مختار الدبابي
يصب التوتر القائم بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبين السعودية في صالح حزب الإصلاح الواجهة السياسية لإخوان اليمن، الذي يخطط لأن يظل الورقة الوحيدة بيد المملكة في اليمن، ما يمكنه من أن يضع يده على الشرعية سياسيا وعسكريا، وخاصة بأن يتم التعامل معه من مختلف القوى اليمنية كوكيل للرياض وذراعها اليمني، ولأجل ذلك ينفخ إعلامه الدعائي في نار الخلاف بين الانتقالي الجنوبي والسعودية من جهة ومن جهة أخرى يسعى إلى إرباك متانة التحالف السعودي – الإماراتي في اليمن تحت مظلة التحالف العربي لدعم الشرعية.
ويعرف إخوان اليمن أن الاستقرار على أي صورة في اليمن لن يكون لصالحهم، وأن السعودية، التي تتعامل معهم بسبب وجودهم المتمدد في الحكومة المعترف بها دوليا، ستنتهي إلى القطيعة معهم وعزلهم اعتمادا على موقفها من تيار الإخوان إقليميا ودوليا وتصنيفه كمنظمة إرهابية. لذلك، فإن هدفهم الأساسي هو تحريك الأزمات والاستثمار فيها بشكل يعيق التوصل إلى حلول أو شراكات مستقرة والحفاظ على حالة من التوتر الأمني والعسكري دون أي حسم لجهة من جهات الصراع.
ورغم أن إخوان اليمن عرضوا أن يكونوا في مقدمة قوى الشرعية في الحرب على الحوثيين، بفعل حجم التسليح الذي حصلوا عليه خلال فترة تحالفهم مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، واللعب على الغطاء القبلي، لكنهم فشلوا في أول اختبار، ومنوا بهزيمة أظهرت محدودية قدراتهم وصعوبة الرهان عليهم. فقد مرّ الحوثيون إلى السيطرة على صنعاء بعد تكبيد قوات حزب الإصلاح سلسلة من الهزائم كان أبرزها في محافظة عمران شمالي صنعاء صيف العام 2014 بقيادة العميد حميد القشيبي. وكان لمقتله وهزيمة اللواء 310 مدرّع أسوأ الأثر حيث فتح الباب عمليا أمام الحوثيين للسيطرة على العاصمة والتمدد نحو وسط البلاد وغربها وجنوبها.
بعد الهزيمة غير الإخوان التكتيك، دفعوا ومازالوا يدفعون لوقف المعارك عند نقاط اشتباك محدودة من باب الإيحاء بوجود خصومة واختلاف أجندات مع الجماعة المرتبطة، لكن على الأرض هناك تخادم غير المعلن يظهر خاصة في الوضع الذي تعيشه تعز.
يفضل الحوثيون أن يظل الخصم الأساسي لهم في الجبهة المقابلة هو حزب الإصلاح لمعرفتهم بأن الحزب لن يخوض الحرب، لا نيابة عن الشرعية ولا عن السعودية، وبقاء الوضع على ما هو عليه سيجعله في مركز الثقل داخل الحكومة التي تراهن عليها الرياض، ليس فقط لمواجهة تقد الحوثيين، ولكن أيضا لمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي خاصة بعد مغامرته بالسيطرة على حضرموت والمهرة ورفض الاستجابة لقرار السعودية بإخلاء المحافظتين من قواته.
والمفارقة أن المجلس الانتقالي، الذي يسعى إخوان اليمن لتوسيع الهوة بينه وبين السعودية، هو القوة الأقدر على مواجهة الحوثيين لعوامل موضوعية كثيرة منها أن المجلس سبق أن طرد الحوثيين من عدن وبعض المناطق الجنوبية الأخرى بدعم من التحالف العربي، أي لديه خبرة بهم كما تم اختبار قدرته على المواجهة، وخاصة، وهذا الأهم، مدى استعداده لدخول مواجهة مع الجماعة المرتبطة بإيران و والأكثر تنظيما وتسليحا.
إن تحييد المجلس الانتقالي سيمكن جماعة الإخوان من أن تظل الطرف الأساسي في الشرعية، فهي القوة العسكرية الرئيسية، عدا قوة درع الوطن التي دربتها السعودية وجعلت منها معادلا لنفوذ حزب الإصلاح في فريق الشرعية التي لا تعدو أن تكون واجهة سياسية رخوة تم شخصيات سياسية في أغلبها دون سند حزبي ومجتمعي وقبلي بمن في ذلك المنتسبون إلى حزب المؤتمر الشعبي.
الحزب الحاكم سابقا مقسم إلى نصفين، شق في صنعاء يسيطر عليه الحوثيون أو يحتجزون وجوها بارزة فيه، وشق محدود التأثير منضوي داخل الشرعية، والأهم أنه بلا قوة عسكرية خاصة مع غياب عائلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عن أي دور داخل الشرعية، التي كان تأثيرها سيكون عنصر قوة ودفع ومشروعية للشرعية الضعيفة، والتي تلقي بأزماتها على السعودية.
