حينما تتوقف حضرموت التليدة لتستنطق لحظة من تاريخها فهذا يعني الشيء الكثير للتاريخ والمؤرِّخين. إنها حضرموت التي احتفظت وحدها بالاسم والتاريخ، وتلك هي مزيتها الأثيرة، ففي حين اختفت معالم الكيانات الحضارية القديمة في جنوب الجزيرة العربية في ليل التاريخ الطويل، بقيت حضرموت وحدها متفردة بحمل الاسم والرمز والمعنى، شاهدَ حالٍ ومآلٍ على صيرورتها التليدة. هنا فقط، وفي حضرموت وحدها، تكلّم التاريخ تاريخه، وهنا فقط يمكن رؤية التاريخ في سيرورته الحية الناطقة؛ إنها التاريخ الناطق، الذي يتحدث عما حدث ويحدث دائمًا بلسانٍ عربيٍّ مبين.
فمن أيّ الأسوار يمكن لنا الإطلال على هذه القلعة التاريخية الحصينة؟
حضرموت لا تبوح بأسرارها لكل عابر سبيل، ومن أيّ الأبواب والنوافذ ينفتح المشهدُ لهذه الواحة العربية التي شيدت ناطحات سحابها من مائها وتراب أرضها؟ وبأيّ اللغات يمكن مخاطبة حورية البحر العربي حتى ينكشف المعنى؟ ستقول لنا حكيمةُ التاريخ وحارسةُ الحضارة المدنية الرشيدة بعضَ رموزها، لمن يفهم الرمز والمعنى، وستحجب بعضها بين سطورها، لمن يجيد الصبر والحلم والأمل.
هنا، في موطن أجداد ابن خلدون الحضرمي، يعاود التاريخُ الحضورَ بعيونٍ جديدة ليحكي القصة التي كانت وصارت ولا زالت تعاود المسير بخطى واثقة وأمل فسيح صوب الفجر الذي تستحقه. والتاريخ هو التاريخ؛ لا شيء يأتي إليه من خارجه ولا شيء يخرج منه، ويستحيل تبديله أو تغييره أو طمسه أو نسيانه؛ والأثرُ دليلٌ على المؤثِّر.
وأن نصنع التاريخ هو أن نترك ندبةً في هذه الأرض التي تستحق الحياة! وحضرموت هي ندبةُ الحضارة الإنسانية التي احتفظت بالأثر والمؤثر على مدى سبعة آلاف عام ولا زالت تضيء الغياب بحضورها البهي.
اليوم مع التاريخ وهو يتكلم عن ذاته؛ وتلك فرصة نادرة قلما يجود بها الزمان والمكان. فقط هنا والآن حينما تتكلم حضرموت.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news