كل الأحذية المقلوبة التي صادفتها طوال عمري أعيدها إلى وضعيتها..
وكل كسرة خبز قبَّلتها بخشوع ووضعتها في شقوق الجدران..
وعند كل فاجعة أتوكأ على الحمد والشكر كي لا أسقط..
حتى أظافري أصرُّها في قرطاس وأدفنها،
كأنني أتعلم تقبُّل الفناء.
نسرع إلى تعديل وضعية الحذاء قبل حلول الكارثة..
كل حذاء مقلوب خلفه حكاية..
لا أحد يفكر في تعب الأحذية،
في ارتباكها وهي ذاهبة إلى موعد غرامي،
في وضاعتها وهي مبعثرة على أبواب الموسرين..
لا أحد يفتش في ذاكرتها عن المسامير الصدئة التي ثقبتها،
عن الطرقات الطويلة التي عبرتها دون وصول،
عن الخطوة التي قيل إنها بداية الألف ميل،
عن الأصابع التي تطل من ثقوب الجوارب،
عن الجوارب التي فقدت ذاكرتها وتحولت إلى ليفة،
عن الحسنات التي اكتسبتها وهي في طريقها إلى الجامع،
عن اللص الذي زهد فيها واستقبل القبلة،
وعن الإسكافي الذي توقف عن تلميعها.
الحذاء رواية طويلة سأكتبها ذات يوم..
كل البيوت تحتفظ بزوج من أحذية الزفاف البيضاء
التي تستخدم لمرة واحدة..
للمطر أحذية
للإغراء أحذية
لكرة القدم أحذية
للجنود أحذية
للحمام أحذية
للمطبخ أحذية
وللإطفائيين أحذية ملفوفة بالقصدير تشبه الحنيذ..
لا تعنيني أحذية التزلج والتسلق،
أنا من مدينة شهارة التي لم يتسلق جبالها أحد.
من يشعر بوحشة الفردة الضائعة؟
الفردة التي تنتظر خلع الجبس،
الفردة التي لا تحتاج إليها القدم الصناعية،
الفردة التي أنساها العكاز مقاسها
الفردة التي جعلتها سندريلا مهراً لها،
الفردة اليمنى التي تتمزق قبل اليسرى..
الفردة التي ألقاها صاحب القدم السكري ليلة العيد..
أقنعته زوجته أن الحياة تافهة
ولا تستحق أن نعيشها بكل أعضائنا.
نفكر في الأحذية كثيراً وننسى الحفاة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news