اليماني يفتح الملفات المحرّمة: الوحدة سقطت… والحرب غيّرت كل شيء
الجنوب كان لقمة سائغة بعد الاستقلال… واليوم يستعيد دولته
"ثلاثة عقود من الوعود الجوفاء… كيف صارت قضية الجنوب ملفاً مفصلياً في مستقبل اليمن؟"
"من تحرير عدن إلى تثبيت الإدارة الذاتية… الجنوب يمسك بمصيره"
"الجنوب بين مطرقة الحوثي وسندان اليمننة… معركة تقرير المصير تتسارع"
"الوحدة انتهت!!"
في 22 مايو 1990، قرر عدد من النافذين في الحزب الاشتراكي الحاكم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بعد انهيار المعسكر الشيوعي، الهروب نحو الوحدة مع النظام القبلي- العسكري في الجمهورية العربية اليمنية. لقد كان ذلك انعطافاً حاداً عن الطموحات الطوباوية السابقة التي بشّر بها الجناح الراديكالي في الحزب، والقائمة على فكرة "تحرير عمان والخليج العربي" وضمّ الشمال إلى المعسكر الشيوعي.
جاء ذلك في مقال تحليلي كتبه خالد اليماني وزير الخارجية اليمنية الأسبق ونشرته وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تطرق خلاله إلى أن انقلاب الحوثي قضى على ما تبقى من الوحدة، وان الحرب أسقطت كل المرجعيات السابقة!! وأن تحرير عدن كان لحظة فارقة عززت إرادة الاستقلال للجنوب الذي لم يعد شعارا عاطفيا بل مشروعا سياسيا متماسكا ، داعيا إلى تثبيت الإدارة الذاتية وبناء مؤسسات جنوبية وتعميق الحوار الداخلي، وتوسيع الدبلوماسية لضمان الاعتراف الدولي .
وقال اليماني في مقاله التحليلي إنه " وبعد عقدين فقط من الاستقلال عن بريطانيا، وجد الجنوب نفسه لقمة سائغة في قبضة الشمال بقيادة علي عبدالله صالح، الذي حسم الأمر بالحرب في عام 1994، معلناً إلحاق الجنوب بالقوة، فيما صدح [الفنان اليمني] أيوب طارش بأغنية "عادت عدن". ومنذ تلك اللحظة، بدأ النضال الجنوبي يتخذ أشكالاً متعددة للمطالبة بفك الارتباط. انطلقت الشرارة الأولى في الحراك الجنوبي السلمي، قبل أن تتبلور القضية سياسياً عبر إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 كإطار جامع لتطلعات الجنوبيين لاستعادة سيادة دولتهم " .
الحوار الوطني ووعود جوفاء
وأضاف " غير أن مسار تقرير المصير للجنوب لم يبدأ بولادة المجلس الانتقالي، بل مرّ بمحطات عديدة. فقد أقرّ مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013–2014) أن القضية الجنوبية "قضية سياسية عادلة"، من منطلق أن دولة الوحدة قامت بين نظامين مستقلين- جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية - وأن الوحدة بينهما انهارت عقب حرب 1994 وما تلاها من سياسات الإقصاء والنهب. إلا أن هذا الإقرار جاء متأخراً، ولم يرافقه حلّ منصف أو ضمانات حقيقية. فوعود الاعتذار وجبر الضرر والمناصفة بقيت، حبراً على ورق لتُبقي الجنوب داخل إطار دولة مركزية فاشلة بقي فيها الشمال مهيمناً ، كما بدا طرح "الدولة الاتحادية" محاولة لاحتواء القضية الجنوبية لا الإقرار بعدالتها، لاسيما بعد تقسيم الجنوب إلى إقليمين في خطوة اعتُبرت تفتيتاً منظّماً لهويته ووحدته التاريخية. ومن هنا فقد رفض ممثلو الجنوب حينها، برئاسة محمد علي أحمد مخرجات الحوار الوطني، وتحديداً فكرة الأقاليم الستة، وعرضوا فكرة الاقليمين الشمالي والجنوبي، مفضلين الانسحاب وتثبيت حق الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته "
الحوثي ونهاية الوحدة :
