توقفت طويلًا أمام هذه الفكرة، رافقتني بشكل مستمر، ظلت تراود عقلي، وتلّح عليَّ بشكل يومي، كيف يمكن أن يحمل الصمت كل هذه القداسة، في عالم غارق في الضجيج. حين أصبح الصمت ملاذًا نادرًا؛ ربما لهذا السبب لجأت الأديان والفلسفات، منذو قرون إلى السكون باعتباره لغةً للإله، وطريق للمعرفة، باعتباره أحد أعمق صور الحضور الإلهي.
في بعض الأديان ظهر الإله كصوت رعد أو عاصفة، ثم جاء لاحقًا بصوت “صغير وهادئ”، وفي الفلسفات الهندوسية، يتجلّى الصمت كأعمق وسيلة لمعرفة الحقيقة المطلقة، ففي إحدى التعاليم يُوصف الوعي، بسكون تام، وسلام لا تصفه الكلمات، لحظة صمت عميق يلتقي فيها الإنسان بالحقيقة، وكأن الصمت نفسه يصبح صلاة، وفي الفلسفة الصينية “الطاوية” يعتبر الصمت هو الممر الوحيد لفهم العالم، والمبدأ الذي تقوم عليه الأشياء في الكون.
أما في البوذية، فالصمت حالة حضور تام، قيل إن بوذا كان يلتزم الصمت، حين تُطرح عليه أسئلة عن طبيعة الوجود أو الإله، لأن الإجابة في جوهرها، تتجاوز حدود اللغة والعقل، ومن هنا يمكن أن نفهم كيف التقط أفلاطون هذا الجوهر في فلسفته، إذ رأى أن المعرفة الحقيقة لا تتحقق بالكلام أو الجدال، بل بالتأمل الصامت، وكأن الصمت هو الطريق الوحيد الذي يتيح للروح أن تتذكر ما كانت تعرفه قبل أن تولد، لذا فإن أردت أن أتبين الإله، يجب عليّٓ أن أتأمل العالم بصمت.
وهكذا يغدو الصمت بابًا خفيًا نلج منه إلى أعمق طبقات أرواحنا.
ففيه وحده يهدأ كل شيء، ويبدأ كل شيء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news