بشرى العامري:
في الذاكرة الشعبية اليمنية تبرز أمثالٌ روّتها التجارب، وعجنتها الحكمة، وصاغتها الأيام على هيئة دروسٍ تختصر ما قد لا تتستطيع شرحه في كتبٍ طويلة.
ومن بين هذه الأمثال العميقة يبرز المثل القائل: «مَن كان أبوه يظلِم الناس كان القضاء في عياله»؛ وهو مثلٌ يضرب على ما تركه الظلم من أثر، وعلى عدالة السماء التي لا يغفلها غفلة، ولا يطويها الزمن مهما طال.
يقال هذا المثل للتأكيد بأن الظلم لا يُورّث إلا العاقبة السيئة، وأن من يخلّف وراءه إرثًا من الأذى وحقوق الناس الضائعة، يترك أبناءه في مواجهة تبعاتٍ لم يزرعوها بأيديهم، لكنها تنبت لهم في الطريق أينما ساروا.
ومعنى المثل واضحٌ وشديد العمق ويؤكد أن من كان أبوه معتديا على الناس وظالما لحقوقهم، فإن أثر ظلمه سيظهر على أولاده، إمّا في سمعتهم أو فيما ينالهم من عواقب الأيام.
وهي حكمة شعبية تؤمن بأن العدالة سُنّة ماضية، وأن ميراث الأخلاق أثقل من ميراث الأموال.
ولايعد هذا المثل قولا عابرا، بل هو من حِكَم علي ولد زايد، أحد أبرز حكماء اليمن الذين خلدتهم الذاكرة الشعبية.
وقد جاء المثل جزءا من قوله الشهير الذي يرصده الناس جيلاً بعد جيل:
من قارب الكير يحرق
وإلا امتلّا من غباره
من قابِص الناس يُقْبَص
وإن قُبِص لا يقول آح
من كان أبوه يظلم الناس
كان القضاء في عياله
وفي هذه الأبيات ينسج ولد زايد فلسفة كاملة في ثلاث صور متتابعة:
وهي أن القرب من الفساد وأهله يحرق قبل أن يُفسد، أو يكسو صاحبه بسوادٍ وعيبٍ لا يخفيه ثوب.
والثانية أن من يقبض على حقوق الناس أو يضيق عليهم، سيأتيه يومٌ يُقبَص فيه كما قبَصهم، بل ولن يجد ما يتوجّع به أو يحتجّ به، لأن الظلم لا يحتاج إلى شاهد.
أما الثالثة وهي الأعمق أن الظلم لا ينتهي عند حدود صاحبه، بل يترك ظلاله الثقيلة على أبنائه، فالقضاء وهو العاقبة يمتد إليهم، كإرثٍ غير مرئي حملوه دون اختيار.
ويُساق هذا القول للتأكيد على أن الجزاء من جنس العمل، وأن ما يزرعه الإنسان يعود إليه، خيرا كان أو شرا، وأن حساب الأيام لا يغفل أحدا، وإن طال الطريق.
فكل دمعة مظلوم لها موعد، وكل حق ضائع له ساعة يُعاد فيها إلى صاحبه.
لهذا يُصبح هذا المثل أكثر من حكمة…
هو وصية أخلاقية للأجيال ..ازرعوا العدل ليعود عدلا، واحذروا الظلم فإنه ميراثٌ يطارد حتى من لم يرتكبه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news