"هناك رسالة كان يجب أن تصل ووصلت" ، بهذه العبارة يُشير القيادي البارز بمليشيا الحوثي عبدالقادر المرتضى في منشور مقتضب على منصة "أكس" الى أحدث رسائل التهديد الصادرة عن المليشيا مؤخراً تجاه السعودية والسلطة الشرعية بالمناطق المحررة.

حيث ارفق القيادي الحوثي مع عبارته صورة لإحدى المقاتلات الحربية التي لا تزال في إطار الخدمة لدى المليشيا وهي من نوع "ميج29" والتي سبق وان قامت باستعراضها في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الماضية.

الرسالة التي يتحدث عنها القيادي الحوثي هي اعتراف ضمني بقيام المليشيا اليوم الخميس بتنفيذ طلعات جوية بالطيران الحربي فوق عدد من المناطق المحررة شملت الضالع وابين ويافع وصولاً الى تعز حسب شهادات لسكان محليين ومقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل توثق تحليق طيران حربي مجهول.

هذه الخطوة التي تُعد الأولى من نوعها منذ نحو 10 سنوات وتحديداً منذ شن التحالف العربي بقيادة السعودية عاصفة الحزم أواخر مارس من عام 2015م ، بسلسلة غارات مكثفة دمرت القدرات الجوية التي استولت عليها المليشيا الحوثية من الجيش اليمني عقب انقلابها أواخر 2014م.

اما مضمون الرسالة والطرف المُرسل له ، فهي السعودية ومعها الخصوم في الداخل بالتلويح بتفجير الحرب التي توقفت باتفاق الهدنة في ابريل 2022م ، كورقة أخيرة بيد المليشيا الحوثية لإجبار الرياض ومعها الشرعية على العودة الى مسار السلام وإنقاذ مستقبلها من مصير مشابه لما تعرضت له اذرع إيران بالمنطقة مؤخراً.

فالمليشيا الحوثية كادت قاب قوسين او ادنى أواخر عام 2023م من تحقيق نصر سياسي بالتوقيع على ما تُسمى بخارطة الطريق برعاية أممية ودولية وهي الخارطة التي انتزعت من خصومها بالداخل تنازلات مؤلمة ومكاسب عجزت عن تحقيقها بالحرب مستغلة في ذلك الرغبة السعودية في الخروج من ملف باليمن.

الا أن الامر تبخر حرفياً بعد ان قامرت المليشيا بهذه المكاسب بشن هجماتها ضد الملاحة الدولية تحت ستار إسناد غزة ، ظناً منها ان ذلك سيجلب لها مكاسب اكبر مما حصلت عليه في خارطة الطريق ، لتصحو المليشيا على مشهد آخر.

مشهد انقلب فيه الموقف الدولي وتحديداً أمريكا والغرب من الحرب في اليمن من تجاهل الأمر الى التواطؤ أحياناً لصالح المليشيا الحوثية ، الى موقف اخر يتمثل باعتبار المليشيا خطراً يجب الوقوف بوجه وتصنيفه في خانة الإرهاب ووقف مسار للسلام عقاباً لها.

وتضاعفت الخسارة بوجه المليشيا مع سلسلة الهزائم التي تحرض لها محور إيران في المنطقة العربية التي تعد المليشيا الحوثي احد اركانه ، وباتت اليوم هدفاً ملحاً ، سيمثل ضربه او تحجيم قوته دفناً عملياً لمشروع طهران وضربة حاسمة قد تجبرها على الخضوع التام لشروط ورغبات الغرب او بالأصح رغبات وإملاءات من يحكم البيت الأبيض.

هذا المأزق الذي تعيشه المليشيا اليوم يجعلها امام خيارات صعبة في مواجهته ، خاصة في ظل الترقب لبدء الخطوات التنفيذية لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية ، وما قد يمثله ذلك من خنق مالي واقتصادي شديد تخشاه المليشيا.

كما أن المليشيا تُدرك أنها اليوم امام رئيس امريكي يوصف بالمتهور والتطرف في المواقف والتي لم يسلم منها أصدقاء وحلفاء امريكا قبل اعدائها ، ما يضع المليشيا امام خيارات أمريكية مفتوحة للتعامل معها بما فيها الخيار العسكري.

كل ذلك يجعل من المليشيا الان امام خيارات صعبة لتجنب مواجهة مفتوحة وواسعة مع واشنطن ومن خلفها الغرب، والهروب من ذلك نحو مسار السلام للاحتماء بغطائه من البطش الأمريكي.

هذه العودة لمسار السلام تراه المليشيا مستحيلة في ظل الفيتو الأمريكي المرفوع وان الطرف الوحيد القادر على مواجهة ذلك ، هي السعودية وما تملكه من نفوذ جيوسياسي يجعلها الوحيدة القادرة على التعامل مع الإدارة الامريكية والتأثير على توجهها بما يخص اليمن.

وتحت هذه الحقيقة كان المليشيا الحوثية قد قدمت خلال العام الماضي خطاباً ودياً للسعودية وصل احياناً الى درجة الاستجداء للعودة الى مسار السلام ورفض الضغوط الامريكية ، ويبدو ان تجاهل الرياض لذلك ، يدفع المليشيا اليوم الى الرمي بآخر ورقة بيدها وهي التلويح بالحرب.

حيث ترى المليشيا الحوثية بان تفجير الحرب والهجوم نحو المناطق المحررة وتحديداً نحو حقول النفط والغاز في مأرب هي آخر الحلول لإجبار الرياض على الاستماع لمطالبها او دفع ثمن رفض ذلك بالعودة الى مستنقع الحرب في اليمن.

المصدر: الرصيف برس