إنفاق هولندي “مهول” على مشاريع ضعيفة الأثر في اليمن… مركز صنعاء للدراسات “نموذجاً”

يمن ديلي نيوز – تقرير:

في الوقت الذي تضع فيه أحدث التقارير الدولية اليمن كثاني أفقر دولة في العالم، تستمر ملايين الدولارات في التدفق تحت لافتة “المساعدات الإنسانية لليمن” لكن دون أن ينعكس أثرها على الوضع الإنساني داخل البلاد التي ما تزال تشهد واحدة من أسوأ الأزمات في العصر الحديث.

وفق تتبّع سابق أجراه “يمن ديلي نيوز” فإن إجمالي المساعدات الدولية المعلنة خلال الفترة من العام 2015 وحتى العام 2023 تجاوز 43 مليار دولار، بمتوسط سنوي يقدَّر بنحو 5 مليارات و757 مليون دولار.

بعيدا عن فاتورة الحرب .. رصد خاص لـ”يمن ديلي نيوز” يظهر رقماً “مهولاً” لحجم الدعم الدولي “المعلن” لليمن خلال 8 سنوات

وعلى الرغم من هذا التدفق الاستثنائي للتمويل، تستمر المؤشرات الإنسانية في التدهور، وتتسع مستويات الفقر، وتتراجع قدرة مؤسسات الدولة على تقديم خدماتها الأساسية، بما في ذلك دفع الرواتب.

هذا التناقض بين حجم التمويل الدولي والنتائج المتحققة على الأرض التي تبرزها التقارير المحلية والدولية، يطرح العديد بتساؤلات واسعة بشأن مسارات الإنفاق وفاعليته، خصوصاً مع اتجاه المجتمع الدولي مؤخراً إلى تقليص المساعدات والدعم بدعوى “تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد”.

وبينما تقرّ الحكومة اليمنية بوجود اختلالات داخلية تسهم في تفاقم الأزمة، يغفل المجتمع الدولي جانباً آخر من التحدي، يتمثل في طبيعة بعض البرامج التي يقوم بتمويلها، وآليات توجيه التمويل، وما يرتبط بها من مخصصات تشغيلية كبيرة لا تصل آثارها المباشرة إلى السكان.

نموذج توضيحي

يُعد التمويل المقدم من وزارة الخارجية الهولندية لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مثالاً بارزاً يُستشهد به في مناقشة كفاءة توجيه المساعدات.

فوفق البيانات الرسمية الصادرة عن الوزارة، اطلع عليها “يمن ديلي نيوز” تلقى المركز منذ عام 2022 تمويلاً إجمالياً يقدر بأكثر من 10 مليارات و490 مليون ريال يمني (حوالي 5.6 مليون يورو).

وتوضح البيانات أن عام 2022 مثل ذروة التمويل، بإجمالي التزامات تجاوز 3.77 مليون يورو، تلاه انخفاض تدريجي في الأعوام اللاحقة ليصل إلى نحو 205 آلاف يورو في عام القادم 2026.

كما تشير الأرقام إلى أن ما تم إنفاقه فعلياً حتى عام 2025 بلغ نحو 5.08 مليون يورو.

النفقات التي صرفتها وزارة الخارجية الهولندية لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية

عناوين وأهداف عامة

في 11 يونيو/تموز 2022 وقع مركز صنعاء للدراسات اتفاقية مع وزارة الخارجية الهولندية بعنوان “دعم السلام المحلي الشامل والمستدام في اليمن”، وذلك ضمن مشاريع تمولها هولندا وتركز على مقاربات واسعة تتعلق بالسلام المحلي وبناء القدرات.

وبحسب تصريح رئيس المركز، ماجد المذحجي، عقب توقيع الاتفاقية، فإن المشروع يهدف إلى تعزيز الدور المحلي في عملية السلام من خلال اعتماد نهج تصاعدي وشمولي ومراعي للبعد الجندري.

كما يهدف المشروع – وفق المذحجي – إلى توفير منابر لليمنيين لبلورة السياسات، ودعم القدرات المحلية، والمساهمة في التأثير على صنع القرار على المستويات المحلية والوطنية والدولية، إلى جانب الإسهام في العملية التي ترعاها الأمم المتحدة.

ويتضمن المشروع، المقرر استمراره حتى يونيو 2026، دعماً لمبادرات المسار الثاني المرتبطة بالشباب والمجتمع المدني، ورفد الجهود الدبلوماسية الرسمية، إضافة إلى دعم المبادرات والمنظمات الناشئة وإعداد جيل جديد من المحللين اليمنيين.

