بشرى العامري:
قصة حياته لا تُروى نثراً، بل تُغنّى.
وكأن القدر حين كتب سيرة الشاعر الدكتور سعيد الشيباني، اختار لها وزناً وقافية، وجعل محطاتها أغنياتٍ تتناقلها الذاكرة قبل الصفحات.
من قرية عرش بني شيبة في محافظة تعز، وُلد سعيد محمد الشيباني عام 1939، طفلٌ نحيلٌ يحمل عصاه، يرعى الغنم ويحرس الحقول، ويتعلّم من الجبال الصمت، ومن الريح الإصغاء، ومن النجوم معنى البعد والحلم.
لم تكن طفولته سوى صفحة أولى لقصيدة طويلة، ظلّ مطلعها محفوراً في القلب مهما ابتعدت به الطرق.
انتقل إلى عدن، مدينة الانطلاقة الأولى، فتعلّم فيها الابتدائية والإعدادية، ثم شدّ الرحال إلى القاهرة للدراسة الثانوية، ومنها إلى جامعة القاهرة حيث نال بكالوريوس التجارة.
لاحقاً، قادته الأسئلة الكبرى إلى فرنسا، إلى جامعة السوربون العريقة، حيث حصل على الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد السياسي واقتصاد التنمية، وتزوّد بدبلومين في الإدارة العامة.
اقتصاديّ التكوين، دقيقُ الحساب، واسعُ الاطلاع… لكنه ظلّ، في العمق، شاعراً لا يستطيع الإفلات من نداء اللحن.
وحين كان في الحادية عشرة من عمره فقط، سار على قدميه حتى المصلى في الأحكوم بالحجرية، المكان الذي كان ينتظر فيه المسافرون العربات المتجهة إلى عدن.
ليلٌ موحش، طريقٌ طويل، وسماءٌ بعيدة، لم يكن له فيها إلا النجم القطبي خليلاً.
تلك اللحظة، بما فيها من وحدة وجمال، تحوّلت بعد سنوات إلى أغنية خالدة:
«يا نجم يا سامر فوق المصلى
كل معه محبوب… وأنا لي الله»
لحنها وأبدعها الموسيقار الكبير محمد مرشد ناجي، فحلّقت الأغنية في كل مكان، وغناها لاحقاً المطرب السوري فهد بلان، لتعلن ميلاد شاعرٍ غنائيّ سيصبح اسمه جزءاً من الذاكرة اليمنية.
كانت تلك البداية، ومنها تشكّل الثنائي المميز: سعيد الشيباني ومحمد مرشد ناجي، وقدّما معاً أعمالاً رسخت في الوجدان، مثل:
يا نجم يا سامر،
بالله عليك يا طير يا رمادي،
وصولاً إلى الأغنية الشهيرة:
«جبل صبر كم لي عليك قضايا»،
حيث تحوّل الجبل إلى شاهد، والوطن إلى قصيدة مفتوحة على الألم والأمل.
وبرز الشيباني شاعراً، حتى طغت هذه الصفة على الاقتصادي.
ومع أنه شغل عدداً من المواقع الإدارية في البنوك اليمنية، وامتلك فكراً اقتصادياً رصيناً، إلا أن اسمه ظلّ مقترناً بالكلمة المغنّاة، وبالقصيدة العامية التي كتبها بصدق الريف ووعي المدينة.
أثرى الدكتور سعيد الشيباني المكتبة الغنائية اليمنية بأعمالٍ شكلت محطات بارزة، من بينها:
أوبريت “ريح الشروق” مع الفنان فرسان خليفة، وهو عمل متكامل في بنائه وروحه،
وأغنية “حنت رعود”،
و**“من العدين”** مع الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم،
و الذي قدم معه ايضا **“اليوم يا الله”،
و اغنية “من حقول البن”**،
كما قدّمت له الفنانة الكبيرة فايزة أحمد أغنية “جاء الشباب” من ألحان فرسان خليفة، في لحظة التقت فيها الكلمة اليمنية بالصوت العربي الكبير.
هو عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وناقدٌ واقتصادي، لكنه قبل كل شيء شاعرٌ عرف كيف يجعل التجربة الشخصية أغنيةً جماعية، وكيف يحوّل رحلة طفلٍ راعٍ للغنم إلى سيرة وطنٍ كامل.
هكذا يعيش سعيد الشيباني:
بين رقمٍ في دفتر اقتصاد، ونغمةٍ في ذاكرة شعب…
وبين السوربون البعيدة، وقريةٍ ما زال صداها يتردّد في أغانيه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news