يشهد اليمن تصاعداً متزايداً في التحشيد العسكري والأنشطة السياسية المترافقة مع تبادل الاتهامات بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي، في وقت تواصل فيه الأمم المتحدة جهودها لدفع عملية السلام في بلد يعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية على مستوى العالم.
وتعكس هذه التطورات توتراً كبيراً في المشهد اليمني، حيث تتقاطع الاستعدادات العسكرية مع الخلافات السياسية، مما يهدد حالة التهدئة الحذرة التي بدأت منذ أبريل 2022، ويضع جهود الوساطة الأممية أمام تحديات كبيرة.
ودعت الحكومة اليمنية قواتها المسلحة إلى رفع مستوى الجاهزية القتالية على مختلف الجبهات، مع تعزيز الانضباط العسكري والتنسيق الاستخباراتي بين الوحدات، في خطوة تهدف إلى مواجهة أي محاولات للحوثيين لتحقيق مكاسب ميدانية أو اختراق خطوط الدفاع الحكومية.
وعقد عضو مجلس القيادة الرئاسي سلطان العرادة، الذي يشغل أيضاً منصب محافظ مأرب، اجتماعاً موسعاً للقيادات العسكرية في مدينة مأرب، حضره رئيس هيئة الأركان العامة وقائد العمليات المشتركة الفريق الركن صغير بن عزيز، حيث شدد العرادة على ضرورة تعزيز روح الوطنية في مواجهة التحديات التي تمثلها جماعة الحوثي.
وأكد العرادة خلال الاجتماع السبت أن مأرب قد كسرت المشروع الإيراني بفضل تضحيات القوات المسلحة اليمنية والمقاومة الشعبية، وأن توحيد الجهود الحكومية سيظل الضمانة الرئيسية لعدم قدرة أي قوة على التغلغل في خطوط الدفاع أو الإضرار بعزيمة الجيش والأمن والمقاومة الشعبية، مشيراً إلى أن الالتزام بالهدف الوطني والمبادئ الواضحة يمثل السلاح الأهم لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
وبالتوازي مع ذلك، أكد عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح من مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز، على جاهزية المقاومة الوطنية لدعم أي جبهة تواجه الحوثيين في جميع المحافظات، وذلك في إطار مراجعة الخطط التدريبية ورفع مستوى الاستعداد العملياتي بما يتوافق مع متطلبات المرحلة المقبلة.
وشدد صالح على أن الحوثيين يحشدون قواتهم في مختلف الجبهات، خصوصاً في الساحل الغربي وتعز، مما يفرض على القوات الحكومية والمقاومة الوطنية تكثيف جهودها لمواجهة هذا التهديد.
وأوضح أن إعادة ترتيب الخطط القتالية وخيارات العمليات الحالية أفضل من أي وقت مضى لضمان حسم المعركة واستعادة جميع المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، مؤكداً أن الظروف الراهنة قد تتيح إنهاء وجود الحوثيين، خصوصاً مع تزايد قناعة السكان بعدم إمكانية التعايش مع الجماعة.
وفي الوقت نفسه، لم تكن جماعة الحوثي بعيدة عن هذا التصعيد، حيث عقدت سلطاتها المحلية في محافظة الحديدة، التي تسيطر عليها الجماعة، اجتماعاً برئاسة المحافظ المعين من الجماعة عبدالله عطيفي لمناقشة مستوى الجهوزية الأمنية والميدانية، وخطط التعبئة والتحشيد استعداداً لمتطلبات المرحلة القادمة.
وركز الاجتماع على مستوى التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية واستعراض ما تحقق من إنجازات في مجال حفظ الأمن وتعزيز الجاهزية لمواجهة أي طارئ، مع التأكيد على ضرورة رفع مستوى الوعي بخطورة المرحلة والاستعداد لأي تصعيد محتمل.
وبثت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين تقريراً اعتبرت فيه أن التحركات الحكومية تشير إلى استعداد القوات للدخول في معركة جديدة مع صنعاء، في محاولة لرفع معنويات أنصارها وتوضيح موقف الجماعة أمام المجتمع الدولي والإقليمي.
وتأتي هذه التطورات في وقت تواجه فيه جهود الوساطة الأممية في اليمن تحديات كبيرة، حيث أقر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بأن المساعي لتفعيل خارطة الطريق المتفق عليها بين الحكومة والحوثيين، والتي تتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار وتحسين الظروف المعيشية، تواجه صعوبات كبيرة.
وقد عقد غروندبرغ عدة لقاءات إقليمية مع وزراء خارجية سلطنة عمان وقطر، ومع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فضلاً عن مسؤولين يمنيين بينهم نائب وزير الخارجية مصطفى النعمان، سعياً لتقريب وجهات النظر وإعادة بناء الثقة بين الطرفين.
ومع ذلك، لم يتم إحراز تقدم ملموس على الأرض حتى الآن، في ظل استمرار الاتهامات المتبادلة حول المسؤولية عن إخفاق تنفيذ بنود خارطة الطريق، وهو ما يزيد من تعقيد أي مسار سياسي مستقبلي.
كلا الطرفين يسعيان إلى رسم المشهد المقبل وفق مصالحهما قبل أي خطوات سياسية، وهو ما يجعل أي اتفاق سياسي هشاً أمام العودة المحتملة إلى المعارك المفتوحة.
