في اللحظة التي تهتز فيها البلاد على وقع تغيّرات متلاحقة، تختار الأحزاب السياسية الصمت وكأنها تمارس طقسًا جماعيًا من النسيان، يجلس قادتها على مقاعدهم الجلدية، يراقبون المشهد من بعيد، خوفًا من أن تتورط بكلمة تسبق وقتها، أو موقف قد لا ينسجم مع الريح التي تهب غدًا، مهارة قديمة يتقنها كل من تعود على أن يزن كلماته بميزان المصالح قبل أن يزنها بميزان الوطن.
مشاهد سياسية خطيرة، تمتد نحو النهاية التي يعرفها الجميع، مجلس قيادة يتصدع، وطن ينقسم شطرين، جنوب يعيد رسم حدوده بخطوط عريضة، أصواتٌ انفصالية تزداد حضورًا، وقيادات تصر على الاختباء خلف بيانات مؤجلة، ينتظرون اللحظة المثالية، التي تضمن أن كل كلمة تخرج من أفواههم تعود إليهم بمصلحة ما، أو تفتح لهم نافذة جديدة في لعبة النفوذ.
يشبهون أبطال مسرحية يرددون جُملًا، مكتوبة مسبقًا، لا يجرؤون على الارتجال، لأن الارتجال يتطلب تفكيرًا، والتفكير شيء لم يعد مرغوبًا في المصالح الحزبية، يرفعون أصواتهم عندما يشتد التصفيق، ويخفضونها حين يخفت الضوء، تمامًا كما يفعل أي ممثل يبحث عن استمرار وجوده على الخشبة.
ومع استمرار هذا الجمود، تتجه البلاد، بخطوات محسوبة نحو الهاوية إلى انقسام لا يحتاج إلى كثير من الخيال لفهم نهايته. فالوحدة التي تنهكها الحسابات الضيقة لا تصمد طويلًا أمام مشاريع تدفعها رغبات القوة أكثر مما تدفعها تطلعات المستقبل. وكل حدث يتسارع في اليمن اليوم يضيف حجرًا جديدًا في طريق التشظي والانقسام.
إنه زمن تداري فيه السياسة بروح خفيفة، خفيفة حتى تبدو أحيانًا بلا وزن. وفي هذا الفراغ تتشكل الكوارث؛ لأن البلدان التي يترك مصيرها معلقًا بين انتظار الأحزاب وترقب القيادات، تتحول في النهاية إلى مسرح يشاهده الجميع من بعيد، بينما يسقط الستار ببطء فوق فكرة اسمها “الوطن”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news