في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز مجرد ضربة عسكرية، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، اليوم الخميس، عن استهداف منصة وقود في ميناء رأس عيسى شمال مدينة الحديدة، أحد أهم الموانئ الحيوية الخاضعة لسيطرة الحوثيين على ساحل البحر الأحمر.

وأكدت واشنطن أن هذه الخطوة تهدف إلى حرمان الحوثيين من مورد اقتصادي مهم يُستخدم – بحسب البيان الأمريكي – في تمويل "الأنشطة الإرهابية" و"الهيمنة العسكرية".

ويقع ميناء رأس عيسى على الساحل الغربي لليمن، ويُستخدم كمرفأ لتصدير النفط الخام، حيث يتم ضخ النفط من حقول مأرب والجوف عبر أنبوب يمتد لمسافة 439 كيلومترًا إلى الميناء. تُشغّل شركة صافر اليمنية للنفط هذا الميناء، الذي يتميز بقدرته على استيعاب ناقلات نفطية كبيرة، مما يجعله ذا أهمية استراتيجية في تصدير النفط اليمني.

رئة اقتصادية للحوثيين

ورغم أن ميناء رأس عيسى بُني أصلاً لتصدير النفط الخام من حقول مأرب عبر أنبوب مأرب–رأس عيسى، إلا أن الحرب التي اندلعت منذ عام 2015، ثم سيطرة الحوثيين على الحديدة، جعلت منه منفذًا بديلًا ومصدرًا لتمويل الجماعة من خلال استقبال المشتقات النفطية وتحصيل عوائدها من السوق السوداء.

توقّف تصدير النفط عبر الميناء بفعل الصراع، لكن الحوثيين أعادوا توظيفه ليكون أداة اقتصادية ضمن شبكة سيطرتهم المالية، حيث يُستقبل عبره الوقود القادم من دول وجهات مختلفة – بعضها عبر وسطاء – في انتهاك للقيود الدولية المفروضة على تمويل الجماعة.

واتهمت تقارير أممية ودولية الحوثيين باستخدام الميناء لتهريب الأسلحة، أو كمصدر لعائدات مالية من خلال رسوم جمركية وضرائب مفروضة على السفن.

رسائل متعددة

تأتي الضربة في سياق حملة أمريكية متصاعدة تستهدف تحجيم القدرات الاقتصادية والعسكرية للحوثيين بعد تصاعد هجماتهم في البحر الأحمر واستمرار استهدافهم لإسرائيل عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة. ووفقًا للقيادة المركزية، فإن استهداف منشآت الوقود يهدف إلى:

- حرمان الحوثيين من مصادر تمويل تُستخدم في العمليات العسكرية.

- إضعاف بنيتهم التحتية الاقتصادية التي تُمكّنهم من فرض نفوذهم داخليًا.

- إيصال رسالة رادعة لإيران التي تُعد الداعم الأول للجماعة.

لكن هذه الضربة تحمل أيضًا مخاطر تصعيد على الأرض، خاصة مع التداخل الكبير بين المرافق المدنية والعسكرية في مناطق سيطرة الحوثيين.

بين الأهمية الاقتصادية والأمن البحري

ويُشكّل ميناء رأس عيسى أحد المنافذ البحرية القليلة المتبقية بيد الحوثيين على البحر الأحمر، وبالتالي فإن استهدافه لا يُعد فقط ضربة للموارد المالية، بل تهديدًا مباشرًا بقطع شريان لوجستي هام يُستخدم لإدخال الوقود ومواد أخرى قد تكون مزدوجة الاستخدام.

وبينما تؤكد واشنطن أن الضربة لم تكن موجهة ضد الشعب اليمني، يرى مراقبون أن تقييد دخول الوقود بشكل غير منظم سيُفاقم الأزمة الإنسانية، ما لم تُفتح منافذ بديلة بإشراف دولي واضح يضمن تدفق المشتقات بشكل قانوني للمدنيين فقط.