في مشهد أثار سخطًا شعبيًا واسعًا، سقطت يوم أمس محافظة المهرة في يد قوات الانتقالي، دون طلقة نار واحدة، بعد أن فتحت القيادات العسكرية أبوابها لتسليم المؤسسات والمواقع العسكرية بالكامل، بما فيها القصر الجمهوري، ميناء نشطون، قيادة محور الغيضة، اللواء 137 مشاة، وحتى النقاط الممتدة على طول الطريق الساحلي، جميعها انتقلت إلى يد قوات الانتقالي عبر تفاهمات غامضة أُبرمت مسبقًا.
مصادرٌ ذكرت أن عملية استلام المهرة تمت بعد الاتفاق مع محور الغيضة بقيادة اللواء محسن علي مرصع، وقائد الشرطة العسكرية بمحافظة المهرة، على تسليم جميع النقاط العسكرية لقوات الشرطة العسكرية بقيادة مرصع، وذلك بجنود ينتمون للمحافظات الجنوبية، مع إخراج الجنود الذين ينتمون للمحافظات الشمالية من كافة المعسكرات مع توجيهات من المحور ذاته بعدم اعتراض قوات الانتقالي القادمة من محافظة حضرموت.
وجرت هذه الخطوة بسرعة لافتة، وبمشاركة قيادات عسكرية كان يفترض أن تحمي المحافظة من أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة، ما أثار موجة تساؤلات حول حجم الضغوط والصفقات التي سبقت هذا التسليم المريب، خصوصًا مع تزامنها مع عمليات مماثلة في حضرموت.
وتتصدر محافظة المهرة المشهد اليوم كسؤال مفتوح من أسقطها في يد الانتقالي؟ ولماذا جرى تسليمها بهذه السهولة وهذه السرعة؟ وهل كان ما حدث انسحابًا تكتيكيًا أم تواطؤًا سياسيًا مكتملًا، أتاح للانتقالي التمدد على واحدة من أهم المحافظات الاستراتيجية في اليمن.
استهداف المشروع الوطني
بهذا الشأن قال الصحفي عبد الحفيظ الحطامي إن" قيادة السلطة المحلية في محافظة المهرة أدركت مبكرًا أن السيناريو الذي شهدته حضرموت هو امتداد لخطة أوسع تستهدف المهرة أيضا، في إطار واقع جديد يُعاد تشكيله على الخريطة الوطنية بضغط من أجندات خارجية".
وأوضح الحطامي في حديثه لـ" المهرية نت" أن" المشهد الدراماتيكي في حضرموت عزز سقوط مشروع الدولة لصالح قوى مسنودة من أطراف إقليمية لا تريد لليمن دولة مستقرة، ولا تسمح – حتى في الجنوب- بتشكّل مشروع حقيقي لبناء الدولة".
وأكد أن" فرض هذا الواقع بالقوة، وبإسناد مباشر من الطيران، يشير إلى أن ما يجري يستهدف أي مشروع وطني يسعى لحماية مؤسسات الدولة، وما حدث في المهرة ليس سوى امتداد طبيعي لما جرى في حضرموت، ضمن مشروع يهدف إلى تشكيل كيانات عسكرية متعددة الولاءات خارج إطار الجيش الوطني، وهو الجيش الذي كان يفترض أن يدعمه التحالف لا أن يُستبدل بمجموعات مسلحة خارجة عن المسار الوطني".
وأشار إلى أنه لم يكن يتوقع أحد إدخال المهرة في دوامة هذه المشاريع متقاطعة المصالح، وطريقة التسليم التي جرت أصابت الجميع بالصدمة رغم معرفة السكان بأن القيادات المحلية والعسكرية والأمنية سلمت المدينة لقوات الانتقالي دون مواجهة، تجنبًا لسقوط ضحايا.
ويرى الحطامي أن المهرة لم تكن بمنأى عن المآلات التي شهدتها محافظات أخرى مثل عدن وشبوة وحضرموت لكن مخرج هذا السيناريو فرض على المهرة القبول بالتسليم، وأن العملية تمت بمعرفة القيادات السياسية في الشرعية التي تتابع مجريات الأحداث".