واستطرد اليماني القول : " ثم جاء الانقلاب الحوثي على شرعية الرئيس هادي، ليسقط ما تبقّى من دولة الوحدة بيد ميليشيا مدعومة من إيران، ويُحدث تحولاً جذرياً في طبيعة الحكم يستحيل معه بقاء الجنوب ملحقاً بمشروع سلالي توسعي إيراني. ولولا أن رئيس الجمهورية حينها كان جنوبياً - عبدربه منصور هادي - ولولا بسالة المقاتلين الجنوبيين الذين هزموا الحوثيين في معركة تحرير عدن بدعم سعودي وإماراتي، وما تلاها من تحرير المكلا من قبضة الإرهاب، لكان الجنوب اليوم جزءاً من المشروع الإيراني، ولكانت الحوزات الطائفية قد تمددت في أرض الجنوب السني ، حيث مثّل تحرير عدن لحظة وعي تاريخية عززت إدراك الجنوبيين بضرورة استعادة دولتهم. غير أن الرئيس هادي تراجع، عن التقاط هذه اللحظة، واستسلم لضغوط الأحزاب التي أحاطت به في الرياض، وأمسكت بقراره ودفعت باتجاه إعادة تدوير خطاب "وعود الحوار الوطني الجوفاء" للهروب من حقيقة أن الحرب غيّرت كل المعادلات وأن الجنوب أصبح حراً، بل وحاضناً للشرعية. وللأسف، أسهم بعض الجنوبيين الذين شاركوا بديلا عن المنسحبين من الحوار الوطني في تمرير مشروع الأقاليم لتقسيم الجنوب، وتعزيز سردية التسويف هذه مقابل مكاسب تمثيلهم للجنوب، واضعين مصالحهم الآنية فوق قضية شعبهم الكبرى " .
سقوط مرجعيات ما قبل الحرب :
وحول المرجعيات السابقة للمبادرة الخليجية أكد وزير الخارجية الأسبق خالد اليماني أن الحرب أسقطت كل المرجعيات السابقة، وبادر الجنوبيون إلى الإمساك بمصيرهم عبر تفعيل الإدارة الذاتية لمناطقهم، رغم المؤامرات ومحاولات الاختراق والتجويع لإضعاف توجهاتهم. وفي أبريل 2022، جاء "مؤتمر الرياض 2" ليقرّ إدراج "قضية شعب الجنوب" في مفاوضات وقف الحرب، ويضع لها إطاراً تفاوضياً خاصاً في العملية السياسية القادمة. وعلى الرغم من ما شاب تلك الوعود من تكرار لمنطق الوعود المؤجلة، ورمى الكرة في ملعب المستقبل، إلا أن المؤتمر اعترف بالمجلس الانتقالي الجنوبي ممثلاً شرعياً "وحيدا" لشعب الجنوب، ودخلت قياداته في مجلس القيادة الرئاسي وفق صيغة المناصفة " .
وتطرق اليماني إلى أن " السنوات الثلاث الماضية أظهرت سقوط كثير من الأقنعة داخل مجلس القيادة الرئاسي وبروز إرادة جنوبية صلبة عبّر عنها رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي ورفاقه أبو زرعة المحرمي وفرج البحسني، الذين أثبتوا للمجتمع الدولي أن قضية الجنوب أكبر من أن تكون ملفاً ثانوياً أو موضع سجال في غرف الفنادق " .
طريق الاستقلال :
ولضمان شراكة وطنية واسعة بعيدة عن النخبوية قال اليماني:" واليوم، ومع امتلاك المجلس الانتقالي سلطة فعلية على الأرض، تتمثل الخطوة التالية في تثبيت الإدارة الذاتية للجنوب، وتوسيع الشراكة الجنوبية تمهيداً لتحقيق الاستقلال الناجز. وهذا يتطلب بناء مؤسسات جنوبية راسخة - حكومية وتشريعية وقضائية وخدمية - تدير الموارد والثروات وتعيد هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية في إطار جنوبي موحد، مع دمج مختلف المكوّنات السياسية والقبلية والمجتمعية في إدارة الشأن العام لضمان شراكة وطنية واسعة بعيدة عن النخبوية".
وأوضح اليماني أنه " وبالتوازي، يجب تعميق الحوار الوطني الجنوبي تنفيذا للرؤية السياسية للمجلس الانتقالي بما يمهد الأرضية القانونية لاستعادة الدولة. وخارجياً، يجب توسيع الحضور السياسي والدبلوماسي الجنوبي وفق مبدأ المناصفة القائم وعكس ذلك على كل البعثات التمثيلية، وبناء شراكات اقتصادية وأمنية مستقلة مع الإقليم والعالم، لتهيئة الاعتراف التدريجي بدولة الجنوب القادمة" .
