في مشهد يعكس عمق المأساة الإنسانية والانهيار الاقتصادي الذي يطيح بحياة اليمنيين، أثار إعلان صادر عن مستشفى "المتحدون التخصصي" الخاص في العاصمة اليمنية المحتلة صنعاء، موجة عارمة من الغضب والاستنكار على نطاق واسع. الإعلان، الذي يعتبر صدىً مدوّيًا للأزمة المعيشية الخانقة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، كشف عن تفاقم الوصول إلى حافة الهاوية، حيث أصبح المرضى وعائلاتهم مضطرين لرهن أثمن ممتلكاتهم مقابل الحصول على الرعاية الصحية.
وجّه المستشفى، في خطوة نادرة وصادمة، إنذارًا نهائيًا إلى عشرات المواطنين الذين تراكمت عليهم ديون مستحقة مقابل خدمات علاج تلقاها ذووهم.
حذّر الإعلان، الذي تم تداوله على نطاق واسع، المدينين من ضرورة تسديد كامل المبالغ المتراكمة خلال مهلة قصيرة لا تتجاوز أسبوعين فقط، مهددًا باتخاذ "إجراءات صارمة وقانونية" قد تصل إلى حد تصفية وبيع الرهونات الشخصية التي قدمها المرضى كضمان، لاستيفاء المستحقات المالية.
الصدمة الأكبر كانت في القائمة المرفقة بالإعلان، التي كشفت عن أسماء 174 شخصًا، والأصول التي قدموها كرهونات، لتقدم بانوراما مؤلمة لحالة اليأس التي وصل إليها المواطنون.
تضمنت القائمة ممتلكات ذات قيمة عالية مثل السيارات الحديثة، ومصوغات الذهب، ووثائق تملك المنازل والأراضي، وهي أصول تمثل ثروة عمرية لأي أسرة.
ولكن الأكثر دلالة على مدى الهبوط في مستوى المعيشة، كان ظهور أدوات شخصية وعائلية ضمن قائمة الرهونات، مثل البنادق والمسدسات والجنابي التقليدية، التي تمثل جزءًا من التراث والكرامة الشخصية لدى الكثيرين، بالإضافة إلى وسائل نقل متواضعة مثل الدراجات النارية، مما يؤكد أن الأسر قد باعته أو رهنته كل شيء تقريبًا لتأمين ثمن العلاج.
واجه هذا الإجراء انتقادات لاذعة من قبل نشطاء ومواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين وصفوا قرار المستشفى بـ "الإجراء القاسي وغير الإنساني"، معتبرين أن تصفية ممتلكات المرضى هو مؤشر خطير على العجز الاقتصادي المدمر الذي وصل إليه المواطن في مناطق سيطرة الحوثي، والذي لم يعد قادرًا على تغطية أبسط الاحتياجات الحياتية، فما بالنا بتكاليف العلاج الباهظة.
وأكد ناشطون أن هذه الحادثة ليست سوى غيض من فيض، وتجسد صارخًا لعمق الأزمة المعيشية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.
ويرجعون السبب الرئيسي إلى سياسات المليشيا الحوثية التي أدت إلى توقف صرف المرتبات للموظفين الحكوميين لسنوات، بالإضافة إلى نهبها المنظم للموارد العامة والخاصة، عبر جباية الضرائب والرسوم غير المشروعة، وهو ما دفع آلاف العائلات إلى التضحية بممتلكاتها الأساسية من أجل تأمين العلاج الضروري لأحبائها.
من جانبهم، يرى مراقبون ومحللون سياسيون أن إعلان المستشفى يعكس جزءًا يسيرًا من المشهد المأساوي العام الذي تعيشه صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي.
ويشيرون إلى أن رهن الممتلكات الشخصية لم يعد خيارًا استثنائيًا، بل تحول إلى "الخيار الأخير الباهظ الثمن" أمام غالبية السكان في ظل انهيار اقتصادي شامل وتراجع حاد في قيمة العملة المحلية.
ويختتم المراقبون تحليلهم بالتأكيد على أن غياب أي تدخلات جذرية أو حلول فعالة من قبل الجهات المسيطرة، يعني استمرار هذا التدهور، مما يحول المأساة الإنسانية إلى واقع يومي مؤلم، حيث يصارع المواطن اليمني من أجل البقاء، بل وحتى من أجل الحصول على حق أساسي من حقوقه كالعلاج.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news