في سابقةٍ لم يُسجّل لها التاريخ الزراعي اليمني مثيلًا منذ أكثر من ستة عقود، لم يعد نضج الثمرة هو العامل الحاسم في قرار الحصاد، بل بات المنجل مُعلّقًا بخيط من قرار حوثي.
ففي مناطق واسعة من اليمن، صار مشرف المليشيا هو "الحَكَم" على لحظة قطاف المحصول، في خطوةٍ يصفها الخبراء بـ "التأميم المقنّع"، ويعتبرها المزارعون عودةً مرّة لنظام الجباية الإمامي الذي سقط مع ثورة 26 سبتمبر 1962.
تهامة: سلة غذاء اليمن تحت الحصار الزراعي
في سهول تهامة – التي تُعرف بأنها "سلة غذاء اليمن" – فوجئ مزارعو المانجو، أصحاب المواسم الواعدة، بفرمانات حوثية صارمة تحظر عليهم قطف ثمارهم أو تصديرها دون إذن مسبق من ما يُسمّى بـ "هيئة تطوير تهامة".
وقد برّر القيادي الحوثي يحيى حاتم هذا المنع بحجّة "الحفاظ على سمعة المنتج اليمني" وضمان "النضج الفسيولوجي" للثمار!
لكن وراء هذا الادّعاء "العلمي"، تكمن حقيقة قاسية: فالمزارعون يؤكدون أن هذه الإجراءات ليست سوى غطاء لعمليات ابتزاز مالي منهجية. ويوضحون أن المزارع هو الخبير الأول بأرضه، وأن انتظار "الإذن الحوثي" قد يكلّفه محصوله بالكامل، خاصةً أن المانجو والموز من الفواكه سريعة التلف، حيث يتعفّن القَطْفُ قبل أن يُصرَّح له بالحصاد.
تعز: الحصاد بانتظار "الخراص" الجديد
ولا يتوقّف الأمر عند تهامة. ففي ريف تعز – تحديدًا في مديرية حيفان – عمّمت ما تُسمّى بـ "هيئة الزكاة الحوثية" توجيهاتٍ صارمة بمنع "الصراب" (أي الحصاد) قبل وصول "مخمني الزكاة". والغرض؟ وفق مصادر محلية: تمكين الجبّاة من تقدير المحصول وهو لا يزال على الشجرة، ليُفرض على المزارع مبلغ جباية مُبالغ فيه قبل أن يرى قرشًا واحدًا من عائدات جهده.
ويُجبر هذا الإجراء المزارع على الانتظار رغم احتمال تعفّن المحصول أو كَساد السوق، في مفارقة مُرّة: الزكاة تُؤخذ من محصول قد لا يجنيه أصلًا!
من عامل الإمام إلى "مشرف الحوثي": تكرار مأساوي
يرى باحثون اقتصاديون وتاريخيون أن ما يجري اليوم ليس مجرد انتهاك إداري، بل هو استنساخٌ حرفي لنظام الحكم الإمامي.
ففي حقبة ما قبل ثورة 1962، كان المزارع اليمني عاجزًا عن قطاف زرعه حتى يأذن له "عامل الإمام" أو "الخراص"، الذي يحدد كمية الحصة الإلزامية للسلطة، بغض النظر عن ظروف الجفاف، أو الفقر، أو حتى فساد المحصول.
واليوم، يعيد الحوثي هذا النموذج بحذافيره، مستبدلاً "الخراص" بـ "المشرف الزراعي"، و"حصة الإمام" بـ "زكاة الحرب"، في محاولة صريحة لتحويل القطاع الزراعي إلى خزينة تمويلية لآلة القتال، حتى لو كلف ذلك تجويع اليمنيين وتدمير ما تبقى من أمنهم الغذائي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news