تبدأ فكرة الانتصار لدى الإنسان المتحرر من العبودية حين يدرك أن ما يجري حوله سياسياً يسير في طريق خالٍ من شبهات الاستبداد، خلافاً لأولئك الذين اختاروا البقاء في دهاليز الظلام، غير راغبين في تجاوز محنة انغماسهم في جحيم التبعية، وإن رأوا فيها شكلاً من حياة فردية.
وعند متابعة لهجة جوقة التحريض والابتهاج بإغلاق قناة “بلقيس”، لا يبدو غريباً أن يتصدر المشهد أشخاص اعتادوا الاطمئنان إلى البقاء في مجال العبودية القاتمة، حتى وإن كانوا من أصحاب الأصوات والأقلام المتستّرة بواجهة ثقافية.
إغلاق قناة “بلقيس” ليس نهايةً لصوت الحادي عشر من فبراير اليمني، العظيم، بل استراحة محارب، وإن كان دور الإعلام لا يعرف الاستراحة. فقد أدت القناة دوراً بارزاً في احتضان صوت الثورة، لتصبح منبراً لكل اليمنيين. وهذه حقيقة يدركها كل مؤمن بيمن حر وخالٍ من وصاية النظام السابق.
وكان للسيدة توكل كرمان، أيقونة الثورة، الدور الأوضح في تأسيس هذا المنبر الإعلامي العصِيّ على الانحناء أمام أدوات النظام السابق وأبواق المخلوع. ولم تنحنِ يوماً هذه النوبيلية الحرة التي دافعت، ولا تزال، وستظل تدافع عن ثورة فبراير حتى يشرق صباح يمني يفوح بروح الانتصار لوطن يأبى الخضوع لأي سلطة تحاول الاستفراد بحريته وكرامته ومستقبله.
نقف هنا للدفاع عن الوجه الإعلامي لقناة “بلقيس” من موقف وطني يرتبط بالحرية والكرامة والدولة المدنية التي لا مكان فيها لأوباش الماضي ولا لجهلة مفهوم “الدولة الأصيلة”.
ونقف بالقدر ذاته للدفاع عن السيدة كرمان، التي تبنّت منذ اللحظة الأولى لشرارة فبراير موقفاً وطنياً شريفاً، وظلت تدافع عن الثورة التي وُلد فيها الأحرار من جديد، وسقط فيها العراة من أخلاقهم السياسية والاجتماعية، ومن ثقافة الاختلاف والنقد الخلّاق.
نقف هنا لنخرس أنصار البذاءة الذين عجزوا عن النيل من توكل، ومن كل من يقف خلف مشروعها الثوري.
ستعود القناة لاستئناف نضالها الإعلامي رغم التحديات والمؤامرات الفاشلة والدنيئة، تلك التي لا تعبر إلا عن روح عدوانية تجاه ثورة مثّلت حلم كل اليمنيين، ولم تكن يوماً ملكاً لحزب أو جماعة. وسنبتهج، نحن وكل أحرار اليمن وشرفائه، بمواصلة هذا المنبر الإعلامي الذي عبّر منذ انطلاقه في سماء الإعلام المرئي عن تطلعات وآمال اليمنيين في نقل الحقيقة بروح ثورية دوّى فيها انتماء اليمن أرضاً وصدى ثورياً شاهقاً أخرس المأزومين، وكشف هشاشة تفكيرهم العدواني إزاء ما يجب أن يكون عليه النضال، وما يرفضون استيعابه لبناء عقل يسأل: ما هو النضال؟
وهو ما يؤكده زوربا: “إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسك، هي أن تناضل لإنقاذ الآخرين”.
ولعل على هؤلاء أن يلحقوا أنفسهم بمغادرة صنمية تُبقي الاستبداد يطحن رؤوسهم، أو أن يخرسوا، ليظل اليمن الحبيب محتشداً بمناضليه.
وبمناسبة هذه الفوتوغرافية للسيدة توكل، كتبت في حسابي على “فيسبوك” قبل أكثر من عام: “الصورة هذه تساوي انتفاضة وطن على الاستبداد، وتحتشد فيها أحلام الشباب، وتفتح أبواب الانتصار لمستقبل يمن بلا قبيلة، ولا دكتاتور يروّج لنا أوهام الديمقراطية وتبادل الأعلام، بلا سلاح، وبلا شرف الدولة. توكل كرمان، بلقيس التاريخ والحضارة، يكفيها شرفاً أنها ما تزال المرأة اليمنية التي استطاعت أن تكون رقماً شاهقاً في مسار النضال السلمي والإنساني”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news