تواجه الطفولة في اليمن تهديدًا متصاعدًا بفعل تداعيات تغيّر المناخ، في واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العالم. ووفق تقارير أممية، فإن آثار المناخ القاسية لم تعد سيناريوهات مستقبلية محتملة، بل واقعًا يوميًا يثقل كاهل ملايين الأطفال، ويتفاقم حدّته مع استمرار الصراع وتراجع القدرة على الاستجابة.
ويُصنَّف اليمن ضمن الدول الأشد هشاشة أمام التغيرات المناخية، إذ يتعرض بصورة متكررة لسيول جارفة، وموجات جفاف قاسية، وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. هذه الصدمات البيئية لا تضرب البنية التحتية فحسب، بل تنعكس مباشرة على حياة الأطفال، مضيفة أعباء جديدة إلى معاناة قائمة أصلًا.
أصبحت أزمة المناخ أحد أبرز العوامل المغذية للطوارئ الصحية وانعدام الأمن الغذائي في اليمن. فقد أدى تذبذب الأمطار واستمرار الجفاف إلى تراجع حاد في الإنتاج الزراعي، ما فاقم من حدة نقص الغذاء لدى ملايين الأسر.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم أمهات حوامل ومرضعات، إلى جانب نحو 3.5 مليون طفل دون سن الخامسة يواجهون سوء تغذية حادًا.
في المقابل، تسهم الفيضانات المتكررة في تدمير شبكات المياه والصرف الصحي المتهالكة، ما يؤدي إلى تلوث مصادر المياه وانتشار أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الكوليرا. وبالنسبة للأطفال الذين يعانون أصلًا من سوء التغذية، تصبح هذه الأمراض تهديدًا مباشرًا للحياة، في دائرة مغلقة من الجوع والمرض وضعف المناعة.
إلى جانب النزاع المسلح، بات تغيّر المناخ عاملًا رئيسيًا في موجات النزوح الداخلي. فالكوارث البيئية تجبر آلاف الأسر على مغادرة منازلها، محرومةً من الاستقرار والتعليم والدعم المجتمعي. ويجد الأطفال أنفسهم في بيئات محفوفة بالمخاطر، حيث تتزايد احتمالات التعرض للاستغلال والعنف والإهمال.
وتعاني مخيمات النزوح من اكتظاظ حاد وشح في الموارد، ما يحد من قدرتها على توفير الحماية. كما تسهم ندرة المياه والأراضي الصالحة للعيش والغذاء في توترات متزايدة بين النازحين والمجتمعات المضيفة، لتبقى الطفولة في قلب صراعات لا يد لها فيها.
تتجلى آثار تغيّر المناخ بصورة غير متكافئة، إذ تتحمل الفتيات نصيبًا أكبر من الأعباء. فمع ندرة المياه، تضطر كثير من الفتيات إلى قطع مسافات أطول وفي ظروف قاسية لجلبها، غالبًا تحت حرارة مرتفعة، ما يعرضهن لمخاطر العنف والاستغلال والإصابات.
وتدفع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة العديد من الأسر إلى إخراج الفتيات من المدارس، الأمر الذي يقطع مسار تعليمهن ويقوّض فرصهن في مستقبل أفضل.
لا تقتصر تداعيات الأزمة المناخية على الحاضر، بل تهدد مستقبل جيل كامل. فالفيضانات تدمر المدارس، والنزوح يقطع استمرارية التعليم، فيما يدفع الفقر المتفاقم كثيرًا من الأطفال إلى سوق العمل، أو إلى مسارات أكثر خطورة.
وتشير البيانات إلى أن أكثر من 4.5 مليون طفل في سن الدراسة باتوا خارج مقاعد التعليم في اليمن.
اقتصاديًا، تبدو الصورة قاتمة أيضًا. إذ يحذر البنك الدولي من أن تفاقم التغيرات المناخية قد يؤدي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي لليمن بمعدل يقارب 3.9% سنويًا بحلول عام 2040، نتيجة الخسائر في الزراعة وتضرر البنية التحتية، ما سينعكس مباشرة على فرص العيش للأطفال في المستقبل ويعمّق دائرة الفقر وعدم المساواة.
لم يعد التصدي لأزمة المناخ خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة ملحّة لحماية حقوق الأطفال وضمان بقائهم ونمائهم. ويؤكد مختصون أن الاستثمار في التكيّف المناخي، من خلال تحسين الوصول إلى المياه النظيفة، وتعزيز الرعاية الصحية المرنة، وتأمين التعليم الآمن، وتوفير منظومات فعالة لحماية الطفل، يمثل حجر الأساس لأي استجابة مستدامة.
وفي هذا السياق، يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالشراكة مع مرفق البيئة العالمية وصندوق المناخ الأخضر وعدد من الدول والمنظمات الدولية، جهودًا تهدف إلى جعل الحلول المناخية في اليمن شاملة ومستدامة، بما يضمن مستقبلًا أكثر أمانًا للأجيال القادمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news