دور الوسيط لا الخصم: لماذا يُعوَّل على المملكة العربية السعودية في احتواء الأزمة الجنوبية

     
صوت العاصمة             عدد المشاهدات : 54 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
دور الوسيط لا الخصم: لماذا يُعوَّل على المملكة العربية السعودية في احتواء الأزمة الجنوبية

-

✍️ عقيد / محسن ناجي مسعد ( أبو د.رمزي )

تواجه دول التحالف العربي اليوم، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الشقيقة، اختبارًا سياسيًا بالغ الحساسية في كيفية التعاطي مع الأزمة القائمة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي. فالمطلوب، بحكم الدور والمكانة والمسؤولية الإقليمية، ليس الانزلاق نحو مربع الخصومة أو الاصطفاف، بل الاضطلاع بدور الوسيط العادل القادر على احتواء الخلاف وإدارته بعقلانية، بعيدًا عن تحويله إلى صراع مفتوح من شأنه إرباك المشهد وتعقيد مسارات الحل.

لقد سبق للمملكة العربية السعودية أن لعبت دور الوساطة بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي، انطلاقًا من حرصها على حقن الدماء واحتواء الصراع، وهو ما يجعل من المنطقي سياسيًا وأخلاقيًا أن تضطلع بالدور ذاته في الخلاف القائم بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لا سيما أن الأخير كان ولا يزال شريكًا أساسيًا وفاعلًا في معركة التحالف ضد المشروع الحوثي، وقدم تضحيات جسيمة دفاعًا عن أمن المنطقة واستقرارها.

وعلى أرض الواقع، أثبت المجلس الانتقالي الجنوبي أنه حليف صادق وملتزم للتحالف العربي، بل وأكثر انخراطًا وجدية في مواجهة الحوثيين مقارنة بقوى محسوبة على الشرعية، التي لو أحسنت إدارة الحرب وأخلصت في معركتها، لكان المشهد العسكري والسياسي مختلفًا اليوم. ومن هنا، فإن تصوير الخلاف القائم وكأنه صراع بين الجنوب والتحالف العربي يُعد توصيفًا مضللًا، لا يخدم الحقيقة ولا يفتح أفقًا لأي حل واقعي.

فجوهر الإشكال الجنوبي لا يكمن في موقف عدائي من التحالف، بل في صراع مفتوح مع نظام فُرض على الجنوب بالقوة عقب حرب 1994م، حين تحوّل الجنوب إلى غنيمة حرب، وأُضفي على ذلك الواقع تسويغ ديني وسياسي عبر فتاوى ومواقف أطلقتها قوى معروفة، شرعنت الاحتلال، وصادرت الأرض والقرار، وفتحت الباب أمام ثلاثة عقود من الإقصاء والنهب والتهميش.

وإذا ما نظرنا إلى المشهد من زاوية أوسع، فإن المملكة العربية السعودية، بما تمتلكه من ثقل جيوسياسي ومكانة إقليمية ودولية مؤثرة، تظل الدولة الأكثر قدرة على الإسهام الجاد في مقاربة القضية الجنوبية، بوصفها واحدة من أعقد القضايا في اليمن وأكثرها تشابكًا. وهي قضية طال تجاهلها إقليميًا ودوليًا، رغم عدالتها وعمقها التاريخي والسياسي.

إن ما تحظى به المملكة من احترام دولي، ودورها المتنامي في رعاية التسويات واحتواء النزاعات، يؤهلها لأن تكون راعيًا لحل عادل ومنصف للقضية الجنوبية، خصوصًا أنها من أكثر الدول إلمامًا بتفاصيل هذه القضية وخلفياتها، وبحجم التضحيات التي قدمها أبناء الجنوب في سبيلها.

وفي هذا السياق، فإن الخطوات التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرًا في محافظتي حضرموت والمهرة، لا ينبغي أن تُقرأ بوصفها تحديًا للمملكة أو استفزازًا لدورها، ولا أن تُتخذ ذريعة لدفعها نحو التحول إلى طرف في مواجهة غير متكافئة مع الإرادة الجنوبية. فهذه الخطوات تأتي في إطار استكمال استحقاقات سياسية وأمنية وعسكرية، وتهيئة الظروف الموضوعية لقيام الدولة الجنوبية، التي يرى فيها الجنوبيون الضمانة الحقيقية للأمن والاستقرار، ليس في الجنوب فحسب، بل في الإقليم برمته.

وليس منسجمًا مع مكانة المملكة ولا مع تاريخها السياسي، أن تُزَجّ في مواجهة مباشرة مع تطلعات شعب بأكمله، أو أن تُصوَّر بوصفها داعمًا لنظام يعتبره الجنوبيون نظام احتلال. فالنضال الجنوبي، في جوهره، نضال من أجل استعادة الأرض والقرار، وتتجسد ملامحه اليوم في مساعي إخراج القوات الشمالية من الوادي والصحراء والمهرة، وإعادة ترتيب المشهد الأمني بما يخدم استقرار الجنوب ومستقبله.

ولا ينكر أبناء الجنوب الدور الكبير الذي لعبته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في دعمهم خلال معركة دحر الحوثيين. وفي الوقت ذاته، كانوا يدركون منذ البداية أن تدخل التحالف جاء دعمًا للشرعية وفق حسابات سياسية واستراتيجية محددة، لا انتصارًا مباشرًا للقضية الجنوبية. ومع ذلك، لم يكن التحالف في جوهره موجهًا ضد الجنوب أو مشروعه، بدليل أن الجنوبيين كانوا في طليعة من واجهوا الحوثيين، وقدموا آلاف الشهداء والجرحى دفاعًا عن أمن المنطقة.

