مشاهدات
شهدت محافظات شرق اليمن، خلال الأيام الفائتة، تصاعدا في حدة التطورات الأمنية والعسكرية التي أربكت المشهد الاقتصادي، وضاعفت من مستوى التحديات التي تواجه البلاد بمختلف الملفات.
لم يكن الجانب الاقتصادي، بمنأى عن التطورات الأخيرة في محافظات الشرق اليمني، بل ربما يكون المحرك الأساسي، لتصاعد مستوى الصراع، من أجل السباق والسيطرة على مفاصل النفوذ والثروة، كون تلك المحافظات، وبالتحديد حضرموت ومأرب وشبوة، تتواجد فيها كافة حقول النفط اليمني.
ومع أنه ليس من المنطق تجاهل بقية العوامل والمسببات الأخرى، التي أدت إلى دخول تلك المحافظات في حلبة الصراع، إلا أن الجانب الاقتصادي يتفاعل مع هذه التطورات كسبب ونتيجة، وإن كان بصورة أكثر وضوحا في المالات والتداعيات المترتبة على هذا المشهد الجديد الذي ما زال قابلا للمناورة عبر دخول أطراف جديدة في السيطرة على الأرض.
وأياً ستكون النتائج الأخيرة للمشهد العام في حضرموت والمهرة، مستقبلا إلا أن هذا الاحتدام المباشر والمواجهة العسكرية، ومحاولة فرض واقع عسكري جديد بالقوة بتلك المناطق، بتجاوز التوافق الوطني، وبشكل أحادي، قد يعمل على نسف كافة الإجراءات والخطوات التي أقرتها مصفوفة الإصلاحات الحكومية خلال الشهور الأخيرة.
تعثر خطة الإصلاحات
ترتكز خطة الإصلاحات الاقتصادية للحكومة، بدرجة أساسية على تنمية الموارد المالية، ومعالجة فجوة العجز، ورفع كفاءة التحصيل من القطاعات الاقتصادية العامة، والمحافظات، إلى جانب إجراءات وخطوات أخرى، تدعم وتساهم في تنفيذ ونجاح هذه الخطة، ومن هذا المنطلق فإن إنفاد هكذا قرارات في ظل تركيبة السلطة الحالية، يتطلب توحد في القرار السياسي، من قبل مكونات المجلس الرئاسي، ووجود رغبة حقيقة من كافة الأطراف نحو تحقيق التعافي الاقتصادي.
وبإلقاء نظرة عامة، حول التحولات التي شهدتها منظومة السلطة الحالية ومكوناتها عبر تجاوز التوافق بين كافة أعضاء مجلس القيادة، والدخول في حالة صدام ومواجهة مباشرة، فإن تمكن تلك الجهات من فرض الواقع الجديدة بالقوة، من المرجح أن يؤدي إلى إرباك المشهد العام كاملا ومنه الملف الاقتصادي، الذي لقي خلال الشهور الماضية، تفاعلا واهتماما ملحوظا من قبل الجانب الحكومي.
ومنذ سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، على مدينة سيئون ومناطق وادي حضرموت، والاصطدام بقوات حماية حضرموت التابعة للقيادي القبلي في وادي حضرموت، عمرو بن حبريش، وما خلقته من تداعيات على وحدة القرار السياسي لدى مجلس القيادة، وعلى مصير العلاقة مع المملكة العربية السعودية، التي عبرت بوضوح عن رفضها لهذه التطورات، التي تعرض المشهد الاقتصادي لحالة من عدم اليقين، خصوصا مع مغادرة الحكومة العاصمة المؤقتة عدن، إلى المملكة العربية السعودية.
وتتولى الحكومة اليمنية، برئاسة سالم صالح بن بريك، مسؤولية تنفيذ مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية لتحقيق التعافي، والتي تشمل جوانب متعددة في مختلف القطاعات أهمها تنمية الموارد المحلية، عبر تحرير سعر الدولار الجمركي، وتوحيد الأوعية الإيرادية للمؤسسات والمحافظات.
ومن شأن هذه الخطوة، أن تجمد مصفوفة الإصلاحات وتعرقل عملية التنفيذ، علاوة على المخاطر المحتملة، في تشتت الموارد وتراجع إنتاج المؤسسات الإيرادية، وتزايد التحديات الاقتصادية والمعيشية، في عموم المحافظات.
وتحتاج اللجنة الوطنية لتمويل الواردات، التي يترأسها محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب، إلى استدامة في حركة النشاط الاقتصادي والمصرفي، لضمان ضبط آلية الاستيراد، وتحقيق الاستقرار النقدي، كون اللجنة تمول عملية الواردات من البنوك والمصارف والأسواق المالية الرسمية.
ضمان استدامة أنشطة لجنة تمويل الواردات، يتأتى من ضرورة استقرار المشهد السياسي والأمني والاقتصادي، وبدون ذلك فإن اللجنة ستظل معرضة لمخاطر التعثر، لا سيما مع شحة احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي، وتوقف المصادر الإيرادية من العملة الصعبة للخزينة العامة للدولة، وارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد، والتي تصل سنوياً إلى ما يقارب من 13 مليار دولار، وفق تقديرات وإحصائيات رسمية.