ورغم تعدد محاور المشروع وطابعه المفاهيمي الواسع، تذهب بعض التقييمات والملاحظات إلى أن الأهداف المعلنة لا ترتبط بشكل مباشر باحتياجات المجتمع اليمني، وأنها تُطرح في إطار عناوين عامة “مطاطة” لمشاريع ذات أثر محدود على الواقع.

كما أن من الملاحظات والانتقادات الموجهة لهذا الدعم الهولندي المهول أنه موجه نحو مراكز ومؤسسات تعمل غالباً من خارج البلاد، الأمر الذي يحد من قدرتها على تحقيق تواصل فعال مع المجتمعات المحلية أو الاستجابة لأولوياتها الفعلية.

محطة عبث أخرى

ويعد “منتدى اليمن الدولي” بنسخته الثاني الذي نظمه مركز صنعاء للدراسات واستضافته مدينة لاهاي بين 12 و15 يونيو/حزيران 2023، بدعم من الاتحاد الأوروبي وعدد من الحكومات والمنظمات الدولية، إحدى أبرز المحطات التي أُثيرت حولها تساؤلات تتعلق بكفاءة إدارة التمويل المخصص للمساعدات وبرامج بناء السلام في اليمن.

المنتدى شارك فيه نحو 250 شخصاً، بينهم ما يقارب 150 مشاركاً يمنياً.

الدول والجهات الداعمة لمنتدى اليمن الدولي بنسخته الثانية المنعقد عام 2023

وتشير البيانات التي اطلع عليها “يمن ديلي نيوز” إلى أن حجم الإنفاق على الفعالية بلغ ما يعادل نحو 3 مليارات و700 مليون ريال يمني، منها 1 مليار و807 ملايين ريال خصصت لمشاركة الحضور اليمنيين وحدهم، بمتوسط تقديري يصل إلى حوالي 12 مليون ريال لكل مشارك خلال برنامج استمر ثلاثة أيام.

وفيما يتعلق بالكوادر العاملة ضمن المشروع، تظهر البيانات تخصيص مبلغ 459 ألف دولار لرواتب فريق مكون من 20 موظفاً خلال فترة تمتد 13 شهراً، أي ما يعادل نحو 741 مليوناً و275 ألف ريال.

ووفق الأرقام ذاتها، بلغ إجمالي ما حصل عليه مدير المنتدى نحو 153 مليون ريال، بمتوسط شهري يقارب 11.7 مليون ريال، فيما وصل إجمالي ما تقاضاه مدير المشروع إلى حوالي 77 مليون ريال، بمتوسط شهري يناهز 6 ملايين ريال.

كما شمل المشروع ميزانية تتجاوز 1.1 مليون دولار مخصّصة لنفقات السفر والتأشيرات والإقامة والنقل للمشاركين، إضافة إلى مخصصات واسعة للأنشطة التحضيرية والمشاورات الدولية ذات الصلة بالفعالية.

خلافاً للافتة المرفوعة

ومع أن عنوان الاتفاقية التي وقعها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مع وزارة الخارجية الهولندية هو (دعم السلام المحلي الشامل والمستدام في اليمن) إلا أن اسم رئيس مركز صنعاء للدراسات، ورد مؤخراً في تقرير عسكري اتهمه بالمشاركة في أنشطة مزعزعة للسلام بمحافظة تعز لصالح جماعة الحوثي المصنفة إرهابية.

هذه الاتهامات نفاها مركز صنعاء للدراسات الذي أصدر بياناً في 5 نوفمبر/تشرين الجاري، واعتبر أنها تأتي ضمن حملة تحريضية موجهة ضده توِجت ببيان أصدره محور طور الباحة العسكري، موجهاً الاتهام لحزب الإصلاح بشن الحملة عليه، الأمر الذي فسر على أنه خروج من المركز عن حياديته.

ختاماً تظهر البيانات المستعرضة وجود فجوة واضحة بين حجم التمويل الدولي المخصص لليمن خلال السنوات الماضية، وبين التحسن المتوقع في المؤشرات الإنسانية والاقتصادية داخل البلاد.

فرغم تعدد البرامج والمبادرات التي تتبناها الجهات المانحة، لا تزال النتائج على الأرض محدودة، وهو ما يفتح المجال أمام نقاش واسع حول أولويات تصميم المشاريع، وآليات تنفيذها، ودرجة ارتباطها بالسياق المحلي واحتياجات السكان.

مرتبط

الوسوم

منتدى اليمن الدولي،

هولندا،

المساعدات الانسانية لليمن،

اليمن،

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط