في تصعيد جديد، أصدرت جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، عبر المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرتها في صنعاء، حكماً بإعدام 17 مواطنًا رمياً بالرصاص في ميدان عام، بعد اتهامهم بالتخابر مع بريطانيا وأمريكا وإسرائيل.
ويُعيد هذا الحكم إلى الواجهة قرارات الإعدام “المسيسة” التي سبق وأصدرتها الجماعية بحق عشرات المواطنين الذين اختطفتهم من منازلهم ومقار أعمالهم، وألصقت بهم تهمة التعاون مع “العدوان”، لتصدر بحقهم أحكامًا نهائية بالإعدام في إجراءات تفتقر إلى المقومات الأساسية للمحاكمة العادلة.
وخلال السنوات الماضية، أصدرت الجماعة المدعومة إيرانيًا سلسلة أحكام إعدام جماعية أبرزها الحكم بإعدام 30 أكاديمياً في يوليو 2019، وأحكام على أربعة صحفيين في مارس 2020. كما نفذت إعدامًا بحق 9 مختطفين في سبتمبر 2021. ووصفت منظمات حقوقية محلية ودولية هذه المحاكمات بأنها غير عادلة ومصممة لاستهداف الخصوم.
خطوة متوقعة
لم يستغرب وكيل وزارة العدل في الحكومة اليمنية المعترف بها، فيصل المجيدي، إصدار جماعة الحوثي للقرارات الأخيرة، مشيرًا إلى أنها “كانت متوقعة” بالنظر إلى الأجواء التي سبقتها.
وأوضح المجيدي، في تصريح لـ“بران برس”، أن هذه القرارات سبقها “أجواء ترهيب للمختطفين وأهاليهم، تلاها إظهار تسجيلات مصورة لهم وهم في حالة بدنية منهكة، تدل على وقوع تعذيب شديد عليهم، وأظهروهم من أجل ما يسمونه اعتراف بالواقعة”.
"قرار الإعدام جزء من نمط شامل: تطييف القضاء، التعيينات السلالية، استخدام القضاء لتنفيذ أجندات عقائدية وسياسية"
ولفت إلى أن “زعيم الجماعة الحوثية كان قد أصدر سابقًا حكمًا ضد هؤلاء وغيرهم من المختطفين بزعم أنهم يعملون في شبكة جاسوسية عابرة للدول، وهو ما يبتغي من خلاله اغتيالهم معنويًا”.
وقال إن هذا التوجه انعكس على ما سُمّي بالمحاكمة، مؤكدًا أنها لم تتضمن أية حقوق بالاطلاع للمحاميين وكذا للمختطفين على ملفات القضايا حتى يتمكنوا من إعداد الدفاع
وإجمالًا، وصف "المجيدي"، الأجواء بأنها كانت “بعيدة عن المحاكمة العادلة ونتج عنها إعلان من جانب واحد عن قرار إعدام جماعي بحق 17 يمنيًا بتهمة التجسس”. معتبرًا “هذا الحكم تصعيدًا خطيرًا من جماعة الحوثي ويُظهر أنها باتت تستخدم القضاء كأداة قمع وليس لتحقيق العدالة”.
أوامر قتل
من جانبه، اعترض الصحفي حارث حميد، وهو مختطف سابق أصدر الحوثيون ضدّه حكمًا بالإعدام، تسميتها بالأحكام كونها صادرة عن جماعة انقلابية وخارجة عن القانون، واعتبرها “أوامر قتل مباشر”.
وقال "حُميد"، في حديث لـ“برَّان برس”، إن هذه الخطوة “أعادت إلى أذهاننا جريمة قتل أبناء تهامة التسعة، مما يجعلنا نراقبها بقلق وخوف بالغين كون هذه الجماعة إرهابية دموية لا تتورع في سفك الدم اليمني”. مضيفًا أن اللذين شملهم القرار ”رقم كبير جداً”، ويؤكد أن الدم اليمني “بلا قيمة” عند الجماعة.
