أثبتت الحرب في السودان، التي تدور رحاها منذ 15 أبريل 2023، وجود أجندة ذاتية لـ«الإخوان» المتغلغلة في مفاصل الجيش لإدخال البلاد في نفق مظلم، عبر حملات تضليل إعلامي بصناعة الكذب وتجارة الفوضى تستهدف خلط الحقائق وإرباك الرأي العام المحلي والدولي، حيث عطلت القيادات العسكرية الموالية للإخوان داخل الجيش أكثر من مرة المبادرات الإقليمية والدولية، من بينها مبادرة «منبر جدة»، ومقترحات الاتحاد الأفريقي، ومبادرة الرباعية، وفق أجندات لا تحيا إلا بالحرب وتنهار بالسلام.
ومع احتدام الصراع المسلح، تتكاثر حملات التزييف وصناعة السرديات المضللة التي تدار عبر غرف عمليات إعلامية تسعى لخلط الأوراق وتشويه الحقائق وإقحام أطراف خارجية في النزاع، مستخدمة الصور والمقاطع والفيديوهات المزيفة والوثائق المفبركة لحشد المواقف وتأليب الرأي العام داخلياً.
علماً أن بعض الصور التي روّجت لها حسابات مرتبطة بالإخوان كانت مأخوذة من مقاطع فيديو مولدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، تظهر مشاهد وعتاداً عسكرياً لا علاقة لها بالأحداث الحقيقية.
يخشى قادة الجيش من الحكم المدني لسببين رئيسيين، أولهما ما يتعلق بفتح ملفات الانتهاكات والفساد: فهي ترى أن المدنيين يمتلكون أدوات المحاسبة والدعم الدولي، ما يهدد مصالح شبكات نافذة داخل المؤسسة العسكرية. حيث إن أي انتقال مدني حقيقي يمس جوهر الامتيازات السياسية والاقتصادية التي راكمها العسكريون.
أما السبب الثاني وراء رفض الجيش أية مبادرة بوقف إطلاق النار وحكومة مدنية هو مطلب إعادة هيكلة الجيش: وهو مطلب أساسي في كل المبادرات الدولية ويتضمن إبعاد الإسلاميين ودمج القوات تحت جيش مهني واحد.
وغني عن القول أن من أهم سمات «الإخوان» بوصفهم جماعة إرهابية عابرة للحدود، إنهم حركة متطرفة تعادي كل أمر يخدم الناس وينفعهم.
وهو ما حدث مع الإمارات التي تعد السند الحقيقي للسودانيين والداعم الرئيسي لمبادرة وقف الحرب، حيث باشروا بحملة أكاذيب، لكن الحقائق أثبتت عكس ذلك وأثبتت صدق نوايا الإمارات في دعم الشعب السوداني، ويعود السبب الرئيسي وراء هذا الاستهداف إلى نجاح الإمارات في لعب دور مستقل وفعال في دعم المدنيين وتسهيل الحوار السياسي بين الأطراف السودانية، ما يزعج جماعة الإخوان المندسين في الجيش السوداني.
وأكدت دولة الإمارات أن القوات المسلحة السودانية تواصل استغلال كل منبر متاح لترويج الأكاذيب ضدها، واصفة ذلك بأنه محاولة يائسة لتضليل المجتمع الدولي، والتغطية على مسؤوليتها عن الدمار الذي لحق بالسودان.
وكانت الحقيقة أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى، حيث شهدت جهود دولة الإمارات في السودان تقديراً واسعاً من قبل مسؤولين أوروبيين ومنظمات دولية، وهو ما يعكس مصداقية الدور الإنساني والسياسي.
رفض السلام
وأكدت معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، أن قائد الجيش عبد الفتاح «البرهان يرفض مرة أخرى كل المساعي الرامية إلى إحلال السلام، وأنه من خلال رفضه لخطة السلام الأمريكية للسودان، ورفضه المتكرر للقبول بوقف إطلاق النار، يظهر باستمرار سلوكاً معرقلاً، يجب التنديد بهذا السلوك، إذ يظل الشعب السوداني هو من يتحمل الثمن الأكبر في هذه الحرب الأهلية».
وأضافت: «إن توحيد الجهود الإقليمية والدولية أمر أساسي لوضع حد للفظائع المرتكبة ضد المدنيين.
ويجب علينا أن نعيد إرساء مسار موثوق يقود إلى سودان آمن وموحد وقابل للحياة».
ويؤكد محللون أن العالم ينتظر استجابة الجيش لمقترح الهدنة.. وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن، ما يتطلب في رأيها ممارسة أقصى درجات الضغط على الطرف الذي يرفض الهدنة.