وحول استعادة الدولة الجنوبية كحق سياسي ، والمسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق كل الجنوبيين أختتم اليماني مقاله التحليلي وقال :
" إن استقلال " جنوب اليمن" لم يعد شعاراً عاطفياً ولا طرحاً انفعاليّاً، بل مشروعاً سياسياً متماسكاً يستند إلى الأمر الواقع في الجنوب، وتحولات تاريخية، وإرادة شعبية واسعة. وبينما لا تزال التحديات قائمة - من المؤامرات وصراعات النفوذ إلى المصالح الآنية - فإنّ اللحظة التاريخية لن تكن أكثر نضجاً مثل اليوم، ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال المجيد، الثلاثين من نوفمبر 1967. إن استعادة الدولة الجنوبية ليست فقط حقاً سياسياً، بل مسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل الجنوبيين، للاصطفاف خلف المجلس الانتقالي الجنوبي للمضي نحو بناء دولة ديمقراطية اتحادية مستقلة، مزدهرة، تنبذ العنف وترفض الارهاب، وشريكاً موثوقاً لدول الخليج، والعالم الحر، وركناً اساسياً للاستقرار الإقليمي، وعاملاً داعماً للتكامل مع شمال اليمن مستقبلاً " .
وعلق الكاتب والمحلل السياسي الجنوبي صالح علي الدويل باراس في مقال له على مقال وزير الخارجية الأسبق خالد اليماني بعنوان : " الرد على اليماني بين الموضوعية والمغالطات " وقال باراس :
" في مقال للدكتور خالد اليماني وزير الخارجية السابق رصد مسار القضية الجنوبية منذ الوحدة مع الشمال في 1990، مرورًا بحرب 1994، وصولًا إلى الحرب الحالية مع الحوثيين. أبرز فيه كيف تحولت القضية الجنوبية من مطالب بالفيدرالية إلى السعي نحو الاستقلال، مع التركيز على دور المجلس الانتقالي الجنوبي وقد وصف الوحدة مع الشمال بـ"الانطواح الحاد" عن طموحات الجنوب مع حسم علي عبدالله صالح الأمر بالقوة في 1994 وما نتج عنه من نضال جنوبي سلميً وتبلور سياسيًا بإنشاء المجلس الانتقالي (2017) كإطار جامع وانتقد فيه الوعود الجوفاء والطرح الفيدرالي (الأقاليم الستة) كمحاولة لاحتواء القضية، مشيرًا إلى رفض الجنوبيين لهذا الطرح "
وأضاف الدويل باراس أنه " ورغم وضوح المقال وحياده نسبيًا وان الرجل ظل جزء من منظومة الشرعية فقد جنّ جنون آلة اليمننة فتحرّكت ماكنتها بهجومها على شخص اليماني على طريقة "النبّاش"شديدة اللهجة التي يتقنونها ويحتمون بها للدفاع عن "تابو يمننتهم " فنبشوا لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل (النتن ياهو) في الماضي - مع ان لقياداتهم لقاءات كثيرة موثّقة مع الاسرائليين - ووصفته بأنه "محترق" و"خادم مطيع للإمارات". يسعى لتقسيم اليمن، ويتماشى مع أجندة إسرائيلية لتقسيم الدول العربية واستخدموا الخطاب الاتهامي بألفاظًا من نوع (محترق، هندي ، نتن، خادم مطيع) خطاب يدغدغ مشاعر اتباعهم ويفتقر للحجج الموضوعية فلم يوضحوا كيف للقاء اليماني مع نتنياهو ان يدعم تقسيم اليمن!!؟ فهذا اتهام بدون أدلة واضحة وكعادتهم استخدموا تعميم الاتهام بالخيانة وخدمة الإمارات" وأنه من"تلاميذ النتن" للتعميم على اي نقد "لوحلتهم" وكعادتهم في استخدام مصطلح "اليمن الكبير" كرمز للوحدة ويعكس مبالغة فيها وتجاهلوا منطق التاريخ الجغرافيا فلم يفرقوا بين الجهة الجغرافية والكيان السياسي " .
وقال السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ الأمريكي :" السنين الماضية أثبتت إن الوحدة انتهت وتحولت لعبء وصراع ما يوقف، وكل الأطراف دفعت ثمنها والحل الوحيد اللي يحقق الاستقرار هو إن كل شعب يدير دولته براحته وبحسب إرادته " .
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news