جاءت وثيقة نقل السلطة في لحظة مفصلية اعادت تعريف شكل الشرعية وطبيعة الحكم ومسار الصراع في اليمن. انهت فصلا مُنهكا من حكم الفرد، لكنها حتى اليوم، لم تفتح فصل الدولة.
انهت الوثيقة حكم الرئيس الواحد، ونقلت كامل صلاحياته، بتفويض منه، الى مجلس قيادة رئاسي يضم قوى متباينة سياسيا وعسكريا، على امل توحيد معسكر الشرعية، ادارة المرحلة الانتقالية، وتهيئة الارضية لتسوية شاملة.
وبقدر ما اعادت الوثيقة ترتيب العلاقة مع التحالف، خصوصا مع السعودية، فإنها اسهمت في كسر حالة الجمود التي كانت تُدار باسم الشرعية دون قدرة فعلية على الفعل. كما خفّفت مرحليا من الصراعات العلنية بين مكونات الشرعية، على الاقل في واجهتها السياسية.
غير أن الوجه الآخر للوثيقة كشف سريعا عن مأزق بنيوي. إذ جرى نقل الانقسام من خارج مؤسسة الرئاسة الى داخلها، دون حسم السؤال الجوهري: من يحكم؟ ومن يقرر؟ وهل تدار الدولة بمنطق السياسة ام بمنطق موازين القوة والسلاح؟
اليوم الاحداث تتسارع سلبا تغيب فيها آليات واضحة لحسم الخلاف داخل مجلس القيادة الرئاسي، فتحول التوافق من اداة حكم الى شرط تعطيل. ولم ينتج المجلس نموذج دولة او رؤية حكم، بل اكتفى بادارة أزمة مفتوحة. ومع غياب التخطيط وتباين الأجندات، انزلق التوافق الى مسار انتهازي يخدم مصالح اطراف المجلس كل وفق حساباته الخاصة، لا وفق متطلبات بناء الدولة.
الحقيقة غير المجملة أن وثيقة نقل السلطة كانت حلا اضطراريا اكثر منها مشروعا وطنيا متكاملا. انقذت اللحظة، لكنها لم ترسم طريق النهاية. واليوم تبرز الحاجة الى وقفة جادة و مراجعة لا للوثيقة كنص، بل لوظيفتها السياسية ودورها في منع الانهيار او تكريسه.
ومن دون هذه المراجعة، ستتحول الوثيقة من أداة انتقال الى عبء سياسي، ومن فرصة إنقاذ الى غطاء لاستمرار الانقسام. عندها لن تعود المشكلة في النص، بل في الاصرار على ادارته كحل دائم، بينما هو لم يصمم الا كحل مؤقت.
الاستمرار في التعامل مع الوثيقة بصيغتها الحالية يعني اطالة عمر الأزمة، وتكريس سلطة بلا قرار، وشرعية بلا دولة. وهو مسار لا يؤدي الا الى مزيد من التآكل المؤسسي، وانفلات القرار السيادي، وفتح المجال امام قوى الامر الواقع لتكريس نفوذها على حساب اليمن كوطن ودولة وصولا الى مرحلة "قضي الامر".
إن اللحظة الراهنة لا تحتمل التجميل ولا المراهنة على الوقت. فإما تحويل وثيقة نقل السلطة الى عقد سياسي جامع ينهي ازدواج السلطة والسلاح، ويضع الدولة في صدارة القرار، أو الاعتراف الصريح بفشلها والبحث عن إطار جديد يعيد تعريف الشرعية ووظيفتها. ما دون ذلك فأن ما يحدث ليس انتقالا سياسيا، بل إدارة الأزمة نحو انهيار مؤكد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news