شهد اليمن خلال العام 2025 انتشارا لمرض حمى الضنك في عدد من المحافظات، مما أثار مخاوف الأطباء والناشطين والمواطنين من تفشي هذا الوباء وسط ضعف الوعي الصحي وانتشار ممارسات خاطئة تزيد من خطورة المرض.
وسجّلت المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية 59 حالة وفاة و12 ألفًا و416 إصابة بحمى الضنك خلال العام 2025.
وتصدرت محافظة عدن قائمة الوفيات بتسجيل 38 حالة وفاة، تليها محافظة لحج بـ 17 حالة، ورغم أن محافظة تعز تعرف تاريخيًا بأنها واحدة من أبرز بؤر حمى الضنك، إلا أنها سجّلت حالة وفاة واحدة فقط، فيما بلغ عدد الإصابات 3 آلاف و512 حالة، بنسبة تراجع وصلت إلى 80% مقارنة بالأعوام السابقة.
ويعرف مرض حمى الضنك بأنه عدوى فيروسية تنتقل عن طريق نوع معين من البعوض يسمى" الزاعجة" إذْ يمتصُّ دم أحد المصابين بالعدوى، وبعد مرور فترة الحضانة التي تدوم 8-10 أيام، يصبح البعوض قادرًا، على نقل الفيروس أثناء لدغ الناس.
ويحذر أطباء وناشطون من التساهل بمسببات هذا المرض كالبؤر المائية وتخزين المياه بطرق عشوائية، داعيين إلى التعامل مع هذا الوباء بطرق صحية تقلل من حجم الكارثة.
*وعي المواطنين ما يزال ضعيفًا*
بهذا الشأن قال ياسين التميمي، مسؤول الرصد الوبائي في مكتب الصحة بمحافظة تعز، إن" حمى الضنك تُعد من الأمراض المستوطنة في عدد من المحافظات اليمنية، وعلى رأسها تعز وعدن والحديدة ولحج وأجزاء من شبوة والمناطق الساحلية عمومًا".
وأوضح التميمي أن" أبرز أسباب انتشار المرض تعود إلى تجمع المياه في أوانٍ مكشوفة داخل المنازل أو في المساحات العامة، سواء نتيجة الاستخدام اليومي أو بسبب مياه الأمطار التي تتراكم في الحفريات والبنايات العشوائية ومناطق تجمّع المياه، ما يجعلها بؤرًا مثالية لتكاثر البعوض الناقل للمرض".
وأضاف لـ" المهرية نت" أن" مكتب الصحة في تعز نفّذ خلال الفترة الماضية حملتي رش ضبابي لمكافحة البعوض الطائر، إلى جانب تنفيذ حملتين توعويتين استهدفت المواطنين للتعريف بطرق الوقاية، مثل تركيب شبك للنوافذ، ومنع تجمع المياه فوق أسطح المنازل، والقضاء على البؤر التي تساعد على تكاثر الحشرات".
وأشار التميمي إلى أن مستوى وعي المواطنين ما يزال محدودًا، إذ تستمر بعض الأسر في تخزين المياه في أوانٍ مكشوفة، خصوصًا في مناطق النزوح التي تفتقر للخدمات الأساسية، ما يزيد من انتشار البعوض، فخروج المواطنين بملابس قصيرة في فترات الصباح الباكر أو عند الغروب يسهّل تعرضهم للدغات البعوض وبالتالي الإصابة بالمرض.
ودعا التميمي إلى تكثيف حملات التوعية عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لضمان وصول المعلومات الصحيحة للمواطنين، مؤكدًا ضرورة توفير خزانات مياه للأسر التي تضطر لتجميع المياه بطرق بدائية، تجنبًا لخلق بؤر جديدة لتكاثر البعوض.
وواصل" لا شك أن دخول موسم الشتاء سيسهم في تقليل أعداد البعوض، وسيحدث انخفاضا في الإصابات خلال الفترة القادمة، ونأمل أن تشهد اليمن تراجعًا واضحًا للمرض والتخلص من هذا العبء الذي أثقل كاهل المواطنين" .
*رحلةٌ مع المرض*
في السياق يقول حسام الوافي، أحد المتعافين من حمى الضنك، إن رحلته مع المرض بدأت قبل أسابيع بشكل مفاجئ بعد أن داهمته حمى شديدة وصداع حاد وآلام عامة في جسده كله، إلى جانب إرهاق غير معتاد جعله طريح الفراش.
وأضاف: "أول مؤشر جعلني أشك بإصابتي بحمى الضنك هو الحرارة المرتفعة التي لم تستجب للمسكنات، إلى جانب ظهور طفح جلدي خفيف."
وأوضح الوافي لـ"المهرية نت" أنه لم يلجأ للمستشفى إلا بعد خمسة أيام من ظهور الأعراض، بعد أن ازدادت حالته سوءًا بسبب الجفاف ونوبات القيء المتكررة وآلام المفاصل الحادة، ما تسبب له بحالات إغماء نتيجة ضعف الجسم، إذ يتابع"أعراض الضنك مؤلمة جدًا، حرارة مستمرة، صداع وحساسية للضوء، إرهاق وتعب عند أقل حركة، فقدان شهية، وشحوب يخيف الأهل على مريضهم".
