في مشهدٍ وطنيٍ استثنائي، يختصر تاريخًا من النضال ويستشرف أفق الدولة، شهدت محافظة الضالع اليوم الأحد زحفًا جماهيريًا مهيبًا لأبناء مديرية حجر، الذين شدّوا الرحال قاطعين المسافات، ومتجاوزين وعثاء الطريق، ليحطّوا رحالهم في مخيم الاعتصام المفتوح، حاملين معهم وجدان الجنوب، وصوت الشهداء، ووصية الأرض التي لا تُساوم.
لم يكن الموكب مجرد توافد بشري، بل كان حالة وعي متكاملة، تتقدمها أسر الشهداء بوقارٍ يليق بعظمة التضحيات، وتتبعها جموعٌ غفيرة من الأكاديميين، والإعلاميين، والشباب، والقيادات العسكرية والاجتماعية، في لوحة وطنية متماسكة، امتزج فيها الحزن النبيل بالفخر العميق، وتجلّت فيها ملامح شعب قرر أن يحوّل الصبر إلى موقف، والانتظار إلى فعل.
على امتداد الطريق نحو ساحة الاعتصام، علت الهتافات الجنوبية الصادقة، وارتفعت الرايات، وتقدمت صور الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، بوصفه رمزًا لمرحلة نضالية فارقة، بينما ردّد المشاركون شعارات تؤكد أن خيار استعادة الدولة الجنوبية لم يعد مطلبًا مؤجلًا، بل استحقاقًا وطنيًا عاجلًا لا يقبل التسويف.
وعند وصول الحشود إلى مخيم الاعتصام، بدت الضالع وكأنها تحتضن الجنوب كله، حيث كان في استقبالهم رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة الضالع العميد عبدالله مهدي سعيد، وعدد من قيادات المجلس، في مشهد عكس عمق التلاحم بين القاعدة الشعبية وقيادتها السياسية، ورسّخ صورة وحدة الصف في لحظة مفصلية من مسار القضية الجنوبية.
الحضور اللافت لعضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي الدكتور عبدالرؤوف السقاف، والسفير عبدالكريم سعيد، أضفى على المشهد أبعادًا سياسية ورمزية عميقة، حيث عبّر الدكتور السقاف عن اعتزازه بالدور الريادي الذي يضطلع به أبناء حجر، واصفًا حشودهم بأنها رسالة وعي لا تخطئها العين، ودليلًا قاطعًا على أن الجنوب يمتلك شعبًا حيًا، يعرف بوصلته، ويتمسك بحقه، ويدرك طبيعة المرحلة.
لقد قالت مديرية حجر كلمتها بوضوح، لا لبس فيه ولا مواربة؛ جددت ولاءها لله، ثم للجنوب، ولقواته المسلحة، ولقائدها الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، وأكدت أن تضحياتها في مواجهة المليشيات الحوثية، وفي مختلف جبهات الشرف، لم تكن إلا جزءًا من معركة واحدة ممتدة، عنوانها الكرامة، وغايتها الدولة الجنوبية كاملة السيادة، على حدودها المعروفة، وعاصمتها عدن.
هذا الحشد لم يكن فعلًا عاطفيًا عابرًا، بل تعبيرًا منظمًا عن إرادة جمعية، ورسالة سياسية مباشرة، مفادها أن الاعتصام المفتوح سيبقى مفتوحًا، وأن الساحات ستظل عامرة، حتى تتحول الهتافات إلى قرار، والمطالب إلى واقع، والدولة إلى حقيقة قائمة.
اليوم، لم تتجه حجر إلى الضالع فحسب، بل اتجهت نحو التاريخ، وكتبت سطرًا جديدًا في سفر النضال الجنوبي، مؤكدة أن الشعوب التي تقدّم الشهداء، لا تقبل أنصاف الحلول، وأن الجنوب، ما دام يملك هذا الوعي، وهذا الالتفاف، وهذه الإرادة الصلبة، فإنه ماضٍ لا محالة نحو استعادة دولته، مهما طال الطريق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news