قراءة في خطاب الوداع للزعيم علي عبدالله صالح
قبل 4 دقيقة
أطلّ الزعيم علي عبدالله صالح في خطاب الوداع الأخير من داخل منزله المحاصر في الثنية بالعاصمة صنعاء، بملامح تماسك وثبات رجلٍ خبر العواصف حتى أصبح جزءًا من ضلعها الصلب.
سطر ملحمة وطنية لم تستطع مليشيا الحوثي بكل رصاصاتها أن توقفه أو تطفئ صداه، ليبعث تحته الجمهورية الأخيرة لجماهير الشعب اليمني الممهورة بإيمانه العميق بوحدة اليمن ومصيرها.
صدح بنبرة صوته الجهوري الواضح والمعهود، الذي لم يربك طبقاته دوي القصف القريب والعنيف، الذي هز سكون الليل، ولم يكسر وقع وتركيز كلماته المرتجلة في قلب المعركة.
فإطلالته البطولية أظهرت شجاعة صلبة ورباطة جأش فولاذية، رغم شحوبة ملامح وجهه بفعل السهر والإرهاق، لكنه ظل محتفظًا بنظراته الثاقبة وطلته المهيبة بثيابه المعتادة بكل هدوء وطمأنية.
لم يظهر عليه الوهن أو الاستسلام، بل وصف المشهد القتالي الذي بدأ في العصر وحتى قبيل أذان الفجر بكل تماسك وثبات، ويعرف أن موقع قدميه فوق رمال متحركة، مطالبًا ممن كان معه بالعودة إلى أسرهم لإدراكه أن الحوثي يترصده هو للتخلص منه.
الخطاب الذي لم يتجاوز 15 دقيقة لخص فيه الزعيم صالح وصيته الأخيرة ورسالته التحذيرية للشعب اليمني من المخاطر والتحديات التي يواجهها من الشرذمة الحوثية التي خبرها، وحذر من مشروعها الذي يعد امتدادًا للسلالة الإمامية الكهنوتية.
ولم تأتِ دعوة الزعيم صالح للثورة ضد مليشيا الحوثي عبثًا، بل كانت ضرورة حتمية للحفاظ على مكاسب الدولة، وكان خطابه الأخير براءة للذمة وعهدًا للشعب اليمني، سواء كتبت له السلامة أو الشهادة، مقبلاً لا مدبرًا.
أدرك الزعيم صالح أن المعركة لم تنته بعد، فعمل على نقلها إلى حصن عفاش بمديرية سنحان لإدارتها من هناك، فكان الخذلان والكمائن الحوثية تترصد موكبه على مدار الطريق، فتصدى لها بكل شجاعة واستبسال، وهو حاملاً بندقيته مقاتلًا شامخًا، رافعًا رأسه إلى عنان السماء مع كوكبة من الرجال الأوفياء والصامدين، في مقدمتهم الأمين العام للمؤتمر عارف عوض الزوكا، ليلقى ربه شهيدًا في آخر محطة حياته بمنطقة الجحشي.
بكاه ورثاه البعيد قبل القريب، والعدو قبل الصديق، لإدراك الجميع أن اليمن بعد هذا اليوم لم يعد بخير.
لم تكن لحظة الاستشهاد الخاتمة، بل كانت شرارة جذوة ثورة تنتظر من ينفخ في رمادها كي تظل متقدة لإعادة القطار إلى سكته التي خرج عنها منذ زمن، والبوصلة التائهة إلى وضعها الطبيعي.
وبهذا المشهد طوى صالح حقبة زمنية دامت أكثر من ثلاثة عقود، كانت الذهبية بالنسبة للشعب اليمني، وما بعده لم يرَ سوى نفق مظلم لم يخرج منه حتى اليوم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news