المجلس الانتقالي الجنوبي.. محطات في مسيرته السياسية والعسكرية والحقوقية

     
يمن ديلي نيوز             عدد المشاهدات : 48 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المجلس الانتقالي الجنوبي.. محطات في مسيرته السياسية والعسكرية والحقوقية

أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي:

يعد المجلس الانتقالي الجنوبي أحد أبرز الفواعل السياسية والعسكرية في اليمن خلال السنوات الأخيرة، في ظل مشهد وطني شديد التعقيد والتداخل.

فمنذ تأسيسه عام 2017، انتقل المجلس من موقع معارض لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى شريك في معظم هياكل الحكم، مع احتفاظه بخطابه السياسي الداعي إلى استعادة دولة الجنوب، واستمراره في إدارة تشكيلات أمنية وعسكرية تسيطر فعليًا على مساحات واسعة من المحافظات الجنوبية.

في هذا التقرير، يرصد “يمن ديلي نيوز” مسار المجلس الانتقالي الجنوبي، من حيث ظروف نشأته، وأهدافه السياسية المعلنة، وبنيته العسكرية، وعلاقته بالدعم الإقليمي، إضافة إلى محطات الصراع مع الحكومة الشرعية.

كما يرصد الملف الحقوقي المرتبط بتشكيلاته، وانعكاس ممارساته على المعركة الوطنية ضد جماعة الحوثي، وعلى الأوضاع الاقتصادية والخدمية في عدن (عاصمة اليمن المؤقتة)، ويهدف التقرير إلى تقديم قراءة لواحد من أكثر الملفات تعقيدًا في الأزمة اليمنية.

النشأة والتأسيس (2017)

جاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في سياق تفاعلات سياسية أعقبت قرارات أصدرها الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي.

ففي 27 أبريل/نيشان 2017، أصدر الرئيس هادي قرارًا بإقالة محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك، وهما من الشخصيات البارزة في المشهد الجنوبي، والمعروف ارتباطهما بعلاقات وثيقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

القرار جاء بعد قيام عيدروس الزبيدي بتشكيل قوات أمنية خاصة به، وبدء تشكيل عسكري مناهض للقوات الحكومية المعترف بها دولياً، الأمر الذي أسهم في تمزيق عرقلة استقرار الحكومة اليمنية في عدن (العاصمة المؤقتة لليمن).

بعد نحو تسعة أيام وتحديداً في 4 مايو/أيار 2017، شهدت مدينة عدن تجمعات حشدها المجلس الانتقالي الجنوبي تأييداً لما يعرف بـ”إعلان عدن التاريخي” منحت، عيدروس الزبيدي، تفويضاً بتشكيل كيان سياسي يتولى تمثيل الجنوب وإدارة شؤونه.

وبتاريخ 11 مايو/أيار 2017، أعلن الزبيدي تشكيل “هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي” مكونة من 26 عضوًا، ضمت محافظين ووزراء وشخصيات اجتماعية وقبلية، برئاسته ونيابة هاني بن بريك.

الأهداف السياسية والعقيدة المعلنة

يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي خطابًا سياسيًا واضحًا في أدبياته وتصريحاته الإعلامية، يتمحور حول الدعوة إلى استعادة دولة الجنوب بحدود ما قبل 22 مايو 1990.

يشدد على “أنه حامل لقضية شعب الجنوب العربي ومشروعه الوطني التحرري، وأنه لا يحل محل المكونات الجنوبية ولا يلغي وجودها ولا المشروع السياسي الخاص بكل مكوّن، وما تتفاوت فيه الأنظار والرؤى.

ويقول إنه ليس حزباً ولا مكوناً سياسياً أو اجتماعياً أو فئوياً أو نخبوياً، له مشروع سياسي خاص بأعضائه وأتباعه ومناصريه، بل هو إطار قيادي وطني ينظم وينسق قدرات وإمكانيات قوى ونخب شعب الجنوب صوب تحقيق أهدافه وتطلعاته.

القوة العسكرية والداعم الإقليمي ترتبط البنية العسكرية للمجلس الانتقالي بالدعم الذي تلقته تشكيلاته من دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتشير تقارير دولية، من بينها تقارير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، إلى قيام الإمارات بتمويل وتدريب وتسليح عدد من التشكيلات العسكرية التي باتت تمثل الذراع العسكرية للمجلس.