إن أخطر ما قد يشل خطة الإصلاحات الحكومية وتحقيق الحد الأدنى من استقرار المعيشي للسكان، هو استهداف مؤسسات الدولة، عبر تمكين الكيانات المسلحة الموازية من السيطرة على الأرض والقطاعات الحيوية، كما حصل مؤخرا في محافظات حضرموت وشبوة، ومحاولة فرض أمر واقع يتجاوز المركز القانوني للدولة.
تقويض سلطة الحكومة
المجلس الانتقالي الجنوبي، سيطر عبر تشكيلاته العسكرية، على محافظتي حضرموت والمهرة، آخر المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة المؤسسات الحكومية الشرعية، وهو ما أدى إلى إشعال حدة الصراع، مع رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، والمملكة العربية السعودية.
رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، قال إن هذه الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقا صريحا لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وتهديدا مباشرا لوحدة القرار الأمني والعسكري، وتقويضا لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديدا خطيرا للاستقرار، ومستقبل العملية السياسية برمتها، محذرا من التداعيات الاقتصادية والمعيشية الخطيرة لأي اضطراب، خصوصا في محافظتي حضرموت والمهرة، معتبرا أن ذلك قد يعني تعثر دفع رواتب الموظفين، ونقص الوقود لمحطات الكهرباء، وتفاقم الأزمة الإنسانية، ونسف كل ما تحقق من إصلاحات اقتصادية، وإضعاف ثقة المانحين بالحكومة الشرعية.
وخاطب العليمي، الإثنين الماضي، سفراء الدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن، بأن سقوط منطق الدولة في اليمن لن يترك استقرارا يمكن الاستثمار فيه، لا في الجنوب ولا في الشمال، داعيا إلى تحمل المسؤولية الجماعية، لمنع انزلاق البلاد إلى مزيد من التفكك والفوضى.
تحذيرات مجلس القيادة اليمني، سبقتها رفضا واضحا من قبل المملكة العربية السعودية، لهذه التطورات، التي طالبت بخروج القوات العسكرية من حضرموت والمهرة، القادمة من خارج هذه المحافظات، في إشارة لقوات المجلس الإنتقالي الجنوبي.
وترغب الرياض، بإحلال قوات درع الوطن الموالية، في وادي حضرموت والمهرة، وتولي مهام حماية المنشآت النفطية، في تلك المحافظات، وماتزال الأوضاع مرشحة للتصعيد حتى كتابة هذه المادة، دون وجود حسم نهائي لهذا الملف، ما يعني أن هناك خيارات وسيناريوهات مختلفة، قد تكتب المشهد النهائي لمثلث النفط والثروة، الممتد من حضرموت، وشبوة، إلى مأرب.
في أحدث موقف للجانب السعودي، قال رئيس اللجنة الخاصة، اللواء محمد القحطاني، إن المملكة ترفض أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة، أو إدخال محافظة حضرموت، في دوامة صراعات جديدة، مؤكدا على ضرورة خروج قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، من محافظتي حضرموت والمهرة، وأن تتولي قوات درع الوطن استلام المواقع والمعسكرات.
تراكم التوترات
يأتي هذا التصعيد في سياق توترات متراكمة بين المجلس الانتقالي والتحالف القبلي في وادي حضرموت المدعوم سعوديا، وهو ما يعرض التحالف السعودي-الإماراتي، الذي كان أساسا للاستقرار النسبي، لاختبار حقيقي، حيث تظهر الرياض قلقا متزايدا من فقدان نفوذها في الشرق اليمني، الذي يُعد عمقا استراتيجيا للمملكة.
وتكمن خطورة هذه التطورات في تأثيرها المباشر على الاقتصاد اليمني الهش، حيث تعد محافظتا حضرموت والمهرة ركيزة أساسية في الجاني الإيرادي للحكومة، وأي اضطراب هناك سينعكس بالضرورة على تأثر المنظومة المالية للدولة، وتعطيل المصالح العامة والخدمات الأساسية للمواطنين.
وتغذي شركة بترومسيلة عبر حقولها في وادي حضرموت، محطات الكهرباء في المكلا، بالوقود اللازم لتشغيل التيار الكهربائي، ويتم إمداد المحطات بشكل يومي عبر المقطورات من الوادي إلى المكلا والشحر، وهو ما يهدد بتضرر المصالح اليومية والأساسية للسكان، ودخول المحافظة في دوامة من الأزمات والمعاناة، بعد أن ظلت بعيدة نسبياً عن أضرار ومآسي الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي في البلاد من أكثر من عشر سنوات.
أكثر من ذلك، يعرض التصعيد الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، مثل برنامج الإصلاحات المالية والنقدية المدعوم من صندوق النقد والبنك الدوليين، لمخاطر التجميد والتعثر، حيث يعتمد المانحون الدوليون على الاستقرار الأمني والسياسي، وتعافي المؤسسات العامة، كشرط أساسي لتقديم كافة أوجه الدعم اللازم للإصلاحات، وفي حال استمرار الإجراءات الأحادية وتقويض المركز القانوني للدولة، وسلطة الحكومة الشرعية، فإن ذلك سيعمل إعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر، ويبدد جهود سنوات من مساعٍ ومحاولات إعادة بناء الثقة وتعزيز العلاقة مع المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، مما يفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها أكثر من 21 مليون يمني، ويحول الدولة إلى نموذج للفشل الاقتصادي في المنطقة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news