العرب
العالم يودّع 2025 وهو مثقل بذكريات عام مضطرب، عام بدا وكأنه لوحة متشابكة من الصراعات والتهدئة الجزئية، من غزة إلى أوكرانيا، ومن السودان إلى البحر الأحمر، ومن واشنطن إلى دمشق، حيث تداخلت السياسة بالحروب، والبيئة بالمآسي، والثقافة بالمفاجآت، لتشكل صورة معقدة عن عالم يبحث عن الاستقرار ولا يجده. كان العام شاهدًا على عودة شخصيات مثيرة للجدل إلى واجهة السلطة، وعلى محاولات متعثرة لوقف نزاعات طويلة، وعلى أزمات إقليمية ودولية لم تجد طريقها إلى الحل، فيما برزت ملفات بيئية واجتماعية جديدة لتزيد من ثقل اللحظة التاريخية.
في كانون الثاني - يناير، عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة، مطلقًا سلسلة من القرارات التي أثارت جدلًا واسعًا داخليًا وخارجيًا. لم يكتف بالعودة إلى السلطة، بل سعى إلى إعادة ترتيب العلاقات مع الشرق الأوسط عبر جولة خليجية أعلن خلالها اتفاقيات اقتصادية واسعة، ما أعاد خلط الأوراق في المنطقة وأثار نقاشات حول مستقبل التحالفات والسياسات الأمريكية. هذه العودة لم تكن مجرد حدث سياسي أمريكي، بل لحظة عالمية أعادت طرح أسئلة حول دور الولايات المتحدة في النظام الدولي، وحول تأثير شخصية مثيرة للجدل على مسار الأحداث العالمية.
في تشرين الثاني - نوفمبر، وبعد نحو عامين من الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، أقر مجلس الأمن خطة أمريكية لوقف القتال، تضمنت تبادل أسرى وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية، بمشاركة مصر وقطر في الوساطة. هذا الاتفاق مثّل بارقة أمل في منطقة أنهكتها الحرب، لكنه في الوقت نفسه كشف عن هشاشة التوازنات، إذ ظل السلام مؤقتًا ومشروطًا، فيما بقيت جذور الصراع قائمة تنتظر انفجارًا جديدًا. غزة في نهاية 2025 كانت رمزًا لمعاناة ممتدة، ولجهود دولية تسعى إلى التهدئة دون أن تتمكن من معالجة الأسباب العميقة للنزاع.
أما في أوكرانيا، فقد استمرت المعارك بين روسيا وأوكرانيا بلا حسم، مع توقف صادرات الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية، ما زاد من تعقيد الأزمة الاقتصادية في أوروبا وأثار مخاوف بشأن أمن الطاقة العالمي. المحاولات الدولية لإنهاء النزاع لم تحقق نجاحًا ملموسًا، وظل المشهد مفتوحًا على احتمالات التصعيد أو الجمود، فيما دفع المدنيون الثمن الأكبر من خلال النزوح والمعاناة اليومية. أوكرانيا في 2025 كانت مثالًا على حرب طويلة الأمد، حرب تعيد إنتاج مأساة القرن العشرين في قلب أوروبا، وتكشف عن عجز النظام الدولي عن فرض حلول حاسمة.
في السودان، تصاعد النزاع الداخلي بشكل خطير، ما أدى إلى موجات نزوح جديدة وتفاقم الأزمة الإنسانية. البلاد غرقت في دوامة من العنف والانقسامات، فيما عجزت المبادرات الإقليمية والدولية عن وقف الانهيار. السودان في نهاية العام بدا وكأنه جرح مفتوح في جسد إفريقيا، جرح يعكس هشاشة الدولة، ويكشف عن عمق التحديات التي تواجه القارة في ظل صراعات داخلية متشابكة مع أزمات اقتصادية واجتماعية.
دمشق شهدت انفراجة نسبية مع رفع بعض العقوبات الدولية، وسط تحولات سياسية داخلية أثارت جدلًا واسعًا. هذه الخطوة أعادت سوريا إلى واجهة النقاش الدولي، لكنها في الوقت نفسه طرحت أسئلة حول مستقبل النظام السياسي، وحول قدرة البلاد على تجاوز سنوات الحرب والعزلة. رفع العقوبات لم يكن مجرد إجراء اقتصادي، بل إشارة إلى تغير في المواقف الدولية، وإلى محاولة لإعادة إدماج سوريا في النظام العالمي، رغم استمرار الانقسامات الداخلية والتحديات الإقليمية.
