المؤتمر الشعبي العام يدق ناقوس الخطر .. خلافات الشرعية وتفكك القرار يخدمان الحوثي
قبل 3 دقيقة
في السياسة، كما في التاريخ، هناك لحظات لا تحتمل الترف ولا تقبل المناورات الرمادية. واليمن ،اليوم، يقف في واحدة من أكثر لحظاته دقة منذ اندلاع الانقلاب الحوثي، حيث تتقاطع الأخطار العسكرية مع التصدعات السياسية، ويتقدم الخصم فيما ينشغل خصومه بخلافاتهم، وكأنهم لم يتعلموا أن الدول لا تسقط دائمًا بفعل أعدائها، بل كثيرًا ما تنهار بسبب سوء إدارة أبنائها.
البيان الصادر اليوم عن المؤتمر الشعبي العام – الخارج – لا يمكن قراءته بوصفه موقفًا حزبياً ضيقًا أو مناورة سياسية عابرة، بل هو أقرب إلى جرس إنذار سياسي هادئ، صادر عن قوة خبرت الدولة حين كانت دولة، وعرفت الانقسام حين تحوّل إلى مدخل للفوضى. وهو بيان يحرص، بوضوح محسوب، على الإمساك بالعصا من منتصفها: لا تبرئة لأحد، ولا شيطنة شاملة، بل توزيع مسؤوليات يضع المصلحة الوطنية في مركز المشهد.
اليمن، كما يصفه البيان، ليس بخير. المحافظات الجنوبية والشرقية تعيش توترات متسارعة، تتخذ أحيانًا طابع الخطوات الانفرادية وفرض الأمر الواقع، فيما الدولة – بمؤسساتها الدستورية – تبدو أضعف من أن تضبط الإيقاع أو تفرض مرجعية جامعة. في المقابل، يقف الحوثي، بهدوء المنتصر الصبور، يراقب خصومه وهم يتنازعون الجغرافيا، ويختلفون على الأولويات، ويستنزفون ما تبقى من رصيدهم السياسي والشعبي.
هنا يضع المؤتمر الشعبي العام إصبعه على الجرح دون مواربة: أي خطوات أحادية خارج إطار الدستور والقانون، خصوصًا في الجنوب والشرق، لا تخدم قضية الجنوب، ولا تقرّب ساعة استعادة الدولة، بل تصب مباشرة في مصلحة الانقلاب الحوثي. وهذه ليست قراءة نظرية، بل خلاصة تجربة مريرة عاشها اليمنيون منذ 2011، حين تحوّلت الخلافات السياسية إلى شروخ وطنية، دخلت منها مليشيا الحوثي الإرهابية إلى صنعاء ثم إلى ما هو أبعد.
اللافت في البيان أنه لا يكتفي بالتحذير، بل يحدّد المسؤوليات. فالتوترات الراهنة، وفق البيان، ليست قدرًا مفروضًا، بل نتيجة مباشرة لحالة تماهٍ وضعف في إدارة التوازنات داخل مجلس القيادة الرئاسي، وعدم الجدية في تنفيذ الاتفاقات التي يفترض أن تنظّم العلاقة بين مختلف القوى. إنها رسالة سياسية واضحة: الشرعية ليست شعارًا، بل ممارسة، والدولة لا تُدار بالتسويات الهشة ولا بالصمت عن التجاوزات.
ومع ذلك، لا ينزلق البيان إلى خطاب كسر العظم، ولا يفتح معارك جانبية. بل على العكس، يدعو إلى ضبط النفس، ونبذ الخطاب التحريضي، ووقف التراشق الإعلامي، لأن المعارك البينية – مهما كانت ذرائعها – لا تنتج إلا خاسرًا واحدًا اسمه اليمن. وفي زمن الانقلابات، يكون الخلاف بين أنصار الدولة ترفًا قاتلاً.
الرسالة المركزية في البيان، والتي تعكس بوضوح موقف المؤتمر الشعبي العام، هي أن وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه ليست شعارات قابلة للتفاوض أو أوراق ضغط مرحلية، بل ثوابت وطنية. لا يعني ذلك إنكار القضايا العادلة أو تجاهل المظالم، خصوصًا في الجنوب، لكن معالجتها – كما يؤكد البيان – لا تكون بالقوة ولا بفرض الأمر الواقع، بل بالحوار، وفي ظل دولة، وبعد زوال الخطر الوجودي المتمثل بانقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية.
وفي هذا السياق، يبرز البعد الأكثر توازنًا في البيان: الاعتراف بحق جميع الأطراف في طرح قضاياها الوطنية، لكن في التوقيت الصحيح، وبالأدوات الصحيحة، وضمن مشروع وطني جامع، لا عبر الاستقواء بالسلاح أو الخارج أو الانقسام. فالدولة، في النهاية، لا تُبنى بالتصعيد، بل بالتوافق، ولا تُستعاد بالفوضى، بل بوحدة الهدف.
كما يوجّه البيان خطابًا مباشرًا إلى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، مطالبًا إياهما بالقيام بدورهما الجامع، لا كأطراف بين أطراف، بل كمرجعية عليا مسؤولة عن توحيد الصف، ومعالجة الاختلالات، وتخفيف معاناة المواطنين. فالمواطن اليمني، المنهك بالحرب والفقر وانهيار الخدمات، لم يعد معنيًا بتفاصيل الصراع السياسي بقدر ما يبحث عن دولة تحميه وتوفر له الحد الأدنى من الكرامة.
وفي ختام البيان، يبدو وكأنه يقول ما يجب أن يُقال بهدوء: إن أخطر ما يواجه اليمن ،اليوم، ليس فقط الحوثي، بل تآكل فكرة الدولة في أذهان من يفترض أنهم يقاتلون من أجلها. ومن هنا تأتي الدعوة إلى مشروع إنقاذ وطني شامل، لا يُقصي أحدًا، ولا يحتكر الحقيقة، ويعيد توجيه البوصلة نحو الهدف الحقيقي: استعادة الدولة، وحفظ وحدة اليمن، وبناء سلام لا يقوم على الغلبة، بل على الشراكة.
في لحظات كهذه، لا يحتاج اليمن إلى مزيد من الشعارات، بل إلى شجاعة سياسية تعترف بالأخطاء وتقدّم التنازلات المتبادلة، لأن التاريخ لا يرحم من أضاع الدولة وهو يظن أنه يربح معركة صغيرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news