نجحت أجندة حزب الإصلاح في أن تحول وجهة الأولوية يمنيا، بدل مواجهة الحوثيين واستعادة صنعاء كعاصمة لليمن، وتحرير محافظات الشمال، صار الأولوية مواجهة الانتقالي الجنوبي بما تعنيه من معطيات خادمة لإخوان اليمن، وعلى رأسها إخراجه من الشرعية وملء فراغ انسحابه بوضع اليد على المواقع التي حصل عليها الانتقالي وفق آليات المحاصصة التي أفضى إليها اتفاق الرياض، مواقع عسكرية وأمنية وسياسية، وقنوات صرف المنح والتمويلات السعودية لهياكل الشرعية، وخاصة الاعتمادات التي كانت توجه لعدن وبعض محافظات الجنوب التي ساهم الانتقالي بشكل فعال في استعادتها من الحوثيين.
على هذا المستوى، فإن أجندة حزب الإصلاح تقوم على تحقيق هدف إضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين وتحويل الصراع إلى داخل الشرعية ذاتها وتحييد خصم رئيسي يمكن أن ينتزع من إخوان اليمن الدور الوكيل الإقليمي الذي يراهنون على الاستمرار فيه سواء في العلاقة مع السعودية أو قطر أو تركيا، وتوسيع دائرة التقاطع مع سلطنة عمان ليظلوا هم الخيار الأقرب بالنسبة إلى مسقط في المناطق الحدودية.
ويؤمّن تحييد الانتقالي الجنوبي لحزب الإصلاح فرصة سهلة ومستدامة لفرض هيمنته على الشرعية وتحويلها إلى واجهة لتحقيق أجنداته داخليا وخارجيا، وتقوية شبكات الحزب على حساب شركاء الشرعية الذين باتوا يرضون بأي تسويات تمكنهم من الحفاظ على مناصبهم.
ورغم أن أجندة الحزب مكشوفة ومعلومة للخصوم كما الأصدقاء، فإنه يستمر بتنفيذها خاصة باختراق النسيج القبلي وتزعم النزعات الانفصالية المناطقية، كما حصل في تحرك حلف قبائل حضرموت والمطالبة بالحكم الذاتي وخاصة الاستئثار بثروات المحافظة الغنية بالنفط.
وتبدو الخطوة في ظاهرها ردا على النزوع الانفصالي للانتقالي الجنوبي، لكنها في العمق تفضي إلى انفصال الأمر الواقع وتوسيع النزعات المناطقية بما يقود إلى تفتيت اليمن وتحويله إلى كانتونات قبلية وإعادته إلى مرحلة ما قبل الدولة، وهو الوضع الذي يتيح لإخوان اليمن العمل فيه بحرية، والأهم أنه الوضع الذي يفوت الفرصة على أي طرف يحذر من خطر تمددهم المجتمعي وأسلوب التقية في الاختراق الذي باتوا يعتمدونه في لتأمين نفوذ بين القبائل والمناطق رغم حالة العداء الكبيرة لوجودهم الميداني.
وينتظر أن تعرف المرحلة القادم استمرارا لخطاب الشحن الإعلامي والسياسي، في الإعلام المحلي والخارجي، الداعم لإخوان اليمن بهدف منع أي تهدئة بين السعودية والمجلس الانتقالي، والسعي إلى توسيع الهوة والاشتغال على نقاط الخلاف وتضخيم خطوات الانتقالي ومواقفه في الرد على مطالب السعودية وخاصة ما تعلق بدعوته المجلس إلى الانسحاب من حضرموت والمهرة. وسيكون الهدف من إذكاء نار الخلاف بين الطرفين هو ضمان بقاء حزب الإصلاح قناة التواصل الرئيسية مع السعودية بوصفه “الطرف المنظم” داخل الشرعية.
وتدور استراتيجية إخوان اليمن حول فكرة إدارة التناقضات والتحكم فيها وتجييرها لصالحهم بقطع النظر عل نتائجها على الملف اليمني واستقرار البلد والأمن الإقليمي، وتعارضها كليا مع استراتيجية السعودية الهادفة إلى تصفير الأزمات في اليمن بدءا بوقف الحرب والصراعات البينية، مرورا بتوسيع دائرة اتفاق الرياض ليكون وثيقة مرجعية تتسع للحوثيين ولا تضيق بأي طرف بما في ذلك المجلس الانتقالي، وصولا إلى تسوية شاملة تحفظ حدود السعودية وأمنها القومي، وفي نفس الوقت تساعد اليمن على التعافي من أزماته.
وبالنتيجة، فإن خطط حزب الإصلاح الذي يبدو اقرب إلى السعودية تهدف إلى إدامة الأزمة وتحويلها إلى استنزاف لجهود السعوديين ووقتهم ومالهم في ظل يمن اقرب إلى الدولة الفاشلة، وفي المقال فإن الانتقالي الجنوبي، رغم التصعيد الأخير، يبدو أقرب الأطراف وأقدرها على الاستجابة لإستراتيجية السعودية.
العرب
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news