"ما حدث أوامر قتل مباشر أعادت إلى أذهاننا جريمة قتل أبناء تهامة التسعة وتؤكد أن الدم اليمني لدى جماعة الحوثي بلا قيمة"
وكانت رابطة أمهات المختطفين، اعتبرت هذا الحكم انتهاكاً صارخاً لمبادئ العدالة وللمواثيق والاتفاقيات التي تحظر محاكمة المدنيين أمام محاكم غير مستقلة وغير معترف بها دولياً. مؤكدة أن المحاكمات التي جرت تفتقر إلى الشرعية القضائية والقانونية والإجرائية، وتعتمد على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب والإخفاء القسري.
تسييس القضاء
أوضح الصحفي "حُميد"، أن القرار جاء نتيجة جملة من الإجراءات والظروف التي أخلّت بالمسار القضائي، مؤكدًا أن الجماعة قامت بـ“تسييس القضاء”، وبدلًا من أن يكون سلطة مستقلة “أصبح أداة بيد جهاز الأمن والمخابرات لتصفية الحسابات السياسية وترهيب الخصوم”.
وأضاف أن الإجراءات شملت عزل القضاة واستبدالهم بمن وصفهم “خريجي ما يسمى الدورات الثقافية”، مؤكدًا أن هؤلاء يفتقرون للمؤهلات أو الأهلية والاختصاص.
ولفت إلى ممارسات “الإخفاء القسري والتعذيب لنزع اعترافات تحت التعذيب النفسي والجسدي واستخدامها كأدلة”. وكذا “الحرمان من حق الدفاع” مما يقوض مبادئ المحاكمة العادلة.
"يُعدّ هذا القرار تصعيدًا حوثيًا خطيرًا ويثبت أن الجماعة تستخدم القضاء كأداة قمع وليس لتحقيق العدالة"
وأكد أن “المحكمة الجزائية المتخصصة ألغي اختصاصها من قبل مجلس القضاء الأعلى، وعليه فإن أوامرها- أو ما يسمى زورا أحكامها- تعتبر منعدمة قانوناً” لانتفاء الأساس القانوني لها.
واتفق "المجيدي"، بأن “المحكمة الجزائية المتخصصة” لم تعد في الأساس ضمن القضاء اليمني إذا أن مجلس القضاء الأعلى سبق وأن قرر في مايو 2018 نقل اختصاصات هذه المحكمة وكذا النيابة إلى محافظة مأرب.
وبهذا، قال إن “هذه المحكمة، ومن ثم قراراتها، منعدمة الشرعية الدستورية القانونية مثلها مثل الجماعة الحوثية التي سيطرت على القضاء”.
محاكمة غير عادلة
عن مجريات المحاكمة، أكد "المجيدي"، أنها “تفتقر لأبسط معايير المحاكمة العادلة”، لافتًا إلى الغموض في التهم والأدلة، وكذا ظهور “اعترافات” مزعومة لمختطفين اُنتزعت تحت الضغط، ما يضرب مصداقية أي حكم صادر.
وأضاف أن المحكمة تجاهلت التعذيب، حيث أثار أحد المختطفين ما طاله من تعذيب وعرض آثاره أمامها، إلا أن المحكمة “لم تعره أدنى اهتمام”.
"المحكمة الجزائية المتخصصة لم تعد ضمن القضاء اليمني إذا سبق لمجلس القضاء الأعلى أن قرر في مايو 2018 نقل اختصاصاتها إلى مأرب"
وأكد أن “القضاء يخضع لسيطرة مباشرة للجماعة” وهو بالتالي “ليس قضاءً مستقلّاً بل جهة تنفيذية سياسية”. ولهذا، قال “بدلًا من أن يكون مؤسسة لتنفيذ العدالة جرى الإخلال بها وأصبحت تنفذ ما تؤمر به”.
وخلص الوكيل المجيدي، إلى أن الهدف النهائي من هذه الممارسات هو إرسال رسالة ترهيب لليمنيين بأن الجميع مستهدف ما لم يعلن الطاعة المطلقة لعبد الملك الحوثي وعنصريته.
