اليوم غمرتني سعادة كبيرة .. أتدرون لماذا؟
لأنني بعد عامين كاملين من المتابعة والتواصل مع الأرشيف البريطاني بخصوص أول صحيفة صدرت في عدن عام 1900م، وهي صحيفة "إيدن جازيت"، تحصلت أخيراً إلى ما كنت أتمناه.
وإليكم التفاصيل: "قبل سنتين طلبت من قسم الصحافة في الأرشيف البريطاني، الاطلاع على النسخة النادرة والوحيدة المتوفرة لديهم من الصحيفة، وأبلغوني حينها أنها محفوظة في مخازن خاصة خارج لندن، فانتظرت عشرة أيام حتى أحضروها لي .. لكن الصدمة كانت عندما قالوا لي إنه لا يمكن لمسها أو الاطلاع عليها مباشرة بسبب حالتها الهشة وتقادمها، يومها شعرت بخيبة أمل وحزنت كثير، فقد كنت متلهفاً لأن أكون أول من يلمس هذا الأثر التاريخي من مصدره الأصلي.
هذا العام لم أستسلم .. عدت من جديد إلى قسم الصحف، وتحدثت مع الموظفة في قسم الاستعلامات التي أبدت اهتماماً كبيراً، وقالت إنها تتذكر الموضوع .. شرحت لها رغبتي في الحصول على نسخة إلكترونية مصورة، مقابل دفع كافة الرسوم المطلوبة، ويرسلوها لي بالبريد الإلكتروني .. طلبت الموظفة بريدي الإلكتروني ووعدت بالتواصل معي بعد أن تستفسر من القسم المختص.
واليوم، وبعد أسبوع من الانتظار، وصلتني منها رسالة جعلتني أطير من الفرحة، وأخبرتني فيها، أن القسم المختص وافق على طلبي، وقام بتصوير كافة صفحات الصحيفة الثمانية، وأرسلها لي كهدية مجانية من الأرشيف البريطاني، لا يمكن تتصوروا شعوري عندما فتحت إيميلي وشاهدت الصحيفة!
لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر والعرفان لموظفة قسم الصحافة، ولكل العاملين في الأرشيف الذين يبذلون جهوداً حثيثة يومياً في خدمة الباحثين والزوار بكل اهتمام وتقدير.
وإليكم نبذة موجزة عن البدايات الأولى لتأسيس الصحافة في عدن و
التي بدأت في عام ١٩٠٠م.
----------------------
قال توماس جيفرسون ذات مرة بأنه يفضل العيش في بلد فيها صحافة دون قوانين من العيش في بلد فيها قوانين دون صحافة. وقد عاشت عدن لأكثر من نصف قرن من الزمان منذ احتلال بريطانيا لعدن في ظل قوانين منظمة ولكن دو صحافة, إلا أنه في بدايات القرن العشرين فقط تبددت تلك السحابة السوداء في خضم عصور الظلام الذي عاشته عدن في تلك الفترة, وكان الرجل الذي قام بوضع اللبنات الأولى لدخول عدن إلى عالم الصحافة هو القبطان (دبليو. بيل) نائب المقيم السياسي لعدن حينها والذي قام بإصدار أول صحيفة عدنية ناطقة باللغة الإنجليزية في 30 كتوبر 1900م تحت مسمى (إيدن جازيت الأسبوعية) وكانت تحتوي على ثمان صفحات تنشر فيها الأخبار السياسية, المقالات, الشعر, الرياضة, أخبار اليمن وحضرموت وأجزاء أخرى من الجزيرة العربية.
واستمرت الصحيفة بالإصدار حتى بعد نقل القبطان بيل من عدن بعد ستة أشهر من تأسيسه لها واستلام إدارة تحريرها من قبل السيد (موري) والذي كان مسئولاً حينها في (شركة الفحم العدنية) وقد عانى كثيراً هو الآخر للفترة ذاتها نتيجة للتداول المحدود للصحيفة وارتفاع تكاليف الطباعة والمشاكل المالية التي واجهتها الصحيفة في تلك الفترة الأمر الذي أرغمها على الإغلاق.
بعد مرور أربعة عشرة عاماً على عدن في ظل قوانين سائدة ولكن دون صحافة تُذكر, عاد القبطان بيل مرة أخرى إلى عدن وتحديداً في 14 إبريل 1915م وقام بإستصدار صحيفة جديدة, ولكن هذه المرة كانت تحت مسمى جديد وهو (عدن فوكس) أو (إيدن فوكس) وكانت تُطبع في مطابع (هاورد وأخوانه) في عدن. وفي عموده الأسبوعي في عدده الأول كتب القبطان بيل قائلاً:
"ها نحن نرتفع مرة أخرى في هيئة جديدة من تحت رماد (إيدن جازيت) كطائر الفينق مُفعمين بالحيوية والنشاط, وأوجه شكري لكل أولئك الذين جعلوا من هذا الانبثاق ممكناً. وسيكون الغرض من إصدار هذه الصحيفة هو التركيز في المقام الأول على كل موضوع يتعلق بالاهتمام المحلي, أعمدته ستُخصص للمواضيع الأدبية, العلمية, الشعر , الفن والفكاهة الذين هما ملح الحياة ستجدونها في صفحاتها. أما فيما يتعلق بالشأن السياسي, فعلينا الامتناع ولأسباب واضحة من مناقشة الأمور الخاصة التي تتعلق بالشرق."
كان من السهولة إطلاق صحيفة في عدن في تلك الفترة ولكن كان من الصعب جداً الحفاظ على المُضي بها حيث كانت هناك العديد من العقبات التي تواجهها الصحافة في عدن وأهم هذه العقبات هي التوزيع المحدود للصحيفة. واجه القبطان بيل العديد من الصعوبات التي تراكمت عليه واحدة تلو الأخرى منها, الدعم المالي كلفة الطباعة الباهظة وقلة الاشتراكات, حتى أن الميزانية العمومية للصحيفة في إحدى المرات بلغت ثمانون روبية فقط ولم يكن ذلك إشارة جيدة لاستمرارها في تلك الظروف, بالإضافة إلى قلة تجاوب الناس على الصحيفة, لهذا وجد بيل نفسه واقعاً تحت ضغط كبير مما جعله يصرف على الصحيفة من جيبه الخاص وأستمر بذلك حتى شهر إبريل من العام 1917م وتم نقله مرة أخرى خارج عدن.
لم تغلق صحيفة (إيدن فوكس) بعد نقل القبطان بيل واستمرت في العمل من بعده بل انتقلت تحت إدارة السيد ( جيه. فتزرلاد) الذي قام بإلغاء تسمية (عدن) من الصحيفة وأبقى على كلمة (فوكس) بعد أن كانت تُسمى (عدن فوكس). في مايو 1917م, أنتشر وباء الطاعون في عدن وبسبب ذلك قامت (مطابع هاورد) بتعليق العمل مؤقتاً. وبعد إنقضاء الوباء لم يعد للصحيفة وجود وأغلقت أبوابها بعد أن أصدرت لمدة ستة أسابيع فقط تحت إدارة السيد فتزرلاد.
(بلال غلام حسين)
ملاحظة:
-----------
أرفق لكم الصفحة الأولى، من العدد الأول للنسخة الوحيدة والنادرة التي أرسلوها لي لتطلعوا عليها معي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news