الإعدام الميداني في شبوة.. جريمة تهدد القانون والشرع وتفتح أبواب الفوضى
قبل 1 دقيقة
أثارت حادثة الإعدام الميداني لأحد المتهمين بجريمة قتل في محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، صدمة واسعة في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، وأعادت إلى الواجهة أسئلة خطيرة حول غياب سلطة القانون، وانهيار منظومة العدالة، وتغوّل منطق الانتقام على حساب الدولة والشرع والإنسان. فهذه الجريمة لا يمكن التعامل معها كحادث عابر أو تصرف فردي، بل تمثل سلوكًا إجراميًا مكتمل الأركان، يهدد السلم المجتمعي ويكرّس شريعة الغاب.
إن الإعدام خارج إطار القضاء يُعد جريمة مزدوجة؛ جريمة بحق الضحية، وجريمة بحق المجتمع والدولة. فحتى لو كان المتهم مدانًا بارتكاب جريمة قتل، فإن محاسبته لا تتم عبر فوهة بندقية أو مشهد دموي في الشارع، بل عبر قضاء عادل يضمن حق الدفاع، والتحقيق، والمحاكمة وفقًا للقانون. أما القفز فوق هذه الإجراءات، فهو إلغاء لمفهوم العدالة نفسه، واستبداله بمنطق الثأر والفوضى.
الأخطر في هذه الحادثة أنها لم تنتهك القانون الوضعي فقط، بل خالفت أيضًا أحكام الشريعة الإسلامية التي شددت على تحريم القتل بغير حق، ووضعت ضوابط صارمة لإثبات الجرائم وتنفيذ العقوبات، واشترطت وجود قضاء مختص وسلطة شرعية. فالشرع الذي يتذرع به البعض لتبرير مثل هذه الأفعال، بريء من هذه الممارسات التي لا تمت إليه بصلة، بل تشوهه وتستخدمه غطاءً للعنف.
كما أن هذا السلوك يمثل طعنة في صميم الأعراف القبلية اليمنية الأصيلة، التي نشأت تاريخيًا لضبط النزاعات وحقن الدماء، لا لإشعالها. فالعرف القبلي، رغم مآخذ كثيرة عليه، كان يهدف في جوهره إلى منع الانزلاق نحو دوامات الانتقام، وإتاحة فرص الصلح والتحكيم، وليس تنفيذ الإعدامات الميدانية التي تفتح أبواب ثأر لا تُغلق.
إن السماح بمثل هذه الجرائم أو التهاون معها يعني فتح الطريق أمام كل جماعة أو فرد ليصبح قاضيًا وجلادًا في آن واحد، وهو ما يقود حتمًا إلى تفكك المجتمع وتحويل المحافظات إلى ساحات تصفية حسابات. فاليوم يُعدم شخص دون محاكمة، وغدًا قد يكون الضحية بريئًا أو مجرد متهم كيدي، في ظل غياب أي ضمانات للعدالة.
تقع المسؤولية هنا على عاتق السلطات المحلية والأمنية والقضائية، التي يُفترض أن تتحرك بحزم لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة كل من شارك أو حرّض أو تستر على هذه الجريمة. فالصمت أو التبرير لا يقل خطورة عن الفعل نفسه، لأنه يمنح رسالة واضحة بأن القانون غائب، وأن العنف هو الوسيلة الأسرع لفرض الأمر الواقع.
إن ما جرى في شبوة ليس حادثة فردية، بل إنذار خطير لمستقبل المجتمع إذا استمر هذا الانفلات. فلا أمن دون قانون، ولا عدالة دون قضاء، ولا دولة تقوم على الإعدام الميداني. وما لم يتم إدانة هذا السلوك الإجرامي بوضوح وحزم، فإن اليمن سيبقى أسير دائرة الدم، يدفع أبناؤه ثمن غياب الدولة وانتصار الفوضى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news