أ.د. مسعود عمشوش
أولا- النشأة والدراسة:
سنة 1939، في بيت حجري يقع في سفح جبل المكلا المطل على البحر العربي، رُزِق، محمد عبد العزيز، أول مصور فوتوغرافي في المكلا، بابنه البكر سالم. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ألحقه، بـ(المدرسة الغربية). وكان من بين مدرسيه فيها: عبد الرحمن عبدالله بكير وحسين بارباع ومحمد عتعوت وعبدالرحمن الجيلاني وحمد حيتر. وفي سنة 1950 التحق سالم بـ(المدرسة الأم)، أي (المدرسة الوسطى) بغيل باوزير، وفيها جايل كل من محمد سالم باعباد ومحمد أحمد باصرة وعمر أحمد الشاطري وصالح سالم لرضي ومحمد عبدالرحيم باوزير وعمر أحمد بن سلم.
وفي (المدرسة الأم) انكبّ الطالب سالم على قراءة دواوين الشعر والروايات والمسرحيات، وتجلّت مواهبه الأدبية خلال مشاركته المتميزة في الأنشطة اللاصفية التي ألقى خلالها أولى محاولاته الشعرية. ومن أشهرها قصيدة بعنوان (أظلمت يا غيل)، قال في مطلعها:
أظلمت يا غيل فما الخبر؟ هل ظعن الأحباب أم هجروا؟
أين التي.. إما اختفى القمر كان له من عينها قمر
يا غيل قلب الصب منكسر على صبا العشق ومنجبر
وبعد أن أنهى سالم المرحلة المتوسطة، انتقل (سنة 1954) إلى عدن لمواصلة التعليم الثانوي في (Aden College) الشهيرة. وفي نهاية السنة الدراسية الثالثة فيها منحته جامعة لندن شهادة الثقافة العامة (GCE). وفي نهاية عام 1957عاد سالم إلى المكلا والتحق بسلك التدريس، وأنيط به تعليم مادة اللغة الإنجليزية في أكثر من مدرسة في الوقت نفسه.
وفي سنة 1960، تحصل سالم عبد العزيز على منحة لدراسة الأدب الإنجليزي في الجامعة الامريكية في بيروت التي حصل منها على درجة البكالوريوس (B.A) سنة 1964. ويعد الرائد سالم محمد عبد العزيز أول من تخرج من تلك الجامعة من أبناء بلادنا.
وأثناء الإقامة في بيروت، التي كانت قبلة الأدباء والمفكرين والناشرين العرب، استطاع سالم عبد العزيز أن يتعرف على مختلف التيارات الفكرية والأدبية والسياسية، وعلى كثير من رواد الحداثة في البلاد العربية. ويمكننا أن نلمس مدى تفاعله مع تلك التيارات في الكثير من المقالات التي كان يرسلها من بيروت إلى الصحف التي كانت تصدر في حضرموت في تلك الفترة، لاسيما في صحيفة (الطليعة).
ثانيا- دور سالم عبد العزيز في تأسيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية العليا
بعد أن تحصل الرائد سالم عبد العزيز على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1964، عُيَّن مديرا للمعارف في حضرموت، وتمّ تكليفه بالسفر إلى السودان لوضع مناهج الثانوية العامة بالتنسيق مع مكتب بخت الرضا، والتعاقد مع عدد من المدرسين السودانيين للتدريس في حضرموت. وفي سنة 1966 بُعِث للقاهرة للمشاركة في دورة بمعهد الإدارة العامة، وبعد عودته عُيَّن ضابطا لشئون الموظفين. وبعد الاستقلال استدعي سالم عبد العزيز، مثل كثير من الحضارم، للعمل في عدن في الجهاز المركزي للخدمة المدنية بالعاصمة عدن. وظل في تلك الوظيفة حتى نهاية سنة 1970 حينما تمّ نقله إلى إدارة الهيئة العامة للقوى الكهربائية التي مكث فيها سنة وسبعة أشهر فقط. ففي مطلع سنة 1972 انتقل ابن عبد العزيز إلى كلية التربية العليا ليدرس تخصصه: الأدب الإنجليزي، في قسم اللغة الإنجليزية الذي كان حينها في طور التأسيس، وكان يتحمل مسؤولية إدارته الأستاذ البريطاني فوستر الميّن من قبل منظمة اليونسكو.
