المعارك مستمرة بضراوة بين الفريقين المتناحرين. تم قصف مبنى إذاعة عدن المركزية، وتوقف بثُّها. استغل كل فريق إذاعته المحلية لنشر أخباره؛ فعلي ناصر محمد ومجموعته استغلوا إذاعة (أبين) المحلية، بينما مجموعة علي عنتر استغلت إذاعة (لحج) المحلية.

الزورق الحربي يواصل قصف الدبابات وسيارات الإسعاف الداخلة إلى مدينة التواهي، بالإضافة إلى دخوله معركة مع طائرة هيلوكبتر داخل ميناء عدن، كانت تحاول إسكاته عن القصف. طائرات (ميج 21) تنطلق من قاعدة العند الجوية، وتدمر طائرات معسكر بدر (سيخوي) وتقصف مقر عملياتها. سيارات مدنية وعسكرية تأتي إلى مدينة عدن محملة بالمقاتلين المدنيين من أبين ولحج، وراجمات الصورايخ تتصدى لها في منافذ الدخول فتزهق أرواح من كانوا فيها وتحولهم إلى رماد.

صورايخ بعيدة المدى (سكود) تُطلَق على يافع والضالع، ومطار العند العسكري، الخسائر في الأرواح والمعدات بلغت حدّاً لا يصدقه ولا يتقبله العقل والحرب ما زالت في بدايتها. ودبابات تدخل مدينة الشعب وما حولها قادمة من معسكر التواهي بشكل عشوائي. وهناك رتل من الدبابات يخترق ضاحية الشيخ عثمان، ويتقدم نحو مدينة خورمكسر، وقصف منازل المواطنين يستمر بشكل عشوائي.

ناس يموتون من هول ما يرون أمامهم من دماء تسيل بغزارة من جثث القتلى والمصابين المرمية على قارعة الطرقات، وآخرون ينهارون ويصابون بالهلع والجنون .

المباني تدمر بالكامل أو جزئيا، وأبواب ونوافذ تتساقط على جوانبها ، وجدران تتشقق من شدة القصف والانفجارات وكهرباء محافظة عدن المركزية تتوقف نهائياً عن العمل بعد إصابتها بالقصف الصاروخي والمدفعي. ومياه محافظة عدن هي الأخرى تنقطع عن منازل المواطنين بسبب القصف المدفعي والصاروخي، وعبور الدبابات فوق الأنابيب الرئيسة. وهو ما دفع الناس إلى الشرب من مياه البحر، ومن آبار في بعض المساجد، مضى على إغلاقها أكثر من مائة عام (خصوصا في مدينة كريتر).

ومن الصور المؤسفة حقا رؤية بعض المقاتلين وهم ينهبون ممتلكات المواطنين من النقود والأشياء الثمينة، مستغلين ترك المواطنين منازلهم بحثاً عن الأمان، كل شيء يُرى يُنهب المجوهرات والأثاث والسيارات، والقصف العشوائي مستمر في قتل المئات من المواطنين، وتدمير المنازل، والأسلحة الجوية والدفاعية معظمها دُمِّر وخرج عن الجاهزية.

تنبيهٌ: هذه اليوميات جزء من سلسلة الأهداف السامية والأحداث الدامية التي تأخذُ لُبَّ الكلامِ من مُذكّرات اللواء المتقاعد / محمد قاسم بن عليو ، الذي وثَّق سيرته النضالية قبل رحيله عن الدنيا ووثَّق تاريخ الجنوب وأهم أحداثه التي عاشها وعايشها وشارك فيها منذ عام 1952 حتى عام 1990م، وأعادت غرفة الدراسات والبحوث لمركز شمسان للصحافة صياغة المذكراتِ بعباراتٍ موجزةٍ تتوافقُ مع مضمون النص الأصلي للمذكرات.