يمن إيكو|تقرير:
استبعد محللون في قطاع الشحن البحري عودة الوضع في البحر الأحمر إلى ما كان عليه قبل حرب غزة، مشيرين إلى أن العديد من شركات الشحن ستعود في ظل وقف إطلاق النار، لكن مخاطر تجدد الصراع على المدى الطويل ستبقى ذات تأثير دائم على الممر المائي.
ووفقاً لتحليل كتبه هاري باباكريستو، المحلل في موقع (تريد ويندز)، المختص بشؤون الملاحة البحرية ورصده موقع “يمن إيكو”، فإن “الحديث الذي خرج إلى العلن من هيئة قناة السويس هذا الأسبوع حول استئناف حركة السفن الكبيرة عبر البحر الأحمر في القريب العاجل يعكس حرص مصر على زيادة الرحلات البحرية”.
وكانت القناة أعلنت قبل أيام أن شركة (ميرسك) العملاقة للشحن ستستأنف إرسال سفن الحاويات التابعة لها عبر القناة بدءاً من ديسمبر المقبل، لكن الشركة نفسها لم تؤكد هذا الموعد، وقالت إنها ستعود عندما تكون الظروف متاحة.
ويرى التحليل أن “السبب بسيط. فما دام الحوثيون هم أسياد مضيق باب المندب بلا منازع، فإن شركات الشحن الكبرى ستتردد في إرسال سفنها بأعداد كبيرة، فضلاً عن تحديد مواعيد منتظمة ومتوقعة”، مضيفاً أن “احتمالات العودة الكاملة للشحن البحري إلى البحر الأحمر تتوقف بشكل مباشر على تطورات الصراع بين إسرائيل وحماس”.
وقال باباكريستو إن “الحوثيين لم يكونوا أكثر سيطرة من أي وقت مضى، مثلما كانوا بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار معهم”، مشيراً إلى أن “ترامب كان قد أعلن قبل الأوان أن الحوثيين استسلموا، لكن الآن، يبدو أن الولايات المتحدة هي التي تراجعت عن موقفها، إما لأن ترامب أدرك أن الحوثيين لا يمكن طردهم ببضعة غارات جوية، أو ببساطة لأنه سئم من صراع كان يعتقد أن الأوروبيين يجب أن يخوضوه بدلاً من ذلك”.
وأضاف: “إن قوة (أسبيدس) البحرية بقيادة الاتحاد الأوروبي، والتي تُركت تتحمل المسؤولية منذ ذلك الحين، ضعيفة للغاية ومترددة في توفير ثقل موازن قوي لحرب الحوثيين غير المتكافئة، ومن غير المرجح أن قوة تُشدد في كل بيان عام تقريباً على دورها الدفاعي، ستثير الرعب في قلوب الحوثيين المُحنكين في المعارك”.
ووفقاً للتحليل فإن وقف إطلاق النار في غزة هش بشكل تصعب المبالغة فيه، معتبراً أنه “طالما أن حماس من المستحيل إزاحتها كما هو الحال مع الحوثيين في اليمن، فإن الهدوء الفعلي على الأرض ليس هو الذي يحافظ على تماسك وقف إطلاق النار هذا، بل إن السبب في ذلك هو عدم رغبة كل طرف في أن يُنظر إليه على أنه الطرف الذي خرق الاتفاق رسمياً”.
وفيما يتخذ التحليل موقفاً متشدداً في التقليل من شأن انتعاش حركة عبور قناة السويس وباب المندب خلال الأسابيع الماضية، معتبراً أن الشركات التي عادت مثل (سي إم إيه سي جي إم) لها نفوذ سياسي، فإنه لا يقدم أي دليل على ذلك، كما أنه يتجاهل حقيقة أن هذه الشركة استمرت بالعمل في البحر الأحمر لأنها غير مرتبطة بإسرائيل مثل شركة (ميرسك) وغيرها من الشركات التي تمتنع اليوم عن العودة إلى المنطقة لأنها ستصبح أهدافاً في حال تجدد الصراع.