وكان النظام المتبع في مختلف برامج البكالوريوس بكلية التربية العليا التي تأسست في 5 ديسمبر 1970، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، مزدوجا ويلزم الملتحقين بأقسام اللغات باختيار تخصص آخر، لغوي أو من العلوم الإنسانية، وذلك حتى نهاية العام 1976. ففي سنة 1975، بعد دورة قصيرة في جامعة ادنبرة ببريطانيا، انتخب سالم عبد العزيز رئيسا لقسم اللغة الإنجليزية وأصر على أن تصبح اللغة الإنجليزية تخصصا منفردا، وعدم إجبار الملتحق به بدراسة تخصص آخر. ومن مطلع العام الدراسي 76/77 تم قبول طلبة في قسم اللغة العربية واللغة الإنجليزية كتخصص منفرد، وذلك لأهميتهما في تأهيل مدرسي اللغة الإنجليزية في المدارس الموحدة والثانوية.
وهذا يعني أن سالم عبد العزيز استطاع أن يستخرج قرارا بجعل اللغة الإنجليزية تخصصا منفردا. واستقطب إليه عددا من كبار الأساتذة المتخصصين في تدريب مدرسي اللغة الإنجليزية، مثل كريشنا سوامي والدكتور بالا، (الذي أصبح من سنة 1981 مشرفا علميا للقسم)، وماثيو باناماكات والدكتور رزقي، الذين بفضلهم تم تأهيل أفضل مدرسي اللغة الإنجليزية للقسم نفسه وللمدارس الثانوية والابتدائية. كما تخرج من القسم عدد كبير من الطلاب الذين تبوأوا مراكز قيادية رفيعة في أجهزة الدولة المختلفة، ومنهم من صار باحثا أو كاتبا أو أديبا أو أستاذا جامعيا.
وبفضل جهود سالم عبد العزيز والدكتور بالا تم افتتاح أول برنامج للدراسات العليا في جامعة سنة 1981 حينما التحقت المعيدتان فوزية سالم وشيرين ياسين ببرنامج الدبلوم العالي في اللغة الإنجليزية. وفي سنة 1986 سلم ابن عبد العزيز رئاسة قسم اللغة الإنجليزية للدكتور شوقي علي باحميد.
وفي الفترة من 1986 إلى 1996، استمر سالم عبد العزيز في تدريس مادة الأدب الإنجليزي، وأسهم في وضع مناهج اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية، وشارك كذلك في عدد من الورش العمل والندوات في النمسا وكوبا وكوريا ومصر. وقام بتأليف (معجم المصلحات اللغوية: إنجليزي-عربي)، وكتيب يضم نحو مئة مثلا عربيا ومقابله باللغة الإنجليزية.
ثالثا- دوره في تأسيس مركز الدراسات الإنجليزية والترجمة
في سنة 1996 قدم سالم عبد العزيز للأستاذ صالح علي باصرة رئيس الجامعة مشروعا متكاملا بتأسيس مركز الدراسات الإنجليزية والترجمة، للقيام بأعمال الترجمة والتدريب على الترجمة وطوير علاقة بلادنا بالدول الناطقة باللغة الإنجليزية لاسيما بريطانيا والولايات المتحدة الإمريكية. وفي 22 نوفمبر 1996 أصدر رئيس الجامعة قرارين: الأول بتأسيس المركز والثاني بتعيين الأستاذ المساعد سالم محمد عبد العزيز مديرا له. وعين الدكتور عبد الولي هادي نائبا له. وقد قال الأستاذ عبد الله فاضل فارع في الكتاب التأبيني "لقد رعى المرحوم سالم عبد العزيز مشروع مركز الدراسات منذ أبرزه هو فكرةً إلى أن استقامت زكاءً، خلقا سويا، إلى قيام المركز، وقَبِلَ طلابا يَرِدونه. ومع إدارة المركز أسهم المرحوم في إلقاء المحاضرات في مجالات تخصصه المعهودة في ميدان الأخطاء الشائعة، عربيا وإنجليزيا، وتناول الأمثال موازنةً بين العربية والإنجليزية، وأثرى التدريس بالمعلومات العامة من ملح ونوادر، مما يحبب ما في اللغتين من المترادف والنقيض، وما يثير ظرفا ولطفا ويشيع حيوية، وما يشوق الدارسين بعلمه وذوقه، ميلا إليه، ويكرمه تَجِلَّةً وإعجابا مستمرين". (لنظر الراحل عن العين إلى القلب، ص98).
