أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات تقريرًا حقوقيًا موسّعًا بعنوان "لا أحد يحمي الضحايا" يوثّق الانتهاكات التي رافقت التطورات الأمنية والعسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة خلال ديسمبر/كانون الأول 2025.
وحذر التقرير من أه ما جرى لا يمثل حادثًا عابرًا، بل يعكس مرحلة متقدمة من تآكل سلطة الدولة وتوسّع نفوذ تشكيلات مسلّحة تعمل خارج الإطار الدستوري والقانوني، في بيئة تتعدد فيها مراكز القوة وتتراجع فيها الولاية الفعلية للمؤسسات الرسمية.
ووثّق التقرير، سلسلة من الانتهاكات المصاحبة لتوسع الانتشار العسكري وانتقال السيطرة، شملت اعتداءات على وحدات عسكرية نظامية، ووقائع قتل خارج نطاق القانون، واحتجازًا تعسفيًا، ومعاملة قاسية أو مهينة، إضافة إلى نهب واسع النطاق للممتلكات العامة والخاصة، وانتهاك حرمة المساكن، والاستيلاء على مرافق مدنية، وفرض رموز وسلطات بديلة داخل مؤسسات الدولة. وأشار إلى أن هذه الوقائع خلقت حالة خوف واضطراب مجتمعي واسع، وفاقمت من هشاشة الأوضاع الإنسانية في مناطق عدة.
كما تحدث عن عمليات اقتحام وانتشار في وادي حضرموت ومدينة سيئون، شملت دخول مقار حكومية ومدنية، وتقييد حركة موظفين وحراس، وامتداد الاعتداءات إلى منازل مسؤولين حكوميين ومنازل جنود وضباط، فضلاً عن فرض إجراءات قسرية على محلات تجارية وفتحها تحت التهديد ثم نهبها. كما أشار إلى وقائع استهداف سكان “البيوت الخشبية” ومخيم مريمة في سيئون، حيث نُهبت ممتلكات نحو 450 أسرة، بما في ذلك مدخرات وأدوات معيشية ومواشٍ، في سياق اعتبره التقرير انتهاكًا شديد الخطورة للحق في السكن والملكية والكرامة الإنسانية.
وأورد التقرير إفادات متطابقة تفيد بوقوع نهب واسع استهدف 23 إلى 24 منزلًا في منطقة المساكن بمدينة القطن خلال ساعات طويلة، عقب دخول مجموعات مسلّحة، وإجبار السكان على مغادرة مساكنهم فورًا دون اصطحاب ممتلكاتهم. كما تضمنت الشهادات إفادات عن مشاركة بعض العناصر مباشرة في النهب، مقابل وجود آخرين يراقبون دون تدخل فعّال، بما أتاح استمرار الانتهاكات لساعات. وتناول التقرير أثر ذلك على الأسر، بما في ذلك نزوح قسري إلى محافظات مجاورة، وعيش في ظروف قاسية تفتقر للسكن الملائم والغذاء والملابس والرعاية الصحية، مع آثار نفسية شديدة على النساء والأطفال.
أشار تقرير سام إلى تلقيه وثائق تتضمن كشوفات وجداول محاسبية ومواد مصوّرة حول نهب محلات ومخازن في مناطق منها “سرا” وسوق سيئون، بما في ذلك محلات لبيع “الجنابي” ومستلزماتها. وذكر التقرير أن الوثائق عرضت تفاصيل دقيقة للبضائع المنهوبة وقيمها المالية، وصورًا لحالة المحلات قبل النهب وأثناءه وبعده، بما يُظهر حجم الخسائر، ويعزز—وفق عرض التقرير—وجود نمط نهب علني في ظل اضطراب أمني.
ووثّق التقرير عمليات مداهمة واعتقال في مدينة سيئون خلال ديسمبر/كانون الأول 2025، منها اعتقال أربعة أشخاص من منزل بحي مريمة يعود لضابط في المنطقة العسكرية الأولى، وواقعة مداهمة منزل عاقل حي الثورة فجر 16 ديسمبر/كانون الأول 2025 بمشاركة آليات ومجموعة نسائية للتفتيش. كما أورد معلومات عن توقيف مدنيين في مدينة الشحر بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2025، دون إبراز أوامر قضائية أو إعلان أماكن الاحتجاز أو تمكين الأسر من التواصل. ولفت إلى مخاطر الإخفاء القسري عند احتجاز أشخاص في أماكن غير معلومة وحرمانهم من الاتصال بمحامين وذويهم.
كما رصد التقرير تنامي حملات رقمية منسّقة على منصات التواصل تدعو للانفصال تحت مسمى “دولة الجنوب العربي”، وقال إن تحليلًا لمنصة “إيكاد” أشار إلى تضخيم منظم عبر حسابات وصفها بأنها “وهمية”، حيث غلبت إعادة النشر على المحتوى الأصلي بصورة لافتة، مع اتساع التفاعل على وسوم مرتبطة بالحملة. وفي سياق متصل، وثّق التقرير خطابًا تحريضيًا ضد صحفيين وفاعلين إعلاميين في حضرموت، وأورد أسماء عدد ممن تعرضوا لتهديدات، إلى جانب رصد تهديدات تطال ناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان، من ضمنهم الناشطة يسرى البطاطي، بما اعتبره التقرير مؤشرًا على بيئة ترهيب قد تُشرعن العنف وتضيّق الفضاء المدني.
وقدّم التقرير بيانات عن حركة نزوح داخلية من وادي حضرموت إلى محافظة مأرب، موثقًا تهجيرًا قسريًا لنحو 374–375 أسرة، بمتوسط 5.6 أفراد للأسرة، وتوزعهم على مخيمات ومواقع إيواء مكتظة. وأشار إلى هشاشة البنية التحتية ونقص الخدمات الأساسية، ومحدودية الوصول للرعاية الصحية، وغياب ضمانات الحماية، مع آثار نفسية واجتماعية حادة بسبب الصدمة وفقدان الاستقرار ومصادر الدخل.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن وقف تدهور الوضع يتطلب إجراءات عاجلة تبدأ بتحقيقات مستقلة ومحايدة وفعّالة في جميع الانتهاكات الموثقة، وحماية الضحايا والشهود، ومساءلة المسؤولين وفق المعايير الوطنية والدولية. كما دعا إلى وقف أي دعم عسكري أو أمني للتشكيلات المسلحة الخارجة عن مؤسسات الدولة، والعمل على توحيد القوات تحت قيادة رسمية خاضعة للرقابة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومعالجة أوضاع النازحين وجبر الضرر، بما يشمل التعويض ورد الحقوق وضمانات عدم التكرار، بوصف ذلك شرطًا أساسيًا لكسر دائرة الإفلات من العقاب وإعادة بناء الثقة العامة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news