وتشمل هذه التشكيلات قوات الحزام الأمني المنتشرة في عدن ولحج وأبين والضالع، وقوات النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية، وألوية الدعم والإسناد، إضافة إلى ألوية العمالقة، التي ورغم تبعيتها الاسمية لقيادات مستقلة، فإن غالبية عناصرها تنتمي إلى البيئة الجنوبية وتنسجم سياسيًا مع توجهات المجلس الانتقالي.

وتقدّر تقارير متعددة عدد هذه القوات بما يتراوح بين 90 ألفًا و110 آلاف مقاتل، مزودين بمدرعات وأسلحة نوعية، تفوق في بعض الأحيان تسليح وحدات تابعة للجيش الحكومي.

محطات الصراع والسيطرة على الأرض

شهدت العلاقة بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية عدة جولات من الصراع المسلح.

ففي يناير 2018، اندلعت اشتباكات في مدينة عدن، حاصرت خلالها قوات تابعة للمجلس قصر المعاشيق الرئاسي، وسيطرت على معظم المدينة خلال ثلاثة أيام، وأسفرت المواجهات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

وفي أغسطس 2019، سيطرت قوات المجلس بشكل كامل على عدن بعد معارك استمرت أربعة أيام، وأسفرت – بحسب الأمم المتحدة – عن مقتل نحو 40 شخصًا وإصابة 260 آخرين.

ووصفت الحكومة اليمنية ما جرى حينها بأنه “تمرد مسلح وانقلاب”.

وفي أواخر أغسطس من العام ذاته، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية مقتل وإصابة نحو 300 جندي حكومي جراء قصف جوي إماراتي استهدف قوات الجيش في منطقة “العلم” أثناء محاولتها استعادة السيطرة على عدن.

وفي أبريل 2020، أعلن المجلس الانتقالي حالة الطوارئ والإدارة الذاتية للجنوب، وسيطر على إيرادات الدولة، قبل أن يتراجع عن الإعلان لاحقًا تحت ضغوط سعودية في إطار مساعي تنفيذ اتفاق الرياض.

الملف الحقوقي: اتهامات وتقارير

تواجه تشكيلات تابعة للمجلس الانتقالي اتهامات موثقة من منظمات دولية، بينها هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وفريق الخبراء الأممي، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

وشهدت مدينة عدن، بين عامي 2016 و2021، موجة اغتيالات سياسية استهدفت أئمة مساجد، وكوادر في حزب الإصلاح، وضباطًا موالين للحكومة الشرعية.

كما نشرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية وهيومن رايتس ووتش تحقيقات تحدثت عن وجود شبكة سجون سرية في عدن وحضرموت، من بينها سجن قاعة وضاح وسجن التحالف في البريقة، مع توثيق حالات تعذيب وانتهاكات جسدية.

وفي عام 2024، أثارت قضية اختطاف المقدم علي عشال الجعداني جدلًا واسعًا، بعد اتهام قائد في جهاز مكافحة الإرهاب التابع للمجلس، يسران المقطري، بالضلوع في القضية، ما دفع المجلس إلى الاعتراف الجزئي بالحادثة واعتقال بعض المتورطين.

وتعتبر قضية مقتل الأمريكي اليمني “كمال السنباني” بعد وصوله من الولايات المتحدة في نقطة تفتيش تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في 8 سبتمبر/أيلول 2021 واحدة من أبرز القضايا التي أثارت موجة حزن واستنكار شعبية واسعة النطاق.

من الصدام إلى الشراكة السياسية

رغم الصدامات المسلحة، فرض المجلس الانتقالي نفسه كقوة فاعلة على الأرض، ما دفع المملكة العربية السعودية إلى رعاية اتفاقات سياسية هدفت إلى توحيد الصف المناهض لجماعة الحوثي.

ونص اتفاق الرياض، الموقع في نوفمبر 2019، على مشاركة المجلس في الحكومة مقابل دمج قواته العسكرية والأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية، وهو بند لم يُنفّذ حتى الآن.

