تفجير دار الرئاسة .. جريمة سوداء دشّنت اغتيال الدولة اليمنية
قبل 40 دقيقة
في أول جمعة من شهر رجب، دوى في قلب صنعاء انفجار لم يهز جدران جامع دار الرئاسة فحسب، بل هز كيان الدولة اليمنية بأكمله. كان تفجير المسجد أثناء أداء صلاة الجمعة محاولة اغتيال مباشرة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وعدد من كبار قادة الدولة، وجريمة إرهابية مكتملة الأركان ستظل واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ اليمن الحديث، مهما حاول المتورطون طمس حقيقتها أو الالتفاف عليها.
لم يكن ما جرى عملاً عشوائياً أو حادثاً عابراً، بل ضربة مدروسة استهدفت مركز القرار السياسي ورمز الشرعية والجمهورية. أن يُستهدف مسجد في لحظة عبادة خالصة، وبوجود قيادة الدولة، فهذا يكشف عن عقل إجرامي لا يؤمن بدين ولا وطن ولا بحرمة دماء البشر. لقد اخترق الإرهاب قدسية المكان والزمان ليعلن بداية مرحلة سوداء من الفوضى والانقسام، لا يزال اليمن يدفع ثمنها حتى اليوم.
جريمة دار الرئاسة لم تكن موجهة ضد أشخاص بعينهم، بل ضد فكرة الدولة نفسها. كان الهدف واضحاً: كسر رأس النظام وإدخال البلاد في فراغ قاتل، تمهيداً لإسقاط الجمهورية وتقويض مؤسساتها. ومن هنا، فإن خطورة الجريمة لا تكمن فقط في عدد الضحايا أو طبيعة المكان، بل في دلالتها السياسية العميقة، بوصفها إعلاناً مبكراً عن مشروع تخريبي واسع.
لقد حمل التفجير بصمات تحالفات مظلمة، التقت فيها مصالح قوى تدّعي العداء فيما بينها، لكنها وجدت في تدمير اليمن نقطة التقاء. جماعة الإخوان والحوثيون، رغم اختلاف شعاراتهم، اجتمعوا عند هدف واحد: ضرب الدولة اليمنية من الداخل. وما حدث في جامع دار الرئاسة لم يكن سوى الشرارة الأولى لتحالف دموي توسّع لاحقاً، وانتقل من مؤسسات الدولة إلى الشارع، ومن البر إلى البحر، حتى باتت الممرات البحرية الدولية، وعلى رأسها باب المندب، ساحة عبث وابتزاز.
لم تكن هذه الجريمة سوى رأس جبل الجليد في مشروع تآمري طويل الأمد، حُيك بدعم إقليمي واضح. أدوات إيران عبر مليشيات الحوثي، ومعها تنظيم الإخوان، عملت على إذكاء الصراع وبث الفتن وتمزيق النسيج الوطني، حتى تحوّل اليمن إلى ساحة مفتوحة للفوضى، وبلداً مثقلاً بالجراح، فاقداً للسيادة، ومنهكاً بالحروب.
إن استهداف دار الرئاسة في ذلك التوقيت الحرج لم يكن صدفة، بل رسالة دموية تهدف إلى كسر هيبة الدولة ودفع اليمن نحو الاحتراب الداخلي. ومنذ تلك اللحظة، دخلت البلاد نفقاً طويلاً من الانقسام والضياع، تراجع فيه الأمل، وانهارت فيه المؤسسات، ودفعت الأغلبية الساحقة من الشعب ثمن مغامرات سياسية لا علاقة لها بمصالح الوطن.
ورغم مرور أكثر من عقد على الجريمة، لا يزال ملفها مغلقاً، ولم تُكشف كل خيوطها، في واحدة من أخطر حالات الإفلات من العقاب. وهذا الصمت ليس بريئاً، بل شراكة غير مباشرة في الجريمة. فالعدالة التي لا تُنجز تتحول إلى ظلم مضاعف، ودماء الشهداء لا تسقط بالتقادم، مهما طال الزمن.
لقد كشفت تلك الحادثة أيضاً معدن الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، الذي رغم إصابته وفداحة المصاب، قدّم مصلحة اليمن على أي اعتبار آخر، ووجّه بعدم الانجرار إلى العنف أو الرد الدموي، حرصاً على حقن الدماء ومنع انهيار الدولة. كان ذلك الموقف النقيض الأخلاقي الكامل لعقلية منفذي الجريمة، الذين لم يترددوا في التضحية بوطن كامل من أجل السلطة.
إن جريمة دار الرئاسة ستظل علامة سوداء في تاريخ اليمن، ودليلاً قاطعاً على أن الإرهاب حين يضرب، لا يستهدف أفراداً فقط، بل يستهدف الأوطان ومستقبلها. وهي جريمة تستوجب تحقيقاً دولياً مستقلاً، ومحاسبة كل من خطط ونفذ وموّل وغطّى، أياً كانت صفته أو موقعه.
الخلاصة: تفجير دار الرئاسة لم يكن نهاية مأساة، بل بدايتها. كان الشرارة الأولى لسلسلة جرائم أكبر وأفظع بحق اليمن والإنسان اليمني. وسيبقى هذا الحدث شاهداً على خيانة كبرى، لن يمحوها النسيان، لأن التاريخ لا يرحم، واليمن، مهما طال ليله، لا يموت.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news