رغم الخطابات المتصاعدة عن “التمكين السياسي للمرأة اليمنية”، ما يزال المشهد السياسي يعيد تدوير نفس الوجوه المنتمية للأحزاب، بينما تُقصى المرأة المستقلة، تلك التي لا تحمل بطاقة حزبية ولا تلتزم بولاءات سياسية، لكنها تحمل مشروع وطني خالص اقرب للمجتمع وابعد عن التجاذبات.
هذه الفجوة ليست صدفة، بل نتيجة تراكمات هيكلية وفهم قاصر لمعنى التمكين في الأصل.
في كل مرحلة اجتماعية وتنموية، نجد المرأة المستقلة موجودة في الميدان تعمل في المبادرات،تقود برامج مجتمعية، تنشّط شبكات نسوية، تقود نضالات يومية مع الناس بعيدا عن ضوء الكاميرا.
لكن عندما يصل الأمر إلى الطاولة السياسية، يتم تجاهل كل هذا.
يتم استدعاء “نساء الأحزاب” لأنهن يعكسن مصالح جهات وليس مصالح النساء او المجتمع.
المرأة المستقلة رغم كفاءتها تبقى خارج معادلة تقاسم النفوذ. المحاصصة اليوم لا تعتمد على الكفاءة ولا السيرة المهنية ولا أثر الشخص في مجتمعه، بل تعتمد على ولاءات حزبية وصفقات سياسية ومصالح شخصية واحيانا علاقات محسومة مسبقا بين الأطراف
. هنا يصبح السؤال من يدفع بالمرأة المستقلة؟ ومن يتبناها؟ ومن يرى فيها قيمة سياسية؟ الأجابة ان الواقع يقول لا أحد.
لذلك تتكرر نفس الأسماء في كل تشكيل، وكأن اليمن خالية من القيادات النسوية الحرة.
المشكلة التمثيل النسوي في اليمن ليست “قلة نساء” بل سوء اختيار. هناك آلاف النساء المؤهلات أكاديميا ومهنيا ومجتمعيا لكن اللجان السياسية تعتبر التمثيل النسوي “مقعد شكلي” يتم منحه لرضا طرف ما، وليس لبناء رؤية وطنية تشاركية. وبالتالي يظهر نموذج المرأة السياسية المرتبطة بجهة ما، لا نموذج المرأة صاحبة الاستقلالية والقرار الذاتي.
ان صوت المرأة المستقلة يهمش لانها
لا تمثل أحدا يمكن مقايضته او مبادلته سياسياً. فهي لا تتلقى التعليمات من أحد، وبالتالي يصعب التحكم فيها.
كما انها لا تقبل الدخول في صفقات على حساب النساء او القضايا العامة. بل تحافظ على مسافة آمنة من التجاذبات، وهذا يجعلها مزعجة لمن يريد “سياسية مطواعة”.
هذا الاستقلال بحد ذاته هو عنصر قوة، لكنه يُعامل داخل السياق السياسي اليمني كـ “نقطة ضعف”.
إذا كانت القوى السياسية جادة فعلا في التمكين، فعليها توسيع قاعدة التشاور لتشمل النساء المستقلات، وليس قيادات الأحزاب فقط واعتماد معايير شفافة تقوم على الخبرة والكفاءة وليس الولاء.
وانشاء منصات قرار تشاركية تتيح للمرأة المستقلة أن تكون ضمن صناع السياسات لا مجرد متفرجة.
وحماية استقلالية القرار النسوي وعدم حجره داخل إطار حزبي واحد.
المرأة المستقلة ليست رقما زائدا بل ضرورة وطنية فعندما تغيب المرأة المستقلة عن التمثيل، يخسر المشهد السياسي ركيزة توازن مهمة ركيزة خالية من المصالح الحزبية وقريبة من الواقع اليومي للناس وقادرة على التحدث بموضوعية بل وتدافع عن قضايا النساء دون سقف حزبي. ان وجود المستقلات يضمن الا يتحول الصوت النسوي إلى مجرد امتداد لأجندات حزبية.
ان تمكين المرأة اليمنية ليس منحة بل موقف يبدأ من الاعتراف بأن المرأة المستقلة ليست “خارج اللعبة السياسية”، بل هي اللاعب الأكثر صدقا مع القضية.
وإقصاؤها لا يضرها وحدها، بل يضر الحياة السياسية نفسها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news