وأفاد الحطامي" أن ما حدث سينعكس بشكل سلبي على المحافظة التي مثلت نموذجًا يمنيا مشرقا للسلم الاجتماعي والحفاظ على مؤسسات الدولة وتماسك مجتمعها المهري.
وحذّر من أن ما يجري اليوم يضع المهرة في مرمى مشروع اللادولة، بما يعنيه ذلك من تفكك مؤسساتها بعد أن أصبحت تُدار من عناصر قادمة من خارج المحافظة، معتبرًا هذه القوات الطارئة لا تحمل مشروع دولة، بل ستضاعف معاناة أبناء المهرة، كما أثبتت التجارب السابقة لمشاريع صغيرة أدت إلى نهب مقدرات الشعب اليمني بدل بناء مؤسساته.
موجةٌ من الغضب الشعبي
موجة من الغضب يعيشها المواطنون في المهرة، بينما ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي منذ صباح الأمس، لم تكن تجاه الانتقالي وحده ولا قيادات محافظة المهرة الذين سلموا المحافظة على طبق من ذهب لعناصر تخدم أجندات سعودية إماراتيًة؛ بل شمل الغضب مجلس القيادة الرئاسي الذي ظهر بوجه المتفرج على دراما تم الإعداد لها مسبقًا.
في السياق ذاته قال أحد المواطنين( من أبناء المحافظات الشمالية يسكن في المهرة منذ أكثر من عشر سنوات- فضل عدم ذكر اسمه" لم نكن نتوقع ما حدث على الإطلاق، لم تكن هناك أي علامات لأن تسقط المحافظة حتى ليلة يوم أمس الخميس؛ إذ بدأ التوتر والقلق يعترى المواطنين من حولنا، وبدأت تتوالى الأنباء داخل الأحياء السكنية وفي مجموعات الوتساب عن أن قائد محور الغيضة أعلن انضمامه للمجلس الانتقالي وكان هذا- تقريبا- عند الثامنة مساء".
وأضاف لـ" المهرية نت" استيقظنا من نومنا صباح أمس على أخبار متسارعة عن تسليم أغلب المناطق، وليس هذا وحسب؛ بل توالت التحذيرات من أن قوات الانتقالي تبحث عمن ينتمي للمحافظات الشمالية لاقصائه وهو ما جعل الكثير في حالة من القلق حتى أننا لم نذهب لوظائفنا وبقينا في المنازل في انتظار المجهول".
ولفت إلى أن حالة من الذعر والقلق انتابت المواطنين حتى أبناء المحافظة أنفسهم، وذلك لمعرفتهم المسبقة عن هذه المليشيات وما عملته من أعمال سلب ونهب وتخريب في حضرموت قبل أيام.
وأشار إلى أن الجميع يشعر بالحنق الكبير تجاه قيادة السلطة المحلية في المهرة وتجاه المجلس الرئاسي الذي ظهر على حقيقته وأجهض المشروع الوطني وبقايا الدولة.
تواطؤ سياسي
بدوره يرى الصحفي، عميد المهيوبي أن" تسليم المهرة جاء بتواطؤ سياسي من قبل القيادة في المهرة والمجلس الانتقالي، وأما المجلس الرئاسي فاتضح جليًا أنه لا يمتلك أي قرار يستطيع من خلاله حماية مشروع الدولة".
وأضاف المهيوبي لـ" المهرية نت" السعودية والإمارات هما اللتان تتحكمان بالمشد اليمني، وما جرى في المهرة يعد امتدادًا طبيعيًا لما جرى في وادي حضرموت؛ فالتحركات الأخيرة جاءت لإعادة تشكيل موازين القوى داخل الشرعية".
وأردف أن" ما يحز في النفس هو أن محافظةً بحجم المهرة تسقط خلال ساعات دون أن يحْدث المجلس الرئاسي ولا وزارة الدفاع أي ردة فعل أو قول- على الأقل- فما حدث يعد إهانة للشرعية وإهانة للشرف العسكري، أن يتم سلب محافظة بأكملها دون أي مقاومة".
ولفت إلى أن التعامل مع الجنود المنتمين للشرعية كان تعاملًا بشعا من قبل قوات الانتقالي التي تدعي أنها تبحث عن حق الجنوب وهي لا تبحث إلا عن أطماع الإمارات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news