تضليل إعلامي
وبحسب خبراء إعلاميين متابعين للصراع السوداني، فإن رقعة التضليل الإعلامي تتسع في السودان بوتيرة غير مسبوقة، حتى باتت جزءاً أصيلاً من أدوات الصراع بين طرفي النزاع المسلح.
فمنذ اندلاع الحرب، تدفقت عشرات الروايات المتضاربة إلى مواقع التواصل والمنصات الإخبارية المجهولة، ما أوجد بيئة خصبة للتلاعب بالمعلومات وتوجيه الرأي العام داخلياً وخارجياً.
وقد لجأ الطرفان – الجيش والدعم السريع – إلى الدعاية المتبادلة لكسب الشرعية وتثبيت مكاسب ميدانية، بينما وجد جمهور واسع نفسه أمام سيل من الأخبار المضللة والصور المفبركة والمقاطع المعاد تدويرها.
هذه الفوضى المعلوماتية لم تكتفِ بتشويه الحقائق، بل دفعت قطاعات من الرأي العام الإقليمي والدولي إلى تبني مواقف مشوهة بناءً على محتوى لا صلة له بالوقائع على الأرض.
ووفق خبراء إعلام، باتت «حرب السرديات» أخطر من السلاح نفسه، بعدما تحولت إلى أداة لتضليل الداخل، وحشد الأنصار، ونسج اتهامات باطلة طالت دولاً شقيقة وصديقة.
روايات كاذبة
ويشير خبراء في الإعلام إلى أن من بين أكثر الملفات التي تعرضت لاستغلال ممنهج، ملف العلاقات الإماراتية – السودانية.
فقد حاولت جهات داخلية الزج باسم دولة الإمارات في معركة ليست طرفاً فيها، عبر بث روايات تتهمها بدعم أحد أطراف النزاع إلا أن التحقيقات والبيانات الرسمية وواقع التحركات الدبلوماسية فندت تلك الادعاءات بشكل قاطع.
وأكد خبراء أن الإمارات، ركزت منذ بداية الأزمة على التحرك في مسارين فقط: المسار الإنساني عبر الجسر الجوي والمساعدات، والمسار الدبلوماسي الهادف إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وهو ما أكدته الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية التي تعمل على الأرض.
محاربة الزيف
•
إلى ذلك، قالت الإعلامية والكاتبة السودانية فاطمة لقاوة: إن السودانيين لا يخوضون حرباً بالسلاح فقط، بل يساقون إلى أخطر حرب في تاريخهم: حرب صناعة الوعي الزائف.
وأوضحت أن كلمة واحدة يمكن أن تطلق من غرف التضليل في بورتسودان، لكنها تحصد من الذهنية السودانية والعالمية أكثر مما تحصده المدافع في الميدان.
وأشارت لقاوة إلى أن الماكينة التي تقود هذه الحرب ليست مجهولة، بل غرف عمليات المؤتمر الوطني وأذرعه من منظمات وكتائب إلكترونية وقنوات وهمية وإعلام قبلي مسموم وضباط أجهزة ظل، أعيد تدويرهم، وأن هذه القوة الإعلامية لا تقاتل من أجل الدولة بل من أجل إعادة منظومة الإسلاميين التي لفظها الشارع السوداني.
تفكيك المجتمع
وأكدت الكاتبة السودانية لقاوة أن ما يجري ليس «تشويهاً إعلامياً» كما يظن البعض، بل مشروع لإعادة إنتاج ذاكرة السودانيين وتفكيك المجتمع بالطريقة ذاتها التي استخدمها النظام السابق في حروبه العبثية بعدة مناطق سودانية.
وقالت إن المحتوى المضلل ليس عمل أفراد، بل نتاج غرف تحليل بيانات، فرق إنتاج محتوى، ميزانيات تشغيل، شبكات نشر عبر تيليغرام وواتساب وصفحات نائمة تُفعّل عند الطلب.
وأضافت أن هذا النمط سبق تحليله في تجارب دولية مثل ميانمار وإثيوبيا وأوكرانيا، وهو ذاته المستخدم اليوم داخل السودان، مشيرة إلى أن هذا ليس إعلاماً مضللاً بل برنامج عسكري سياسي هدفه التلاعب بإدراك الناس وخداع العالم لتحقيق أهداف «الإخوان» في إطالة عمر الحرب.
وأكدت لقاوة أن ما يطلقه إعلام بورتسودان من سرديات مثل «مرتزقة أجانب»، «مجازر فورية»، «غزو قبلي» مصمم لزرع الخوف والغضب والكراهية، مما يخلق بيئة تبرر الحرب والانتهاكات.
وأوضحت أن الإعلام المضلل يستورد أحداثاً من رواندا ونيجيريا وساحل العاج واليمن وغيرها، ويعيد تدويرها كأنها سودانية 100%، وهو ما يُعرف بجرائم تغيير المكان والزمان لإنتاج انطباع يستثمر في التجنيد والدعاية.
سلاح سري
وأشارت لقاوة إلى أن قطع الإنترنت هو السلاح السري لبورتسودان لأنه يوقف الحقيقة ويترك الشائعة وحيدة تنتشر، ويجعل الدولة المصدر الوحيد للمعلومات، فيما يستمر التضليل بلا مقاومة.
وأضافت أن السودانيين يستهلكون المحتوى بلا أدوات تحقق ولا وعي بالمصادر ولا خبرة في التفرقة بين الصور الأصلية والمعدلة. وختمت لقاوة بأن السودان إما أن ينتصر في معركة الحقيقة أو يخسر الدولة بأكملها.
حملات التضليل ليست نتاج اجتهاد أفراد، بل عمليات منظمة تهدف إلى تسميم بيئة المعلومات، وتوجيه أصابع الاتهام نحو عواصم عربية لإرباك مسارات الحل السياسي.
موقف ثابت
ويؤكد الخبراء أنه وعلى الرغم من تصاعد حملات التشويه، حافظت الإمارات على نهج واضح في التعامل مع الأزمة السودانية، قائم على دعم الشعب السوداني بعيداً عن أي اصطفاف.
فقد سيرت جسراً جوياً ضخماً لنقل الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية إلى المتضررين، واستقبلت آلاف المرضى للعلاج، وأسهمت في دعم مفاوضات تهدف إلى تسوية سياسية شاملة.
هذا الدور الإنساني والوساطي حظي بإشادة من منظمات دولية عدة، في الوقت الذي استمرت فيه حملات التزييف في إعادة تدوير روايات لا تقوم على دليل.
اقرأ المزيد...
الرئيس الزُبيدي يُعزي خادم الحرمين الشريفين بوفاة الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود
2 ديسمبر، 2025 ( 11:45 مساءً )
الكثيري يلتقي عدداً من مشايخ وأعيان وادي وصحراء حضرموت
2 ديسمبر، 2025 ( 10:58 مساءً )
ومع اتساع دائرة الوعي وكشف الوقائع المضللة، تتراجع روايات الزيف تباعاً، لتبقى الحقيقة واضحة: الإمارات طرف داعم للإنسان السوداني، وليست شريكاً في صراع السلاح.
«جيش وتمرد»
•
وفي سياق متصل، قال الكاتب والمحلل السوداني محمود كاربينو: إن السودان عاش عقوداً طويلة في حلقة دائمة من النزاعات منذ الاستقلال، وإن المواطن ظل شاهداً على لعبة القوى المتصارعة دون أن يملك تقرير مستقبله.
وأوضح أن الأزمة الحالية ليست مواجهة سطحية بين الجيش وقوات الدعـم السـريع كما تصور بعض الخطابات، بل هي نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية عميقة واختلالات بنيوية ورؤيوية نتجت عن هيمنة نخبة على مفاصل القوة وصناعة واقع يخدم مصالحها.
وأشار كاربينو إلى أن البرهان يقدم رواية أحادية تظهر الجيش كحامي الوطن وقوات الدعـم السـريع كـ«خيانة»، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً. فالحركة الإسلامية هي من هيمنت على الجيش منذ انقلاب 1989 وأجرت تحالفات استراتيجية خدمت مصالحها الخاصة ودفع المواطن الثمن الأكبر.
وأكد أن الصراع الحالي امتداد لمسار طويل من احتواء السلطة العسكرية لمصالح نخبوية وتحويل الجيش إلى أداة سياسية.
تناقضات وأكاذيب
وأوضح كاربينو أن هذه الحقائق تكشف تناقض خطاب البرهان وتفضح الأكاذيب حول «التمرد»، لافتاً إلى أن الأزمة السودانية لا يمكن حصرها في صراع شخصين بل يجب فهمها في سياق تاريخي وسياسي واجتماعي واقتصادي أوسع يتضمن تحكم النخبة بمؤسسات الدولة لعقود.
وأكد كاربينو أن السودان يقف على مفترق طرق ويحتاج إلى مواجهة الذات وإعادة بناء العلاقة بين الجيش والمجتمع ليصبح مؤسسة لحماية المواطنين لا لخدمة مصالح نخبوية.
وختم بأن السودان يحتاج إلى خطاب يعترف بالحقائق ويواجه التاريخ، مؤكداً أن السلام لن يبنى على الأوهام والأكاذيب، بل على الحقائق ودور المؤسسات في حماية الشعب.
•
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news