وفي إبريل/نيسان 2022، أصبح عيدروس الزبيدي عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي عقب إزاحة الرئيس هادي، كما انضم قادة عسكريون ومحافظون محسوبون على المجلس إلى المجلس الرئاسي، ما وفر للمجلس غطاءً سياسيًا رسميًا.

السيطرة الجغرافية والتحديات الراهنة

يسيطر المجلس الانتقالي فعليًا على محافظات عدن ولحج والضالع، وأرخبيل سقطرى منذ يونيو 2020، إضافة إلى أجزاء من أبين وشبوة.

وفي المقابل، يواجه المجلس انتقادات شعبية متزايدة تتعلق بتدهور الخدمات، وانهيار العملة، وتصاعد التوترات المناطقية، وتعثر تنفيذ ملفات دمج القوات العسكرية.

وخلال يومي 3 و 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي بقوات عسكرية من محافظات الضالع وأبين وشبوة ولحج على مديريات وادي حضرموت، ومحافظة المهرة، مايجعله الآن القوة الوحيدة المتصدرة عسكريا في جنوب اليمن.

تمكن المجلس من بناء تشكيلات عسكرية وأمنية موازية للجيش الوطني، تشمل قوات الحزام الأمني، وألوية الدعم والإسناد، وقوات العاصفة، وجهاز مكافحة الإرهاب، إلى جانب قوات النخبة الحضرمية والشبوانية، التي تسيطر على مناطق استراتيجية في الجنوب.

دعوات الانفصال وتأثيرها الاجتماعيتتهم أطراف سياسية وحقوقية المجلس الانتقالي الجنوبي بممارسة سياسات مناطقية، شملت حملات ترحيل قسري لمواطنين من محافظات شمالية، واعتماد خطاب إعلامي تصعيدي، عنصري ضد بعض المحافظات اليمنية.

وفي مايو 2023، أقر المجلس “الميثاق الوطني الجنوبي” الذي ينص صراحة على استعادة دولة الجنوب، واعتبر الوحدة اليمنية “احتلالًا”، وفق نص الوثيقة، برغم أن المجلس الانتقالي الجنوبي يشكل نصف أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.

يرى محللون أن الصراع بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية أسهم في إضعاف الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي، خاصة مع فتح جبهات داخلية في عدن وأبين وشبوة، وحضرموت والمهرة، بالتزامن مع معارك مفصلية في نهم والجوف ومأرب، إضافة إلى السيطرة على سقطرى، وتعثر تنفيذ اتفاق الرياض.

الملف الاقتصادي والخدمي في عدن

تعتبر “عدن” عاصمة اليمن المؤقتة، النموذج الأبرز لسيطرة الانتقالي الجنوبي، حيث تفيد تقارير بأن صنعاء الخاضعة لسيطرة الانتقالي الجنوبي ثم عدن، أكثر محافظتين في اليمن تعاني من شح الخدمات الأساسية “الكهرباء والماء”.

واتهمت الحكومة اليمنية في أوقات سابقة الانتقالي الجنوبي تصل ساعات الانقطاع فيها إلى نحو 20 ساعة يوميًا، وسط تقارير تتحدث عن اختلالات في ملف وقود الكهرباء، وسيطرة على إيرادات الميناء والجمارك، وفرض جبايات في نقاط التفتيش.

وأدت هذه الأوضاع إلى تكريس حالة ازدواجية السلطة في عدن، وتحول العاصمة المؤقتة، وفق توصيفات سياسية وإعلامية، من نموذج مأمول للمناطق المحررة إلى مدينة تواجه تحديات خدمية واقتصادية معقدة، في ظل استمرار الانقسام داخل معسكر الشرعية، واستفادة جماعة الحوثي من هذا الواقع على المستويين السياسي والإعلامي.

مؤسس الانتقالي الجنوبي

لم يسجل قبل العام 2015 حضوراً كبيراً لعيدروس الزبيدي في الحراك الجنوبي الحقوقي الذي انطلق عام 2007 إلا أنه ومع بداية عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015 توارت قيادة الحراك الجنوبي التي تصدرها حسن باعوم وعلي سالم البيض.