ونبّه الوافي، الذي يعمل ممرضًا إلى أن" انتشار بعض الممارسات الخاطئة بين المواطنين يزيد من خطورة المرض، فالكثير من الناس يعتقدون أن الأعشاب أو المسكنات القوية تكفي للعلاج، وهذا خطر كبير، كذلك البعض يستهين بشرب السوائل والمتابعة الطبية، ليس إهمالًا وإنما تساهلًا، لكن هذا يؤذي المريض أكثر".
وأشار إلى لجوء البعض لخلطات دوائية شائعة تُصرف عشوائيًا من البقالات والصيدليات، سواء على شكل حبوب أو مغذيات، دون إدراك تأثيراتها الجانبية مؤكدًا "هذه الخلطات تُستخدم بشكل مفرط في الشارع اليمني، وهذا أمر خطير".
ويرى الوافي أن" غياب التوعية وضعف الخدمات الصحية يفاقمان الحالات في كثير من المناطق فالكثير من الناس لا يعرفون كيف يتصرفون عند ظهور الأعراض أو كيفية الوقاية من البعوض، ما يؤدي لتدهور حالتهم قبل وصولهم إلى المستشفى".
ووجّه الوافي رسالته للسلطات بقوله "المواطنون بحاجة لحملات توعية أكبر، وتحسين جهود مكافحة أماكن تكاثر البعوض، وتوفير مراكز قادرة على التعامل السريع مع الحالات، بلادنا مهددة بأمراض معدية مثل الضنك والكوليرا بسبب المستنقعات وضعف بنية الصرف الصحي وغياب التوعية".
*فئاتٌ أكثر عرضة للمضاعفات*
بدوره قال وليد توفيق سلطان، أخصائي طب عام" في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد ومع ارتفاع حالات الإصابة والوفيات بمرض حمى الضنك في العديد من المحافظات يؤكد للجميع أن هذا الوضع الخطير يتطلب وقفة جادة وسريعة وتحليلًا للأسباب ووضعًا للحلول العاجلة والمناسبة".
ولفت توفيق إلى أن" الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات حمى الضنك الخطيرة، هي فئة الأطفال وكبار السن؛ بسبب ضعف جهازهم المناعي مقارنة بالبالغين الأصحاء، وكذلك الحوامل؛ بالإضافة إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة ومن سبقت لهم الإصابة بحمى الضنك من نوع آخر؛ إذ تزيد العدوى المتكررة بفيروس مختلف من فرصة خطر الإصابة".
ونبه إلى أن خطورة مضاعفات حمى الضنك تتفاوت من محافظة إلى أخرى بناءً على عدة عوامل، أبرزها: ضعف النظام الصحي، وسوء التغذية الذي يضعف المناعة، وكذلك انتشار الأمراض الأخرى، لذا فالمحافظات التي تعاني من تدهور أكبر في القطاع الصحي، وجهل أبنائها بخطورة المرض ستشهد حتمًا مضاعفات أكثر خطورة.
وشدد الدكتور توفيق على عدم التساهل بهذه الحمى، وخاصة في مرحلتها الحرجة والتي تكون عادة بين اليوم الثالث والسابع من بدء الحمى، إذ تتطلب مراقبة طبية دقيقة وإدارة سريعة لمنع تطور المرض ، مؤكدًا" كل ساعة تأخير في تلقي الرعاية المناسبة تزيد من خطر الوفاة".
وحذر من الاستخدام العشوائي للمسكنات؛ إذ يقول" استخدام أدوية مثل "الأسبرين" أو "الإيبوبروفين" أو "الفولتارين" خطير جدًا، لأنها تزيد من ميل الدم للنزيف، والمسكن الآمن الوحيد هو "الباراسيتامول (البنادول)"، ويجب تجنب جميع الأنواع الأخرى".
وتابع" الإهمال وعدم إعطاء المريض كميات كافية من السوائل (الماء النقي ، عصائر طبيعية نقيه، محاليل الإرواء الفموي) يؤدي إلى الجفاف ويسرع في تدهور الحال، وكذلك التأخر في طلب المساعدة الطبية والاعتماد فقط على العلاج المنزلي عند ظهور علامات الخطر مثل آلام البطن الشديدة، القيء المستمر، النزيف من اللثة أو الأنف، وبرودة الأطراف، أو الخمول والتهيج"
وأرسل الطبيب رسالته للمرضى بقوله" لا تستهينوا بأي أعراض تشبه الإنفلونزا، خاصة إذا صاحبها آلام شديدة في العضلات أو المفاصل، ويجب التوجه المبكر للمركز الصحي، وتجنبوا استخدام أي مسكنات إلا تحت إشراف طبي".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news