أحمد الوالي
أنا من جيل الثمانينات… الجيل الذي عاش جزء من طفولته تحت دولتين: شمالية وجنوبية. وشاهدنا كيف جاءت حرب 94 وما تبعها من إقصاء واستفزاز ولغة “منتصر ومغلوب”. ومع الوقت كبر جيل جديد في واقع مختلف… لكن الجراح ما زالت موجودة.
أبناء الجنوب عاشوا سنوات صعبة بعد الوحدة… انهيار مؤسسات، فساد، ومحسوبية، وتقاسم للثروات بين متنفذين… حتى وصل الحال اليوم إلى أسوأ وضع اقتصادي وخدمي وأمني يعرفه هذا الجيل.
ثم جاءت مرحلة الصراع السياسي، وسقط نظام صالح، واشتعلت البلاد من جديد… وبعدها ظهرت جماعة مسلحة أرادت حكم اليمن بالقوة، وكاد المشروع أن ينجح لولا تدخل التحالف ووقوف أبناء الجنوب في الشوارع والأحياء والدفاع عن مناطقهم ودفعهم ثمناً كبيراً من دمائهم.
توقفت الحرب في خطوط معينة، ودخل البلد في ركود طويل… لا هو سلم ولا هو حرب. عشر سنوات من المعاناة، الفقر، انهيار العملة، انقطاع الخدمات، وانشغال القيادات بالمناكفات والمناصب والظهور الإعلامي… بينما المواطن يموت ببطء.
ومؤخراً ظهرت تحركات شعبية في الجنوب، وحالة وعي وتلاحم مجتمعي… الناس لم تعد تبحث عن الشعارات، بل عن حياة كريمة ومستقبل لأولادها. حتى غير المنتمين لأي طرف سياسي أصبحوا مقتنعين أن التغيير ضرورة… مهما كان شكله.
على الإخوة في الشمال أن يدركوا أن من في الشارع ليسوا “أتباعاً” لأحد، بل مواطنون تعبوا من الفقر والحرب والانتظار. الجنوب اليوم يتحرك لأن الناس فقدت الأمل في حلول قادمة من قيادات مستهلكة لم تغير شيئاً منذ سنوات.
لا أحد يكره الوحدة بحد ذاتها، لكن الناس ترفض أن تكون “الوحدة = المعاناة”. إذا كان فك الارتباط سيعيد للناس حياتها وأمانها فالكثيرون أصبحوا يرونه خياراً واقعياً… بدون كراهية، وبدون شعارات متطرفة.
المواطن البسيط لا يهمه شكل النظام… جمهوري أو فيدرالي أو إقليمي. ما يهمه: أمان، راتب، كهرباء، صحة، وتعليم لأطفاله.
بعد عشر سنوات عجاف… يكفي تعب، يكفي انتظار، يكفي فساد.
اليوم صوت الشارع في جنوب البلد يقول: نريد حياة… نريد كرامة… نريد مستقبلاً لأطفالنا.
سموها كما شئتم ،لكننا إن وجدنا مخرجاً اليوم فسنمضي فيه.
وسنقف معكم حين تأتي فرصتكم في الشمال… فالقضية ليست خصومة، بل اختلاف طرق نحو نفس الحلم
قدرٌ مختلف وظروف قاسية فرضها الواقع على الجميع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news