وانطلاقًا من ذلك، فإن الدور الذي يتطلع إليه الجنوبيون اليوم من المملكة العربية السعودية، في ظل التطورات العسكرية والميدانية في حضرموت والمهرة، هو دور الوسيط العادل القادر على خفض منسوب التصعيد السياسي والإعلامي، واحتواء حملات التحريض التي تقودها أطراف في الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين، والتي تسعى إلى دفع التحالف نحو مواجهة عسكرية مع القوات الجنوبية، عبر الترويج للأكاذيب وبث الشائعات، كما ظهر في الدعوات المريبة التي أُطلقت بذريعة “حماية المدنيين”.

لقد نجحت القوات الجنوبية في تحقيق ما عجزت عنه أطراف أخرى، بإلحاق الهزيمة بالمنطقة العسكرية الأولى، التي شكلت على مدى ثلاثة عقود مصدرًا للاختلال الأمني والمعاناة في حضرموت والمهرة. ومن هنا، فإن الرهان على وساطة سعودية متوازنة، كما كانت بالأمس بين الشرعية والحوثيين، يظل خيارًا عقلانيًا ومسؤولًا، ويستحقه الجنوبيون تقديرًا لشراكتهم وتضحياتهم ووفائهم للتحالف العربي.

فالجنوب، في نهاية المطاف، لن يكون عبئًا على أشقائه، ولا مصدر تهديد لأمن الإقليم، بل سندًا وحائط صد يحمي استقراره، متى ما أُتيح له أن ينال حقه المشروع في دولة حرة، مستقلة، وقادرة على أداء دورها الطبيعي في محيطها الخليجي والعربي والإقليمي والدولي.

إن الرهان الجنوبي، في هذه اللحظة المفصلية، لا يزال معقودًا على حكمة المملكة العربية السعودية ودورها التاريخي بوصفها دولة توازن لا دولة صراع، ووسيطًا نزيهًا لا طرفًا في خصومة داخلية مع شعبٍ قدّم الكثير دفاعًا عن أمن المنطقة واستقرارها. فالمطلوب اليوم ليس عسكرة الخلاف ولا الانجرار خلف حملات التحريض، بل تغليب منطق العقل، واحتواء الأزمة من جذورها السياسية لا مظاهرها الإعلامية.

إن أي انحياز ضد الإرادة الجنوبية لن يُنتج استقرارًا، وأي محاولة لإعادة تدوير أدوات الفشل السابقة تحت شعارات “حماية المدنيين” أو “فرض النظام” لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وإطالة أمدها. فالقوات الجنوبية لم تكن يومًا عامل تهديد، بل كانت وما تزال صمام أمان في مواجهة الفوضى والإرهاب والمشاريع المعادية.

والرسالة الأوضح التي يبعث بها الجنوبيون اليوم هي أن مشروعهم السياسي ليس موجَّهًا ضد أشقائهم، ولا يستهدف تقويض الأمن الإقليمي، بل يسعى إلى بناء دولة جنوبية قادرة، مسؤولة، وشريكة فاعلة في حماية أمن الخليج والممرات الدولية. دولة لا تُدار من غرف الوصاية، ولا تُفرض عليها ترتيبات تتناقض مع إرادة شعبها.

ومن هنا، فإن الوساطة السعودية العادلة تظل الخيار الأجدى والأكثر واقعية، لا تقديرًا لتضحيات الجنوبيين فحسب، بل استثمارًا استراتيجيًا في استقرار الجنوب والمنطقة ككل. فالجنوب، متى ما أُتيح له أن يستعيد حقه المشروع في دولته، لن يكون عبئًا على أحد، بل ركيزة أمن، وشريكًا موثوقًا، وحائط صدٍ يحمي الحاضر ويصون المستقبل.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

اول بيان سعودي بعد اعلان العليمي طرد الإمارات من اليمن

بوابتي | 1996 قراءة 

صور من ميناء المكلا عقب قصف التحالف معدات عسكرية وصلت من الإمارات دعماً للانتقالي

الوطن العدنية | 1905 قراءة 

اول تهديد اماراتي عقب قصف دعمها لحليفها الانتقالي الجنوبي للرئيس العليمي ومن يدعم الشرعية

المشهد الدولي | 1898 قراءة 

مجلس القيادة الرئاسي يسجل أول إستقالة جنوبية بسبب القصف السعودي لميناء المكلا

نافذة اليمن | 1886 قراءة 

بيان عاجل صادر عن الفريق طارق صالح بشأن اخراج قوات الامارات من اليمن

يمن فويس | 1508 قراءة 

اول تعليق لقيادي بالمجلس الانتقالي على الضربة التي تلقوها في حضرموت

كريتر سكاي | 1497 قراءة 

كشف ما سيحدث في عدن بعد قليل

كريتر سكاي | 1378 قراءة 

تعليق ناري لرئيس هيئة الأركان ‘‘صغير بن عزيز’’ بشأن الهجوم السعودي على سفن إماراتية في ميناء المكلا

المشهد اليمني | 1264 قراءة 

خلفان يصدر تحذير للشرعية اليمنية حول ملف الجنوب

يمن فويس | 1136 قراءة 

قرار رئاسي بإخراج دولة الإمارات من اليمن

سبأ نت | 1119 قراءة