وفي مطلع سنة 1997 استصدر سالم عبد العزيز قرارا باستنهاج برنامج الدبلوم العالي في الترجمة، وكان هو من أهم المدرسين فيه، إلى جانب عبد الله فاضل وعددٍ من كوادر قسمي اللغة الإنجليزية والعربية.
رابعا- سالم عبد العزيز شاعرا:
وباللغة العربية ألـّـف سالم عبد العزيز عددا كبيرا من القصائد؛ بعضها باللهجة الحضرمية والآخر بالفصحى. وقد جمع الأخيرة في ديوان، جاهز للنشر، وأطلق عليه (العشقُ أيضا يمان). وتهيمن على معظم قصائده تيمة الغزل والحب الذي تتماهى فيه المرأة مع الطبيعة، ففي قصيدة (الشاعر العاشق) قال:
"يا وردة زهت بها حدائق العبير
عصرتها في خاطري وذُبتُ في العصير
لو سأل الدير عن شاعره الأمير
ترنحي وطيري كموجة الأثير
رفّي على أنفاسها وشعرها الغزير
يا زخة العبير طيري ولا تطيري".
كما يتجلى في قصائد ذلك الديوان عشق سالم عبد العزيز لعدد كبير من الأمكنة المدن التي سكنها أو زارها، وعلى رأسها عدن وبيروت والخرطوم، والمكلا مسقط رأسه، التي قال فيها:
مهدُ المكلا البحر والجبـــــل
فمُها الهوى وعيونها الأمل
تيجـــــانها الأكوات شامخة
وبســــــاطها الأمواج تبتهل
ليل المكلا كله غزلُ
كم طاب لي في ليلها الغزل
الشعر والألحان نسمته
والرقص حين البدر يكتمل
ويضم الديوان قصديتين تغنّى فيهما سالم عبد العزيز بمدينته عدن؛ عبّر في الأولى منهما عن اشتياقه لها عندما ابتعد عنها في دورة دراسية في لندن، قائلا:
لابد من عدن ربىً ومياهاً مهما نأت أمواهها ورباها
من رامها أضحى أسير دروبها أنّى توجه لا يرى إلاها
إما تغيبها الأحبة غفلة عادوا سراعا يلثمون ثراها
لو زارها مرا حبيب عابر حط الرحال بها وعاف سواها.
وكرّس الشاعر سالم عبد العزيز أربع قصائد لمنطقة سكنه (حافون) بالمعلا، قال في إحداها:
إذا الأيام ما جاءت بما قالت به الأيام
غرزتُ العشق في قلبي وناحت حوله الأحلام
فيا حافون عودي لي ويا المحبوب في حافون
غرزت القلب في العينين كالمجنون يا حافون
ومن الشمس نارا في جنون العشق كالمجنون
إلى شمسان يا جنية الماضي إلى شمسان
وتاجي الشمس أخطو في بساط الفل والريحان
يد المحبوب تسقيني عصير الورد والرمان
وتهديني بنور الحب وتغويني إلى الإيمان
إذا الأيام ما عادت سألوي عنقها الأيام
إلى حافون حيث الشمس والأحباب والأحلام.
أما القصائد التي ألفها سالم عبد العزيز باللهجة الحضرمية فقد جمعها في ديوان أسماه (قُصُد حضرمية)، ولعل أشهرها قصيدة (مَحَدْ يصدق عبود) التي قال فيها:
لا تعتزي بالكند ولّى زمن الكنود
العيد ما هو ثمد والخشر ما هو فرود
الليل ما هو سود ما دام في الشخط عود
من يوم عرفتك أسد والتالية للأسود.