ويرى باباكريستو أنه “قبل نصف قرن، أغلق الصراع في الشرق الأوسط قناة السويس لثماني سنوات طويلة، وبالنظر إلى تجدد العنف في المنطقة، ربما ينبغي لقناة السويس أن ترضى بقدرتها على العمل حالياً بنصف طاقتها”.
في السياق نفسه، يقول تحليل كتبه الخبير الهولندي في شؤون الأمن والتجارة، سيريل فيدرشوفن، قبل أيام، ورصده وترجمه موقع يمن إيكو، إن “قادة الحوثيين صاغوا حملتهم البحرية برمتها كتضامن مع غزة، وأداة ضغط على إسرائيل وداعميها الغربيين، وفي رسالة إلى الجناح العسكري لحركة حماس، أعلن الحوثيون أن الهجمات ستُستأنف في حال استئناف الأعمال العدائية، وبالتالي، لم تنتهِ المخاطر، بل تم ربطها بأكثر الملفات اضطراباً في الشرق الأوسط”.
وأضاف أنه بينما ستظهر الأسابيع أو الأشهر المقبلة مدى هشاشة وقف إطلاق النار الحالي، تبقى “المشكلة الرئيسية هي أنه يتوقف على صراع غزة” وبالتالي “إذا استؤنف القتال، فقد يُعيد فتح أبواب الجحيم بسهولة، وبهذا المعنى، أصبح باب المندب الآن مُسعّراً بالمخاطر هيكلياً: فحتى في فترات الهدوء، ستُضيف شركات التأمين ومالكو السفن علاوة جيوسياسية على عمليات النقل، تماماً كما يفعلون في مضيق هرمز”.
ويشير ذلك إلى أن الشركات المرتبطة بإسرائيل ستواجه دائماً تعاملات تأمينية وتقييمات مختلفة فيما يتعلق بمخاطر البحر الأحمر، طالما استمرت احتمالات تجدد الصراع في غزة قائمة.
ويخلص فيرشوفن إلى أنه “لن تكون هناك عودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل عام ٢٠٢٣، بل إلى وضع طبيعي جديد، تستند فيه التقييمات إلى حالة تكون فيها قناة السويس متاحة ولكن غير مضمونة، وباب المندب مفتوحاً ولكنه مؤقت، وتكون الدوريات البحرية ورسوم المخاطر سمة دائمة وليست إجراءً طارئاً”.
وأضاف أن “الشاحنين ومخططي الأساطيل سيضعون نظاماً وجداول زمنية قابلة للتنقل بين قناة السويس ورأس الرجاء الصالح”.
وأوضح أن “إعادة فتح قناة البحر الأحمر وقناة السويس ستخفض التكاليف، وتختصر الرحلات، وتقلل من استهلاك الوقود غير الضروري، لكن هذا لن يستمر إلا إذا دعمته تسوية سياسية أوسع في الشرق الأوسط، وحتى ذلك الحين، يُعد هذا مكسباً قابلاً للتراجع”.
وتعني هذه التحليلات أنه سيتعين على شركات الشحن المرتبطة بإسرائيل أن تخطط للمراحل المقبلة بمرونة تأخذ في عين الاعتبار إمكانية تجدد الصراع في أي لحظة والعودة إلى رأس الرجاء الصالح.
وكانت شركة (زيم) الإسرائيلية عبرت مؤخراً عن تطلعها للعودة إلى البحر الأحمر في أسرع وقت ممكن، في حال تلقت ضوءاً أخضر من قطاع التأمين البحري، فيما عبرت (ميرسك) بوضوح عن رغبتها في العودة، برغم امتناعها حتى الآن، وهو ما يعني أن هذه الشركات تواجه بالفعل وضعاً جديداً لا تستطيع التعامل معه بنفس القرارات والرؤى القديمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news