مخاطر وتداعيات
أشار الصحفي "حُميد"، إلى مخاطر وتداعيات محتملة لهذا الحكم تشمل “شرعنة القتل ومصادرة الممتلكات والحقوق باسم القانون”، وهو ما “يسهل جرائم القتل لكل من لديه خصومات سياسية أو خلافات مع الجماعة”.
"يجب ملاحقة ومحاسبة المجرمين وممارسة ضغوط حقيقية لربط تقدم المفاوضات بالملف الإنساني وعلى رأسه ملف المختطفين والأسرى"
وقال إن هذه المخاطر تزداد في التوقيت الحالي الذي تبذل فيه جهود دولية وإقليمية مكثفة لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تُعقّد أي مفاوضات مستقبلية بشأن المختطفين والأسرى.
وأوضح أن الهدف منها “خلق رعب في أوساط الشارع اليمني لمنع أي نقد أو معارضة في ظل الأوضاع المتردية”.
حرب شاملة
في حديثه لـ“برَّان برس”، أوضح "المجيدي"، أن قرار الإعدام الأخير ليس حالة منفصلة بل “جزء من نمط شامل: تطييف القضاء، التعيينات السلالية، اختطاف موظفين أمميين، استخدام القضاء لتنفيذ أجندات عقائدية وسياسية”.
واعتبر ما سبق “إشارات إلى أن اليمن اليوم ليس فقط في حرب عسكرية، بل في حرب على فكرة الدولة والقانون”. وقال إن على “الجميع- حكومات، منظمات، مواطنين- أن يفهموا أن المُسار القضائي اليوم هو عنوان المواجهة الأساسية”.
دعوات للمواجهة
لمواجهة الأحكام ومنع تسييس القضاء، شدد الصحفي حُميد، على ضرورة “تطبيق قانون العدالة الإنتقالية لملاحقة ومحاسبة المجرمين مستقبلًا، محليًا ودوليًا، وإدراج كل من له يد في قائمة العقوبات”.
وطالب بممارسة ضغوط أممية ودولية “حقيقية” لربط تقدم أي ملف سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا، بالملف الإنساني وعلى رأسه ملف المختطفين والأسرى”.
كما أكد أهمية “التوثيق القانوني ورصد كل انتهاك بحق المختطفين والأسرى، بما يشمل تسجيل أسماء القضاة وأعضاء النيابة المتورطين في هذه الجرائم”. مشددًا على ضرورة استمرا الحملات الإعلامية والشعبية لإبقاء القضية حاضرة في أذهان الشعب.
"لا بد أن يكون للحكومة الشرعية موقف حازم لوقف مثل هذه الانتهاكات الخطيرة وأن لا تتعامل معها ببرود سواءً تحت ذريعة عدم التصعيد"
"حُميد" دعا الحكومة لاتخاذ “موقف حازم لوقف هذه الإنتهاكات الخطيرة، محذرًا من التعامل معها ببرود “تحت ذريعة عدم التصعيد” قد تُفسّره الجماعة كـ“ضوء أخضر” لتنفيذ المزيد من هذه الانتهاكات، مما “يقلل فرص نجاة المختطفين”.
بدوره، أكد الوكيل المجيدي، أن المواجهة تتطلب عدّة مستويات، تبدأ بـ“الضغط الدولي لتحويل الملف إلى التحقيق الدولي والمساءلة، ودعم المنظمات الحقوقية لتوثيق كل حالة والضغط لتكوين لجان تحقيق دولية مستقلة لدخول المعتقلات”.
وشدد على أهمية “رفض الاعتراف بأي أحكام تصدر من محاكم تفتقر للاستقلالية، مؤكدًا أهمية ربط أي تحديث أو مبادرة إنسانية أو سياسية بـ“الإفراج الفوري عن المحتجزين” لضمان أن يكون التعامل مع الحوثيين استنادًا لشرط حقوقي واضح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news