وقد كرس الفقيد الناقد أ.د. عبد المطلب جبر دراسة موجزة للديوان بعنوان (بلاغة اللهجة في قُصُد حضرمية لسالم عبد العزيز)، كتب فيها: ” تستوعب قصائد الديوان التنوع الهائل في لهجات حضرموت وأمثالها ورموزها الموروثة، ومدنها، والدلالات الدقيقة لمفرداتها، وهو استيعاب مذهل كشفت عنه هذه القصائد، وربما كانت قصيدة (رباعيات حضرمية) جامعة لكثير من هذه الخصائص، فهي مطولة تتكون من أربعة وستين مقطعا رباعي الفقرات أو الأشطار، أودع فيها الشاعر خلاصة فنه وقدرته التعبيرية بشعر اللهجة، وقدرته على إبراز العوالم النفسية للشخوص، وتفاصيل الأمكنة وأشيائها، وأجوائها، بما يصور الصلة الحميمة بين الشاعر وهذه العوالم وأصدائها في وجدانه”. وفي ختام الدراسة كتب عبد المطلب جبر: “لقد كان الأستاذ الفقيد شاعرا في كل جوانب حياته، في مفرداته، وفي تعامله مع الناس والأشياء والحياة، وفي صلته الحميمة بما حوله وبمن حوله". (الراحل عن العين إلى القلب، ص33)
وتجدر الإشارة إلى أن بعض قصائد ابن عبد العزيز العامية تتميّز بمستوى موسيقي رفيع، أكسبها صبغة غنائية شجعت بعض الفنانين على تلحينها. وفي الحقيقة، للأستاذ سالم عبد العزيز قصائد غنائية لا تقل روعة من قصائد أخيه الأصغر خالد محمد عبد العزيز صاحب قصيدة (بُعْد المكلا شاق). وقد لحّن وغنّى له الدكتور عبد الرب إدريس قصيدة (فين الهناء يا قمر).
واعترافا بالمستوى الشعري لقصائد سالم عبد العزيز لم تتردد مؤسسة (سعود البابطين للإبداع الشعري) في تضمين موسوعتها للشعر العربي الحديث ثلاث قصائد لسالم عبد العزيز، هي: (البلاغ)، و(نداء الأعراق)، و(الحب الصافي)، وذلك سنة 1995.
خامسا- سالم عبد العزيز ناقدا:
قبل السفر إلى بيروت، تواصل سالم عبد العزيز مع صحيفة (الفكر) العدنية ونشر فيها عددا من المقالات، التي تناول فيها بعض جوانب الحياة في حضرموت. وكما سبق إن ذكرنا، حرص ابن عبد العزيز، أثناء إقامته للدراسة في بيروت بين سنة 1960 وسنة 1964، وبعد عودته منها، على رفد الصحف في حضرموت، وبشكل رئيس (الطليعة) و(الرسالة التربوية)، بعدد من المقالات التي يدخل معظمها في مجال النقد الأدبي. ففي صحيفة (الطليعة) نشر مقالان تناول فيهما الشعر وطبيعته. وكرس مقالا آخر لقراءة نقدية لأول مجموعة قصصية نشرها الأديب عبد الله سالم باوزير: (الرمال الذهبية) (الطليعة، العدد 288، 18 فبراير 1965).
وفي العدد الأول من (الرسالة التربوية، نوفمبر 1964) التي شارك سالم عبد العزيز في تأسيسها في المكلا، نشر مقالا طويلا عن (البياتي والعروبة)، تناول فيه الأبعاد القومية في شعر عبد الوهاب البياتي الذي كان حينها يُتهم بالشعوبية والعداء للعروبة، وقد قال فيها: "لست أعرف شاعرا معاصرا عبّر عن التجارب العربية والعالج المشاكل العربية وغنى الأمل العربي والانتصارات العربية، كما فعل عبد الوهاب البياتي". ومن المعلوم أن سالم عبد العزيز، في السنة الأخيرة من عمره، قد شارك في تحرير في صحيفة جامعة عدن (آفاق جامعية)، وكان له فيها عمود ثابت عنوانه (تقويم اللسان)، حاول من خلاله تصويب بعض الأخطاء الشائعة في اللغة العربية.
وفي الختام يمكن أن نشير إلى أن سالم عبد العزيز ترك لنا كذلك بعض النصوص القصصية، نَشَرت له صحيفة (الطليعة) المكلاوية واحدا منها في خمس حلقات. ونُشِرت له (قصة قصيرة جدا) في كتاب التأبين (الراحل من العين إلى القلب، ص69)
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
توقع الخبير العسكري الأردني اللواء المتقاعد فايز الدويري، السيناريوهات المحتملة للتدخل البري الأم
أعلن تحالف قبائل محور شعيب، اليوم، جاهزيته الكاملة للمشاركة في معركة تحرير العاصمة اليمنية صنعاء من
تشهد العاصمة اليمنية صنعاء موجة بيع غير مسبوقة للعقارات والأراضي السكنية والتجارية، والتي يُعتقد أن