في حادثة نادرة ومثيرة للجدل في الولايات المتحدة، اعترف البيت الأبيض بضم صحفي عن طريق الخطأ إلى مجموعة مراسلة سرية للغاية تضم كبار المسؤولين الأميركيين، حيث كانت المجموعة تتناقش بشأن خطط لشن ضربات جوية ضد جماعة الحوثيين في اليمن. هذا الحدث جاء وسط تكهنات بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدرس إقالة مستشار الأمن القومي مايكل والتز، وكان من المتوقع أن يتم اتخاذ القرار بشأنه في الأيام القليلة المقبلة.

وفي تفاصيل جديدة نقلها موقع "بوليتيكو"، كشف مسؤول أميركي أن كبار مساعدي البيت الأبيض قد اقترحوا على ترامب أن يتخذ خطوة إقالة مستشار الأمن القومي من أجل تجنب المزيد من الإحراج للإدارة، مشيرًا إلى أن ترامب سيتخذ القرار النهائي حول مصير مستشاره خلال اليومين القادمين. بينما أفادت شبكة "سي إن إن" بأن ترامب لا يعتزم إقالة والتز، وذلك بالرغم من الضجة الإعلامية حول الحادثة.

إلى جانب ذلك، وردت تقارير أفادت بأن الرئيس ترامب كان قد أُطلع على تقرير من مجلة "أتلانتيك" التي تناولت الموضوع، وأشار في تصريحاته للصحفيين إلى أنه كان يجهل تمامًا تفاصيل هذه المسألة وأنه يسمع عنها للمرة الأولى، إلا أنه أضاف أن الهجمات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين كانت فعالة وتحقق أهدافها.

الحادثة بدأت عندما كشف الصحفي جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة "ذي أتلانتيك"، في مقال نشره أنه تم إضافته عن غير قصد إلى مجموعة مراسلة عبر تطبيق "سيغنال" الذي يُستخدم عادة بين السياسيين والصحفيين بفضل سرية محادثاته. في تلك المحادثة، التي كان يتواجد فيها كبار المسؤولين مثل وزير الدفاع بيت هيغسيث، وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب الرئيس جيه دي فانس، تم التباحث في تفاصيل خطة لشن ضربات جوية على جماعة الحوثيين في اليمن. وكان من بين المشاركين أيضًا رئيس وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" جون راتكليف.

أوضح غولدبرغ أن المحادثة كانت تتناول تفاصيل دقيقة حول الضربات العسكرية، بما في ذلك الأهداف والأسلحة التي سيتم استخدامها في الهجمات، بالإضافة إلى توقيت تنفيذ الهجمات التي تم تحديدها في الساعة 1:45 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة. وأشار غولدبرغ إلى أنه لم يكن يعتقد في البداية أن هذه المحادثة كانت حقيقية، لكن مع تنفيذ الضربات في 15 مارس/آذار، أدرك أنه كان جزءًا من عملية عسكرية حقيقية.

ورغم أن هذا التسريب كان يمكن أن يشكل خطرًا كبيرًا إذا تم الكشف عن تفاصيل الخطط العسكرية قبل تنفيذ الضربات، أكد غولدبرغ أنه لم يقم بنشر أي معلومات حساسة بعد. لكن هذه الواقعة أثارت العديد من الأسئلة حول إدارة المعلومات السرية في البيت الأبيض، حيث أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بريان هيوز أن التحقيق جاري لمعرفة كيفية إضافة صحفي عن غير قصد إلى هذه المحادثة.

وأوضحت التقارير أن الحادثة أثارت غضب بعض المسؤولين في البيت الأبيض، فيما أشار آخرون إلى أن إدارة ترامب كانت قادرة على التفاعل بسرعة مع الموقف، حيث تم إخبار ترامب في وقت لاحق من الحادثة، وتبنى موقفًا داعمًا لفريقه في الأمن القومي. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الرئيس لا يزال يثق في فريقه للأمن القومي.

لكن على الجانب الآخر، سارعت المعارضة الديمقراطية في واشنطن إلى انتقاد الحادثة، معتبرة إياها واحدة من أسوأ تسريبات الاستخبارات العسكرية في التاريخ الأميركي. وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إنه من الضروري إجراء تحقيق كامل في هذا التسريب. بينما اعتبر بيت بوتيدجيدج، الوزير السابق والشخصية البارزة في الحزب الديمقراطي، أن هذه الحادثة تمثل أكبر فشل ممكن من الناحية الأمنية، مشيرًا إلى أن هؤلاء المسؤولين غير قادرين على ضمان أمن أميركا.

وفي موقف مشابه، انتقدت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة، الحادثة عبر منصات التواصل الاجتماعي معتبرة إياها دليلاً على فشل الإدارة في الحفاظ على سرية المعلومات، وكتبت "قولوا لي إنّها مزحة!". وكانت كلينتون قد تعرضت سابقًا لانتقادات من قبل الجمهوريين بسبب استخدامها لبريد إلكتروني خاص أثناء فترة توليها وزارة الخارجية، مما جعل بعض منتقديها يستغلون هذه الواقعة في الهجوم على الإدارة الحالية.

على الرغم من الضجة الإعلامية، لم يتضح بعد ما إذا كانت المحادثة قد انتهكت قوانين حفظ السجلات الاتحادية أو القوانين المتعلقة بسوء التعامل مع المعلومات السرية. يبقى الأمر مثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحادثة تمثل خطرًا أمنيًا حقيقيًا أم أنها مجرد زلة غير مقصودة، خاصة مع التحقيق الجاري في كيفية حدوث التسريب.