أثرّت الحرب المندلعة منذ أكثر من عشر سنوات في اليمن على كلّ المجالات، كما فاقم غياب أو ضعف مؤسّسات الدولة وانعدام الخدمات العامة حجم الأزمات، وكان التعليم الجامعي الأكثر تضرّراً.
تعاني الجامعات الحكومية والخاصة في اليمن من عجز مزمن وواضح في عدد حاملي درجة الدكتوراه بتأثير مجموعة عوامل متزامنة نتجت من الانهيارات الاقتصادية والإدارية والأمنية التي دفعت أصحاب هذه الشهادات إلى الهجرة إلى الخارج، أو طلب اللجوء في بلدان أخرى، باعتبارهما الخياران الأنسب خاصة لأكاديميي تخصّصات مطلوبة في جامعات دول الخليج وتلك في أوروبا وغيرها. وانعكس هذا الواقع سلباً على التعليم الجامعي في اليمن، وظهر ذلك في شكل أكبر في التخصّصات العلمية والتطبيقية مثل الطب والهندسة، وأمام هذا الواقع استعانت الجامعات في اليمن بمدرسين يحملون شهادات ماجستير وبكالوريوس لتغطية العجز الأكاديمي.
يقول طالب في كلية طب الأسنان بجامعة صنعاء، أكبر جامعات اليمن، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "دمّرت جماعة الحوثيين التعليم الجامعي بعدما فصلت مئات من الأكاديميين إثر سيطرتها على صنعاء، واستبدلتهم بآخرين غير مؤهلين وفق معايير الولاء لها. واليوم لا تضمّ الكلية العلمية التي ندرس فيها إلّا عدداً قليلاً من الأكاديميين المؤهلين، ويدرّس حاملو شهادة بكالوريوس أو فنيو أسنان العديد من المقرّرات، ما ينعكس سلباً على التحصيل العلمي للطلاب".
وفي إبريل/ نيسان الماضي، قال الدكتور محمود مغلس، عضو هيئة التدريس في جامعة ذمار، لـ"العربي الجديد": "يحاول الحوثيون إطالة أمد الحرب من أجل حسم معركة التعليم الذي لا يتعرض فقط لعسكرة الجامعات التي تعتبر فعلياً جزءاً من حلقة أكبر تهدف إلى تدمير عملية التعليم بالكامل من المرحلتَين الأساسية والثانوية إلى الجامعية"، ويلفت إلى أنّ "المناهج الجامعية تعرضت منذ عام 2016 للعديد من الإضافات والتغييرات لإدراج مناهج الثقافة، كما تعمّد الحوثيون خلال السنوات الأولى قطع رواتب المعلمين وإهانتهم وضربهم لتدمير العملية التعليمية، وتحقيق هدف خلق جيل مشوّه فكرياً وثقافياً واجتماعياً يحمل شهادات لكنّه أميّ المنهج، لأنّ الحوثيين لا يمكن أن يبقوا في ظلّ وجود العقل، وبالتالي يعتبر العلم عدوهم الأول، ما يحتم سلوكهم طريق التجهيل الممنهج".
وفيما دفعت الأزمات التي نتجت من الحرب أكاديميين إلى البحث عن فرص عمل خارج اليمن، خاصة في دول الخليج التي قدمت بعض جامعاتها عروضاً مغرية لأكاديميين يمنيين كثيرين، واجه قليلون بقوا داخل البلد مشكلة انقطاع الرواتب، وبحثوا عن فرص عمل في جامعات خاصة، كما اضطرّ بعضهم إلى العمل في أكثر من جامعة خاصة في الوقت نفسه من أجل الحصول على مستحقات مالية تضمن لهم العيش بكرامة، ولو في الحد الأدنى، ما انعكس سلباً على وضع الجامعات الحكومية تحديداً التي أصبحت مفرغة من الأكاديميين، واعتمدت على حاملي الماجستير والبكالوريوس للتدريس وتغطية العجز الحاصل فيها.
إلى ذلك قرّر طلاب انضموا إلى بعثات في الخارج عدم العودة بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها اليمن، وبحث بعضهم عن فرص عمل، بينما اضطر آخرون إلى طلب لجوء، وأحدهم عبد الصمد الصلاحي الذي التحق ببعثة للدراسات العليا في ماليزيا حيث حصل على شهادة ماجستير في تخصّص العلوم الطبية الحيوية خلال الفترة بين عامَي 2011 و2013، ثم واصل دراسة الدكتوراه في تخصص علم الأدوية خلال الفترة بين عامَي 2015 و2019، قبل أن يقرّر تقديم طلب لجوء في هولندا للحفاظ على حياته ومستقبله العلمي، ويقول لـ"العربي الجديد": "اندلعت الحرب خلال فترة دراستي الدكتوراه، وعانيت مثل يمنيين آخرين من أوضاع إنسانية ومعيشية بالغة الصعوبة، تمثلت في انقطاع وتأخر المساعدات المالية والرسوم الدراسية، ما تسبب لي بضغوط نفسية ومادية كبيرة كادت أن تطيح مسيرتي الأكاديمية. وتزامن ذلك مع اندلاع الحرب في مناطق واسعة في اليمن، وكانت منطقة الأقروض التي أتحدر منها إحدى جبهات المواجهات العسكرية الساخنة، والتي ذهب ضحيتها الكثير من أهلي وأقاربي فلم أستطع العودة حينها لأسباب أمنية، في مقدمها أن منطقتنا كانت ساحة مواجهات مسلحة دموية، كما أنّني خفت على حياتي، خاصة أنني كنت معارضاً لانقلاب الحوثيين ومواقفهم السياسية والعسكرية".
يضيف: "إلى جانب الأسباب السياسية والأمنية، كانت هناك أسباب إنسانية واقتصادية قاهرة، أبرزها انقطاع الرواتب وعدم وجود مصدر دخل مستقر، خاصة أنّني حاصل على درجة الدكتوراه، وفي اليمن لا تسويات وظيفية عادلة، إذ كان راتبي لا يتجاوز 37 ألف ريال شهرياً (23 دولاراً)، وهذا مبلغ لا يفي بأبسط متطلبات الحياة وهو لم يصرف بانتظام، ما جعل وضعي المعيشي شديد القسوة. وفي ظلّ هذه الظروف حصلت على فرصة للسفر إلى هولندا بغرض البحث عن عمل، لكنّني فضّلت التقدم بطلب لجوء من أجل الحصول على استقرار قانوني والبحث عن عمل كريم ولمّ شمل أسرتي التي اضطررت إلى البقاء بعيداً عنها لمدة ثماني سنوات متتالية بسبب الحرب والظروف الأمنية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news