في البحر الأحمر واليمن، تصاعدت هجمات الحوثيين على السفن التجارية، وأطلقت صواريخ ومسيّرات باتجاه إسرائيل، ما دفع الأخيرة إلى الرد بضربات على مناطق سيطرة الحوثيين. هذا التصعيد جعل البحر الأحمر ساحة جديدة للصراع، وأعاد اليمن إلى واجهة الاهتمام الدولي كجرح نازف لم يجد طريقه إلى الحل. اليمن في 2025 ظل رمزًا لمعاناة ممتدة، ومعركة مفتوحة بين القوى المحلية والإقليمية، فيما بقي الشعب يدفع ثمنًا باهظًا من حياته اليومية وأمنه واستقراره.
العام كان أيضًا أحد أكثر الأعوام حرًا على الإطلاق، حيث شهدت أوروبا حرائق غابات واسعة، وعانت إفريقيا من موجات جفاف قاسية، فيما ضربت أمطار مميتة جنوب شرق آسيا. هذه الكوارث البيئية كشفت عن عمق أزمة المناخ، وعن عجز العالم عن مواجهة التحديات البيئية رغم التحذيرات المتكررة. الطبيعة في 2025 بدت وكأنها تعلن غضبها، فيما بقيت السياسات الدولية عاجزة عن تقديم حلول جذرية..
في سيدني، التي تُلقب نفسها بـ"عاصمة رأس السنة في العالم"، طغى الهجوم المعادي للسامية الذي وقع في منتصف كانون الأول - ديسمبر على شاطئ بونداي الشهير وأسفر عن مقتل 15 شخصًا، على الاستعدادات للاحتفالات. هذا الحدث المأساوي كشف عن تصاعد موجات الكراهية والعنف، وعن هشاشة الأمن حتى في المدن التي تُعرف بالاحتفالات والبهجة.
على الصعيد الاجتماعي، كان العام زاخراً بالمفاجآت. أصبحت دمى لابوبو هوسًا عالميًا، فيما تعرّض متحف اللوفر في باريس لعملية سرقة جريئة أعادت النقاش حول حماية التراث الثقافي. وخسر العالم وجوهًا بارزة تركت بصماتها في مجالات مختلفة، من عالمة البيئة البريطانية الشهيرة جين غودال، إلى الحائز جائزة نوبل للأدب ماريو فارغاس يوسا، والمصور سيباستياو سالغادو، ومصمم الأزياء جورجيو أرماني، والممثلين روبرت ريدفورد وكلوديا كاردينالي وبريجيت باردو. هذه الخسارات كانت بمثابة وداع لجيل من الرموز الذين شكّلوا جزءًا من ذاكرة العالم الثقافية والفنية.
كما اختار الفاتيكان لاوون الرابع عشر بابا جديدًا بعد وفاة البابا فرنسيس، في حدث ديني عالمي أعاد ترتيب المشهد الكاثوليكي وأثار نقاشات حول مستقبل الكنيسة في عالم متغير.
وفي الوقت الذي كان العالم يودّع 2025، كان ينظر إلى 2026 بترقب، حيث قد يشهد العام عودة رواد فضاء إلى القمر بعد مرور أكثر من خمسين عامًا على آخر مهمة قمرية لبرنامج أبولو. وبعد إرجاءات متكررة، من المقرر إطلاق مهمة أرتميس 2 التي سيسافر خلالها رواد إلى القمر مطلع العام، في شهر أبريل على أقصى تقدير، ما يعيد حلم الفضاء إلى واجهة الاهتمام العالمي.
لكن المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي ظلت حاضرة بقوة، مدفوعة بأمثلة على المعلومات المضللة، واتهامات بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وعمليات تسريح جماعي، ودراسات حول تأثيره البيئي الكبير. وبحسب شركة غارتنر المالية الأميركية، من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي تريليوني دولار في العام 2026، ما يعكس حجم التحول الذي يشهده العالم، ويطرح أسئلة حول مستقبل المجتمعات في ظل هذه الثورة التكنولوجية.
هكذا يودّع العالم 2025، عامًا مثقلًا بالصراعات والمآسي والتحولات، عامًا جمع بين عودة شخصيات مثيرة للجدل، ومحاولات متعثرة للسلام، وأزمات بيئية واجتماعية وثقافية، ليترك وراءه صورة معقدة عن عالم يبحث عن الاستقرار ولا يجده، وينتظر 2026 بترقب، بين أمل في الفضاء ومخاوف من التكنولوجيا، وبين حلم بالسلام وواقع من النزاعات المستمرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news