كما لم تسجل تقارير حضوراً لعيدروس الزبيدي خلال معركة دحر جماعة الحوثي المصنفة إرهابية في العام 2015، وكان المتصدرين لها قوات شعبية عبارة عن تشكيلات مقاومة من المنتمين لحزب الإصلاح والسلفيين.

في 4 سبتمبر/أيلول 2014، وبينما كان الحوثيون يحاصرون العاصمة صنعاء أوردت صحيفة الطريق الصادرة في عدن (مغلقة حالياً) تصريحاً على لسان عيدروس الزبيدي تحدث فيه عن دعم إيراني لهم لاستعادة الدولة الجنوبية.

وأوضح أنه وقع على اتفاقاً مع طهران في بيروت، وشارك بتجنيد أكثر من 400 جنوبي يمني، وتدريبهم هناك.ونشر موقع الصحيفة عنوان لعيدروس الزبيدي كالتالي: الزبيدي قائد مايعرف بالمقاومة الجنوبية: سنقف مع الحوثي في مواجهته الثورية مع نظام صنعاء.

صعود ترافق مع تعقيدات

في ضوء ما سبق، يتضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يعد مجرد كيان سياسي ناشئ أو فاعل محلي محدود التأثير، بل أصبح أحد الأعمدة الرئيسية في معادلة السلطة والنفوذ في جنوب اليمن، بامتداداته العسكرية والأمنية، وحضوره السياسي داخل مؤسسات الحكم، وعلاقاته الإقليمية المؤثرة.

غير أن هذا الصعود ترافق مع تعقيدات عميقة، تمثلت في الصدام مع الحكومة المعترف بها دوليًا، وتداخل السلطات، وتعثر تنفيذ الترتيبات الأمنية والسياسية، فضلًا عن ملف حقوقي ما زال يثير قلقًا محليًا ودوليًا.

يبرز المجلس الانتقالي كحالة إشكالية في السياق اليمني؛ فهو شريك في السلطة من جهة، وحامل لمشروع سياسي يقوم على الانفصال من جهة أخرى، ما يضع مستقبل الدولة اليمنية ووحدة معسكر مناهضة الحوثيين أمام تحديات بنيوية مستمرة.

كما أن السيطرة العسكرية الواسعة التي حققها في الجنوب لم تنعكس، حتى الآن، على تحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية، خصوصًا في عدن، التي تحولت إلى نموذج صارخ لازدواجية السلطة وتآكل المسؤولية. فهل تصبح المحافظات الشرقية نموذجاً آخر لفشل الانتقالي الجنوبي؟

مرتبط

الوسوم

مشروع الأنفصال

المجلس الانتقالي الجنوبي

تفكيك الوحدة اليمنية

جنوب اليمن

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

القوات الجنوبية تخوض اشتباكات عنيفة في طور الباحة والطيران يتدخل

نافذة اليمن | 583 قراءة 

الكشف عن حقيقة القرار السعودي الأخير المتعلق باليمن

نيوز لاين | 570 قراءة 

الكشف عن ترتيبات جديدة وتحريك فعلي للمسار السياسي في اليمن

وطن نيوز | 554 قراءة 

العبر على صفيح ساخن.. وحشود مسلـ.ـحة تحشد قرب ثمود لمهاجمة وادي حضرموت

صوت العاصمة | 487 قراءة 

محمد العرب يوجّه رسالة تحذير للزبيدي: وهم القوة يقود إلى مصير دقلو

نيوز لاين | 458 قراءة 

استنفار في الرياض بعد فشل الوفد السعودي الإماراتي في عدن

شبكة اليمن الاخبارية | 455 قراءة 

مليشيا الحوثي تنقل الأسلحة الثقيلة من معسكر استراتيجي في حضرموت إلى هذه المحافظة

المشهد اليمني | 403 قراءة 

حادثة مأساوية: تزويج طفلة لرجل ثلاثيني ينتهي بصدمة تقلب حياتها

نيوز لاين | 355 قراءة 

اعتقال قائد عسكري كبير و الحارس الشخصي للرئيس صالح سابقاً

يمن فويس | 351 قراءة 

الانتقالي ينقل الأسلحة والدبابات الثقيلة من معسكر الخشعة باتجاه شبوة

قناة المهرية | 330 قراءة