العاصفة، لحظة تأمل ولادة جديدة، لا هروب من المعركة، فالإنسان وُلد حرًا، ولكنه مكبل بقيوده، كانت تلك اللحظة فرصة لكسر قيد الهزيمة، وصوغ فكرة أسمى، بأن الجمهورية لا تُؤخذ مرتين، بل تُستعاد حين يُغمد السيف ويشحذ الوعي.

حين احتضنت الرمال أطراف صنعاء، شعرت بتمزق العقد الاجتماعي الذي به ولدت الجمهورية. لم يكن خروج العميد طارق محمد عبدالله صالح إلى الساحل الغربي انسحابًا، بل لحظة تأمل في معنى المعركة. هناك، في الخوخة، انبثقت المقاومة الوطنية لا كفصيل عسكري فقط، بل كفكرة جمهورية تستعيد شرف العاصمة المختطفة وتواجه المشروع الإيراني في قلب وكل اليمن.

ولدت المقاومة الوطنية من جراح ديسمبر، لكنها لم تسكن الحزن، بل صاغت من الألم مشروعًا يتجاوز الردود اللحظية نحو تأسيس وعيٍ جديد، يؤمن أن الكرامة لا تُستعاد بالنحيب، بل بصناعة مستقبل يُعيد المعنى للدولة والناس.

في كل بندقية موجهة نحو الإنقلاب القبيح وعيٌ جمهوري، وفي كل رصاصة فكرةٌ خلفها الوطن. لم يكن إطلاق النار على الحوثي مجرد رد عسكري، إنما إعلان عن عودة الدولة من هشيمها، وعن يقظةٍ ترفض تشييع وتشيُع الجمهورية.

لم تكن المعركة في الجبهات فحسب، بل في عمق الوعي؛ ضد مشروعٍ يستهدف الهوية بالتشظي، والإنسان بالاستلاب، والتاريخ بالتحوير. لم تولد المقاومة الوطنية من رحم الهزيمة، بل كانت انبعاثًا للدولة من ركام الارتباك. من ملحمة ديسمبر، خرج مشروع لا يحمل ثأرًا، بل يبني معنى، لا يستنسخ الماضي، إنما يبتكر الغد وأحلامه التي لا تنتهي.

في مشروع حراس الجمهورية، حضرت الدولة فكرة تنهض من الميدان: مؤسسات تُستعاد، ومدارس تُفتح، وثقة تُنسج مع الناس. لم تكن المعركة لتصفية الحسابات، إنما لتهذيب الصراع وتحويل التضحيات إلى طاقة خلّاقة ومسار يتجاوز الثأر نحو البناء.

لقد بدأ لي أن المكتب السياسي للمقاومة يعمل كجسرٍ صامت بين السياسة والمجتمع. لم أسمع عندهم صخب البيروقراطية، بل لمستُ منهجية ترتكز على التفاعل الصادق مع الناس. وبينما انشغل آخرون بالخطابات والشعارات، اختارت المقاومة أن تُعيد بناء الجسور لا أن تحرقها، أن تُضيء الطرقات لا أن تكتفي بإصدار البيانات. هذا الصمت المفعم بالفعل، يقول للمواطن: نحن هنا، نشاركك الأرض والنبض والمصير والتحرير .

ومنذ اللحظة الأولى، لم تكن إستعادة صنعاء مجرد هدف عسكري فقط، اُسميه استعادةٌ لمفهوم الدولة، دولةٍ بمؤسساتٍ تحمي، لا ميليشيا تسلب، بعقد اجتماعي، لا ولايةٍ مذهبية. لقد جسّدت المقاومة الوطنية قُدسية هذه المعركة، فترجمتها إلى عمل يومي عميق في خدمة الناس، في إعادة فتح المدارس وتأهيل المستشفيات، وإحياء المؤسسات المحلية. ليست تلك مشاريع إغاثة وهبة، هيّ إعلان ضمني أن تحرير الإنسان هو جوهر السيادة، وأن العمران بداية الجمهورية لا نهايتها.

أما عسكريًا، فقد أسرتني عقيدة “حراس الجمهورية” تلك التي جمعت بين الانضباط والإنسانية، وبين الشجاعة والمبدأ. لم يكن المقاتل هناك مجرد فرد يحمل السلاح، بل حاملًا لفكرة الدولة الحديثة، جمهورية الناس، لا طغيان النفس العنصري. الجندي الذي يحرس تراب تهامة، هو ذاته من يفتح الطريق لعودة العاصمة، لا باعتبارها مركزًا سياسيًا، بل رمزًا لاستعادة الكرامة اليمنية من براثن الانقلاب والهيمنة الفارسية.

