في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لإطلاق حزمة إصلاحات اقتصادية وإدارية بهدف إنقاذ ما تبقى من مؤسسات الدولة المنهكة، تتصاعد المخاوف من استمرار بعض القوى السياسية في تعطيل هذا المسار عبر رفضها توريد الإيرادات العامة من المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلى رأسها تعز ومأرب، حيث تتردد الاتهامات الموجهة لتيار الإخوان بالسير في اتجاه معاكس تمامًا لجهود الإصلاح، وإبقاء المالية العامة رهينة حسابات فصيل واحد.
فمنذ سنوات، تحوّلت مأرب وتعز إلى ما يشبه “الجزر المالية المغلقة”، تُجبى فيها مئات المليارات من عوائد النفط والغاز والضرائب والجمارك والاتصالات، دون أن تصل إلى خزينة الدولة بالشكل المفترض قانونيًا. وبرغم المناشدات الرسمية والضغط الشعبي المتزايد، ما تزال تلك المحافظات تعمل بمنطق الإدارة المستقلة، حيث تُصرف الإيرادات داخليًا بعيدًا عن رقابة الحكومة، الأمر الذي خلق فجوة مالية ضخمة وحرمانًا لبقية المؤسسات من أبسط مقومات التشغيل.
اللافت أن هذا الرفض لتوريد الإيرادات لم يعد مجرد سلوك إداري خاطئ، بل بات يُنظر إليه كأداة سياسية تُستخدم لعرقلة الإصلاحات الحكومية التي تستهدف وقف الهدر، وإعادة بناء منظومة مالية قويه ووضع نهاية لمرحلة “الاقتصاد المتهالك الذي أنهك الدولة وفتح أبواب الفساد على مصاريعها. فكلما حاولت الحكومة اتخاذ خطوة إصلاحية، ارتفع صوت الاعتراض من القيادات المهيمنة على تعز ومأرب، وكأنها تقود معركة لفرض أمر واقع جديد، تُدار فيه موارد البلاد كحق خاص وليس كأموال عامة.
ويرى مختصون أن استمرار هذا التعطيل لا يهدد الإصلاحات فحسب، بل يفاقم الأزمة الاقتصادية ويزيد من الانهيار المعيشي للمواطنين، خصوصًا أن المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها عدن، ظلت طوال السنوات الماضية تتحمل عبء الإنفاق على مؤسسات الدولة، وتدفع الرواتب والميزانيات التشغيليه لهذه المحافظات دون ان تدفع هذه المحافظات ريالا واحدا لحكومه عدن بينما تُكدّس إيرادات ضخمة في مناطقها دون أي التزام بالتوريد. هذا الاختلال الهيكلي خلق حالة من الغضب الشعبي، وأثار تساؤلات حول جدوى بقاء الحكومة إذا كانت عاجزة عن فرض سيادتها على الموارد
وفي ظل هذا المشهد، تتعزز القناعة لدى كثيرين بأن معركة الإصلاح الحقيقية لا تُخاض فقط في ملفات الفساد أو إعادة ترتيب المؤسسات، بل في كسر نفوذ القوى التي حوّلت الإيرادات العامة إلى وسيلة للابتزاز السياسي. فنجاح الدولة في استعادة موارد تعز ومأرب سيكون خطوة حاسمة نحو بناء اقتصاد رشيد بينما استمرار الوضع على ما هو عليه يعني بقاء الخلل قائمًا، وتكرار دورات الانهيار دون نهاية قريبة.
إن مواجهة هذا التحدي تتطلب إرادة سياسية صارمة، ودعمًا شعبيًا واسعًا، ورؤية واضحة تعيد الاعتبار لهيبة الحكومه وتضع حدًا لمرحلة الاستحواذ الفصائلي التي تجاوزت كل الحدود. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الموارد؛ ومن يرفض توريدها لا يسعى لاصلاحات حقيقيه تعمل على دفع الرواتب بل يسعى لإدامة الفوضى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news