حذّرت دراسة حديثة صادرة عن مركز المخا للدراسات الاستراتيجية من أن التطورات العسكرية التي شهدتها المحافظات الشرقية لليمن مطلع ديسمبر الجاري تمثل تحولاً استراتيجياً خطيراً، ليس فقط على مستوى الداخل اليمني، بل على مستوى أمن الإقليم ككل، في ظل اقتراب القوات الموالية للإمارات من الحدود السعودية والعُمانية.
الدراسة، التي أعدّتها وحدة الدراسات الميدانية في المركز، تناولت بالتحليل ما وصفته بـ«الاجتياح المنظّم» الذي نفذته قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في وادي حضرموت ومحافظة المهرة، معتبرة أن ما جرى هو نتيجة مسار طويل من التحشيد السياسي والعسكري، ونتاج مباشر للتنافس الإقليمي بين الرياض وأبوظبي.
وبحسب الدراسة، فإن سيطرة قوات الانتقالي على وادي حضرموت والمهرة جاءت بعد مواجهات محدودة مع وحدات المنطقة العسكرية الأولى وقوات حماية حضرموت، لتنهي بذلك عقوداً من الاستقرار النسبي في الشرق اليمني، وتفتح الباب أمام واقع جديد فرض بالقوة العسكرية.
وترى الدراسة أن هذا التحرك لم يكن معزولاً، بل سبقه تصعيد إعلامي واسع، واستقطاب اجتماعي، وبناء تشكيلات عسكرية جديدة موالية للإمارات، إلى جانب نقل ألوية مدججة بالسلاح الثقيل من محافظات جنوبية عدة باتجاه حضرموت.
تؤكد الدراسة أن حضرموت تمثل “الجائزة الكبرى” في معادلة الصراع، لما تمتلكه من ثقل جغرافي واقتصادي. فالمحافظة، التي تشكل أكثر من ثلث مساحة اليمن، تضم أهم حقول النفط والموانئ الحيوية على بحر العرب، إضافة إلى حدودها الطويلة مع المملكة العربية السعودية.
وتشير إلى أن الموقع الجغرافي لحضرموت يمنح من يسيطر عليها ميزة استراتيجية تتجاوز النفط، إذ تفتح منفذاً بحرياً واسعاً بعيداً عن المضائق الدولية المهددة في أوقات الأزمات، وهو ما يفسر الاهتمام السعودي المتزايد بالمحافظة، مقابل مساعي إماراتية لبسط النفوذ البحري وتعزيز السيطرة على الموانئ وخطوط التجارة.
وتذهب الدراسة إلى أن ما يجري في الشرق اليمني يعكس انتقال التنافس السعودي–الإماراتي من مرحلة إدارة الخلافات إلى مرحلة الصراع غير المعلن، خاصة بعد أن بات النفوذ الإماراتي – عبر المجلس الانتقالي – يقترب من الخطوط الحمراء للأمن القومي السعودي.
وتستشهد الدراسة بتقارير دولية، من بينها تقارير لمؤسسة كارنيغي وصحيفة الغارديان البريطانية، أكدت أن تمدد القوات الموالية للإمارات في المحافظات الشرقية شكّل “نكسة استراتيجية” للرياض، وأثار قلقاً متزايداً بشأن أمن الحدود السعودية ومنفذ الوديعة البري.
وترصد الدراسة تشابهاً لافتاً بين تحركات المجلس الانتقالي في حضرموت، والطريقة التي استخدمتها جماعة الحوثي قبل سيطرتها على صنعاء في 2014، من حيث الجمع بين العمل العسكري، وخطاب المظلومية، واستغلال الاحتجاجات الشعبية، وشراء الولاءات، ورفع شعارات “التحرير” و”مكافحة الإرهاب”.
وتشير إلى أن هذا الأسلوب ساهم في إضعاف المكونات الحضرمية التقليدية، وفي مقدمتها حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، التي ظلت ترفض مشروع الانتقالي وتطالب بإدارة حضرموت بعيداً عن الهيمنة الخارجية.
وبحسب الدراسة، فقد تزامن الاجتياح مع ردود فعل رسمية يمنية رافضة، وانسجام واضح بين موقف الحكومة الشرعية والموقف السعودي، الداعي إلى انسحاب القوات المستقدمة من خارج المحافظات الشرقية.
كما رصدت الدراسة دعماً دولياً لجهود التهدئة، وتحذيرات أوروبية وأمريكية من مخاطر الإجراءات الأحادية، لما قد تسببه من تعميق الانقسام وإضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين، وتهديد الاستقرار الإقليمي.
ثلاثة مسارات محتملة
وتختتم الدراسة بطرح ثلاثة سيناريوهات لمآلات الوضع في الشرق اليمني:
تصعيد محدود ينتهي بتسوية جديدة، قد تفرضها ضغوط عسكرية أو سياسية سعودية، استمرار الوضع الراهن دون حسم، مع تثبيت مناطق نفوذ جديدة واحتواء التوتر مؤقتاً، تراجع تدريجي للانتقالي تحت ضغط سياسي واقتصادي، قد يفضي إلى إعادة رسم التفاهمات داخل معسكر الشرعية.
تخلص الدراسة إلى أن حضرموت والمهرة باتتا اليوم في صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي، وأن مستقبل المحافظات الشرقية سيظل مرهوناً بقدرة الأطراف المحلية على توحيد موقفها، وبطبيعة العلاقة بين الرياض وأبوظبي في المرحلة المقبلة.
وتحذّر من أن فرض الوقائع بالقوة قد يؤدي إلى تفجير صراعات أعمق، لن تقتصر آثارها على اليمن وحده، بل ستمتد إلى أمن المنطقة بأسرها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news