التقيت العميد طارق صالح قبل وبعد مشاورات الرياض، ومرة اثناء خروج رمزين من رموز ديسمبر. وجدته بسيطًا، مرحبًا، نظيفًا من الداخل، مستمعًا جيدًا. كان في ملامحه مزيج أصيل من الثورة والدولة. وفي لحظة وداعٍ قصيرة، همستُ في أذنه ثلاث مسميات كمشاكسة أو اختبار، لكنه حل الواجب سريعًا وقال: “إنها ثوابت… حتى نموت”. لم تكن تلك الكلمات مجرد ردٍّ لبق، بل إيمان راسخ بمسؤولية تاريخية لا تتبدل.

في التجربة السياسية للعميد طارق صالح، بدا أن الصمت لم يكن غيابًا عن الفعل، بل أسلوبًا في هندسة الموقف. غير أن الصمت، مهما كانت حكمته، لا يُغني عن ضرورة التفسير عندما تتراكم الأسئلة، وتتسرب من الفجوات مشاعر الحيرة أو الانتظار الطويل.

لقد أدار ملفات حساسة بكفاءة المقاتل الذي يفهم الخرائط، لكنه أحيانًا يتعامل مع السياسة وكأنها ميدان عسكري، فغابت بعض التفاصيل التي لا يظهر أثرها إلا في المسارات العميقة: هناك تحالفات لم تُختبر، وملفات لم تفتح في وقتها، وفرص للتماس الشعبي لم تُستثمر بواقعية الالتقاط السريع .

ليس كل من اقترب صديق، ولا كل من ابتعد خصم. وهناك ملفات لو أُديرت بقبضة أعمق وعينٍ أكثر اختراقًا، لكان للمشروع الجمهوري ظهير شعبي أوسع، وامتداد وطني أكثر صلابة. فالمعادلات لا تُبنى بالثقة وحدها، بل بالفهم العميق لتقلبات الولاء، وضرورات الانفتاح دون تفريط.

فلتكن هذه الذكرى جرسًا يُنبهنا لا للاحتفال، بل لمواصلة معمار الجمهورية، حتى تستعيد صنعاء موقعها، لا فقط في الجغرافيا، بل في ضمير اليمن كله، “وحتى يولدُ من قلب النار جمهورية جديدة” .

تعليقات الفيس بوك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك
كريتر سكاي | 553 قراءة 

أفادت مصادر إعلامية بأن محافظة مأرب قد تواجه خلال الفترة المقبلة ضغوطاً دول


المرصد برس | 537 قراءة 

يزخر المجتمع السعودي بالكثير من القصص التي تجمع بين الغرابة والدهشة، لكن هذه القصة التي وقعت في العا


يني يمن | 442 قراءة 

سجلت أسعار الصرف في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة حضرموت، صباح اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025، استقراراً


العاصفة نيوز | 435 قراءة 

بقلم/ نورا المطيري لو أتيح لي العمل في مركز أبحاث استراتيجي أمريكي وطلب مني تقديم تقرير للرئيس دونال


عدن حرة | 416 قراءة 

أوصلوا هذه الرسالة إلى سيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، وإلى النائب القائد أبو زرعة – للأهمية الق


يافع نيوز | 398 قراءة 

يافع نيوز/خاص: أصدر رئيس مجلس الوزراء، رئيس المجلس الأعلى للجامعات، سالم صالح بن بريك، القرار رقم (


نيوز لاين | 371 قراءة 

إجراءات جديدة بشأن حضور العريس في صالة النساء أثناء مراسم الزفاف


الحكمة نت | 326 قراءة 

الشركة اليمنية للغاز تصدر قائمة جديدة لسعر اسطوانة الغاز المنزلي


كريتر سكاي | 321 قراءة 

أعلنت الجهات المختصة أسعار النقل الجديدة عبر حافلات النقل الدولية بين اليمن


عدن تايم | 316 قراءة 

إن فتح بعض الطرقات، وانخفاض قيمة العملات الأجنبية، وارتفاع قيمة الريال اليمني حتى يتساوى مع قيمته في