أسامة عمر علي
إذ إن القرارات الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، بتاريخ 30 ديسمبر 2025، والتي تضمنت إعلان حالة الطوارئ وإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك، لا يمكن أن تُقرأ إلا بوصفها تغولاً على السلطة التوافقية و انقلاباً ناعماً على الشرعية الانتقالية التي أفرزها "إعلان نقل السلطة" لعام 2022؛ حيث إننا أمام أزمة دستورية عميقة تتجاوز الخلاف السياسي لتلامس انعدام المشروعية، وتستوجب تفنيداً فقهياً دقيقاً لكل ثغرة من ثغراتها القاتلة.
إن أولى هذه الثغرات، وأكثرها فداحة، تكمن في العيب الشكلي الجوهري المتمثل في فقدان النصاب القانوني لاتخاذ القرار؛ فمجلس القيادة الرئاسي، بوصفه هيئة جماعية، يلتزم بآلية اتخاذ القرار المنصوص عليها في المادة (1/ك) من الإعلان، والتي تجعل التوافق هو الأصل، وتلجأ إلى الأغلبية البسيطة (خمسة أصوات من أصل ثمانية) عند تعذره؛ وبما أن القرارات صدرت بموافقة العليمي وحدة أو بموافقة أربعة أعضاء فقط، في ظل رفض صريح من الأغلبية المتبقية، فإنها تكون قد صدرت عن سلطة فاقدة للاختصاص العددي، وهو ما يرقى بها في سلم الفقه الإداري والدستوري إلى مرتبة البطلان المطلق، بل و الانعدام القانوني، وكأنها لم تكن.
إن هذا الإخلال ليس مجرد خطأ إجرائي، بل هو نسف لمبدأ الشراكة الذي قام عليه المجلس برمته.
كما إن إعلان حالة الطوارئ يدخل وإن كان فيه خبث استراتيجي عند صياغة اعلان نقل السلطة؛ من أنه يندرج ضمن صلاحيات رئيس المجلس؛ مالم يعترض ثلثي أعضاء المجلس؛ ولاشك أن ذلك يتضمن 5-6 أعضاء وهو أمر مستبعد غالبًا بسبب اختلاف المشاريع السياسية والقضايا الأساسية لأغلب الأعضاء. إلا أن ذلك مقيد أيضًا بموافقة مجلس النواب خلال سبعة أيام من إعلان حالة الطوارئ؛ مالم يعتبر الإعلان منحلًا بحكم الدستور؛ وبالتالي عدم فعالية هذا القرار.
وتتفاقم هذه الأزمة مع الثغرة الثانية التي تمس صميم السيادة الوطنية، وهي عيب المحل المتمثل في إصدار قرارات سيادية مصيرية من خارج الإقليم الوطني، وتحديداً من المملكة العربية السعودية؛ حيث إن مبدأ إقليمية السلطة يفرض أن تكون القرارات التي تمس الأمن القومي وإدارة الدولة عسكرياً صادرة من مركز السلطة الفعلي داخل حدود الدولة، وتواجد الرئيس خارج البلاد لا يبرر إطلاقاً اتخاذ قرارات بهذا الحجم، حتى وإن سمحت المادة (1/ط) من الإعلان بالانعقاد في مكان يحدده الرئيس؛ فالنص لا يمكن أن يُفسر بما يهدر المبادئ الدستورية العليا؛ إذ إن هذا الفعل يثير شبهة التبعية ويهدد مبدأ الاستقلال الدستوري للسلطة، ويجعل القرار عرضة للطعن بعيب مخالفة مبدأ دستوري عام لا يجوز الاتفاق على مخالفته.
أما الثغرة الثالثة فتتجلى في التعدي على الاختصاص و مخالفة مبدأ توازي الإجراءات فيما يخص إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك؛ حيث إن إعلان نقل السلطة لايوفر غطاء قانوني للعليمي فلا صلاحية له في المصادقة أو إلغاء أي اتفاقية ذات أثر عام؛ بموجب نص الإعلان ماسمح له هو فقط المصادقة دون الإلغاء؛ وحتى المصادقة مقصورة على الاتفاقيات من غير ذات الأثر العام؛ حيث إن إلغاء المعاهدات والاتفاقيات الدولية هو عمل ذو طبيعة تشريعية، يتطلب إجراءً موازياً لإبرامها، وهو ما نصت عليه المادة (92) من الدستور اليمني بضرورة موافقة مجلس النواب؛ ولما كان أيضًا مجلس القيادة يمارس بعض أدوار السلطة التشريعية باعتباره حالة دستورية أيضًا؛ فلا يكون هناك أي مشروعية في انفراد الرئيس بالقرار، دون النصاب القانوني، ما يعد اغتصاباً للسلطة الجماعية وتجاوزاً صارخاً لحدود الصلاحيات الممنوحة له، مما يجعل القرار معيباً بعيب عدم المشروعية الخارجية.
وفي مواجهة هذا التغول، فإن صمام الأمان الدستوري يظل هو الملاذ الأخير؛ بالتوازي مع أي مواجهة عسكرية، هو الاحتكام الفوري والعاجل إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا؛ حيث إن الحل المساند والذي يسحب الشرعية الدولية عن العليمي يكمن في تقديم دعوى دستورية مستعجلة ترتكز على تفنيد هذه الثغرات الثلاث (فقدان النصاب، عيب المحل، التعدي على الاختصاص). إن حكم المحكمة العليا بإلغاء هذه القرارات هو القرار الوحيد الذي يملك قوة الإلزام القانوني والسياسي دوليًأ لوقف نفاذها، وتجريدها من أي مبرر للتحرك العسكري، مؤكداً أن سيادة القانون هي الحصن المنيع الذي يحمي الدولة...
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news