حضرموت تحتفي: زوال القلعة الأولى وبدء زمن الجنوب الجديد

بلا شك، وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود، ظلت قوات الاحتلال اليمني ممثلةً بالمنطقة العسكرية الأولى جاثمةً على صدر مدينة سيئون، كقلعةٍ للهيمنة والتسلط. لقد فرضت تلك القوات الغازية وجودها عبر الوادي والصحراء من حضرموت، فعزلت المنطقة عن حواضرها، ومارست أبشع ألوان الظلم والاستبداد ضد أبناء المديريات، وسلبت خيرات الأرض ومقدرات الشعب، محوِّلة إياها إلى مناطق نفوذ لمليشيات احتلالية وإخوانية وإرهابية.

لقد عانى إخواننا في تلك المناطق، طوال تلك العقود، أوضاعاً قاسيةً في معيشتهم وحياتهم السياسية وحقوقهم الإنسانية، تحت وطأة آلة القمع التي أدارتها قوات الاحتلال. وكادت المنطقة أن تتحول إلى شبه جزيرة من الظلام يحكمها أوغادٌ ومتآمرون، يعتبرونها محمية تدار من صنعاء بأمرٍ مباشر، لتحقيق أغراض سياسية خبيثة، تهدف إلى زعزعة الأمن وإرباك المشهد واستنزاف الثروات، مستخدمين الإرهاب ورقةً ومطار سيئون منصةً لنفوذهم، وقنواتهم الإعلامية أداةً للتشويش على كل انتصار جنوبي.

إن الانتصار العظيم الذي تحقق اليوم، بدخول القوات الجنوبية الباسلة مديرية سيئون وسقوط تحصينات وألوية وقيادة المنطقة العسكرية الأولى، ليس مجرد تقدم ميداني عابر. إنه فصلٌ مشرقٌ يُضاف إلى سفر انتصارات الجنوب الخالد، وخطوة حاسمة على طريق السيطرة الكاملة على تراب الوطن الجنوبي من باب المندب حتى المهرة. إنه لحظة تحول مصيرية في تاريخ شعبنا، تتوج معارك الدفاع عن الكرامة، وتتوازى مع الانتصارات السياسية والدبلوماسية الكبيرة التي يحققها الجنوب على المسرح الدولي.

لم يأتِ هذا الفتح المبين مصادفةً أو محض فرصة، بل هو ثمرةٌ شهية لتضحيات جسام قدّمها أبناء حضرموت والجنوب، من دماء زكية سالت على تراب الوطن منذ فجر الثورة، ومن صمودٍ تاريخي في وجه محاولات الاستئصال والتمييع. لقد استُعيدت الأرض والإرادة معاً، وها هي مناطقنا تعود حرّة أبيّة إلى حضن أبنائها، بعد سنين طوال من الظلم والقهر والحرمان.

ولن يتوقف مسير الانتصار عند هذا الحد المشهود، بل سيمضي قدماً لتحرير كل شبر من تراب الجنوب، من المهرة إلى مكيراس وما بعدها، لندفن معها أحلام القوى الاحتلالية اليمنية والحوثية والإخوانية. إننا نسير بثبات نحو عهدٍ جديدٍ تُشرق فيه شمس الأمن والاستقرار، وتُبنى فيه دولة الحق والقانون، دولة تليق بأبناء هذا الشعب الصبور، وتعوّضهم عن سنوات الحرمان، وتضمن لهم العيش الكريم في وطنٍ ينعمون بخيراته التي تزخر بها أرضهم من نفط وغاز وثروات.

هنيئاً لشعبنا الأبي الصابر هذا الانتصار المجيد، وهو يكتب بمداد الفخر والعتاد صفحةً جديدةً في مشروع التحرير الوطني. هنيئاً لشهدائنا الأبرار الذين رووا بدمائهم درب الحرية. هنيئاً لأبطالنا الأشاوس الذين يكتبون ببسالتهم ملاحم الخلود. هنيئاً للقيادة الحكيمة المتمثلة بالرئيس القائد عيدروس الزبيدي، الذي يقود المسيرة بحكمة وثبات، ليصل بقضية شعبنا إلى بر الأمان.

ختاما، نتوجه إلى قيادتنا السياسية والعسكرية بأصدق التهاني وأعطر التبريكات، ونقف إجلالاً لكل التضحيات، ونؤكد أن شعب الجنوب كله خلفكم، يد واحدة وقلب واحد، واصلوا المسيرة حتى تحرير كل التراب، واقتراباً من التحرير الأكبر، وإعلان دولة الجنوب الفيدرالية الحرة المستقلة، بإذن الله.

من انتصار إلى انتصار، وإلى الأمام دوماً.