وتشير التحركات العسكرية والسياسية المتسارعة إلى أن كل طرف يسعى لتعزيز موقعه قبل الدخول في أي مفاوضات جديدة، بما يتيح له تحسين شروط التفاوض في المستقبل.
وتراهن الحكومة على توحيد جهودها العسكرية والمقاومة الوطنية لتحقيق مكاسب ميدانية تمكنها من فرض إرادتها في أي حوار، في حين يعتمد الحوثيون على استقرار مناطق سيطرتهم، وتماسك الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لهم، إضافة إلى الدعم السياسي والإقليمي الذي يمكن أن يمدهم بالقدرة على الصمود.
وفي هذا السياق، يبدو أن كلا الطرفين يسعيان إلى رسم المشهد المقبل وفق مصالحهما قبل أي خطوات سياسية، وهو ما يجعل أي اتفاق سياسي هشاً أمام العودة المحتملة إلى المعارك المفتوحة.
ويضاف إلى ذلك أن الوضع الإنساني في اليمن يزداد سوءاً بفعل استمرار الصراع، حيث يعاني ملايين اليمنيين من أزمة غذائية حادة ونقص في الخدمات الأساسية، ما يزيد من الضغوط على الأطراف كافة للالتزام بتهدئة مستدامة.
ومع استمرار تبادل التصريحات التي تحمل في طياتها لغة تهديد واستعداد للحسم العسكري، تتراجع فرص التهدئة القائمة منذ 2022، ويصبح من الصعب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، الحفاظ على الزخم السياسي والوساطات الرامية إلى حل الأزمة سلمياً.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن أي تصعيد قد يكون سريعاً في أي لحظة، خاصة مع استمرار تحشيد القوات الحكومية والمقاومة الوطنية على جبهات مأرب وتعز والساحل الغربي، في مقابل تعزيز الحوثيين لجبهاتهم الأمنية والعسكرية في الحديدة والمناطق الساحلية المهمة.
ويخلق هذا معادلة معقدة تتطلب إدارة دقيقة من كل الأطراف الإقليمية والدولية، إذ أن أي خطأ حسابي في هذه المرحلة قد يفاقم الوضع ويؤدي إلى انهيار كامل لجهود السلام، ويعيد البلاد إلى دوامة صراع طويلة ومكلفة على المستوى البشري والسياسي والاقتصادي.
ومن منظور استراتيجي، فإن اليمن يقف اليوم أمام مسارَين متوازيين؛ الأول هو المسار السياسي الذي تسعى الأمم المتحدة إلى تفعيله عبر الحوار والتفاوض وفرض التهدئة، والثاني هو المسار العسكري الذي يسعى الطرفان لتعزيزه عبر التحشيد والاستعداد لمعركة محتملة قد تحدد موازين القوى مستقبلًا.
وفي ظل عدم التوصل إلى توافق حول تنفيذ خارطة الطريق، ومع استمرار التصعيد الإعلامي والميداني، يبدو أن البلاد تقترب من مرحلة حرجة قد تعيد تشكيل المشهد العسكري والسياسي في المناطق المختلفة، وتعيد تسليط الضوء على النفوذ الإقليمي والدولي في مسار النزاع.
كما يظهر من التحركات الأخيرة أن الحكومة والحوثيين يتعاملان مع المشهد الحالي بوصفه اختباراً لقدرة كل طرف على فرض شروطه، سواء عبر استعراض القوة العسكرية أو تعزيز الحضور الإعلامي والرسائل السياسية.
ويعكس خطاب القادة العسكريين للحكومة ووسائل الإعلام التابعة للحوثيين أن كل طرف يسعى لفرض روايته على الأرض وعلى الصعيد الدولي، وأن التهدئة الحالية تبقى هشة للغاية أمام أي استفزاز أو حادثة غير محسوبة.
ويعكس هذا حالة من اللايقين السياسي والعسكري، حيث تصبح كل مبادرة للسلام أو الوساطة عرضة للفشل ما لم تترافق مع التزام ملموس من الطرفين بوقف الاستفزازات والتحشيد العسكري.
وفي ظل هذه المعطيات، تبرز أهمية الدور الإقليمي والدولي في ضبط مسار الأحداث ومنع الانزلاق نحو حرب واسعة، حيث أن استمرار الصراع لن يؤدي فقط إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، بل سيؤثر على استقرار المنطقة بأسرها، خاصة مع وجود مواقع استراتيجية مثل مضيق باب المندب والموانئ اليمنية على البحر الأحمر، والتي تعتبر محوراً حيوياً للتجارة والطاقة العالمية.
ويدرك المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الإقليمية الفاعلة، أن أي إخفاق في منع التصعيد العسكري سيترتب عليه تداعيات كبرى على مستوى الأمن والاستقرار الإقليمي.
ويعكس المشهد الحالي في اليمن تعقيدات الصراع بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي، حيث تتداخل الاستعدادات العسكرية مع النزاعات السياسية والجهود الأممية للوساطة.
وتحمل التصريحات والتحركات الميدانية رسائل واضحة عن استعداد كل طرف لمواجهة محتملة، وعن رغبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في تجنيب اليمن كارثة إنسانية جديدة.
وما يميز الوضع الراهن هو هشاشته الشديدة واعتماده على استمرار التهدئة وعدم قيام أي طرف بتصعيد يهدد توازن القوى على الأرض، وهو ما يجعل اليمن أمام منعطف حاسم قد يحدد شكل النزاع لفترة طويلة في حال فشل جهود الوساطة أو استمر التصعيد العسكري.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news