الأحزاب القومية.. والأحزاب والجماعات الدينية

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 43 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الأحزاب القومية.. والأحزاب والجماعات الدينية

الأحزاب القومية.. والأحزاب والجماعات الدينية

قبل 8 دقيقة

عبر الزمان والمكان، هناك فرق واضح بين مناهج وأفكار الأحزاب القومية وبين مناهج وأفكار الأحزاب والجماعات الدينية؛ فالأولى تهتم بالوحدة القومية والوطنية، وتنظر إلى كل المواطنين بمنظار واحد، وهو منظار الانتماء القومي والوطني بغضّ النظر عن دينهم أو مذهبهم. كما أنها تسعى إلى الحد من كل الدعوات والنعرات والتقسيمات الطائفية والمذهبية والمناطقية بين أفراد المجتمع، كونها تعمل على تمزيق وتفتيت الوحدة الوطنية والقومية، وتفتح المجال واسعًا أمام تصاعد وتيرة الخلافات والصراعات الداخلية. ومن أهم مميزاتها ولاؤها الكبير لوطنها وقوميتها، وليس لها ولاءات خارجية، كونها تنشأ على أسس وثوابت وطنية وقومية.

بينما الثانية تهتم بالانتماء المذهبي والطائفي، وغالبًا ما تكون مناهجها وأفكارها عابرة للحدود، وولاؤها للخارج أكثر من ولائها للوطن، كما أنها لا تعترف بالحدود الوطنية والقومية، لذلك لا تهتم بالوطن ككيان ودولة وشعب بقدر اهتمامها بتبعيتها للمراكز الخارجية. وعادةً يحمل قادتها وأفرادها خيالًا إمبراطوريًا توسعيًا يطمح إلى السيطرة على العالم واحتلاله وفرض دينها أو مذهبها أو أيديولوجيتها الفكرية على كل البشر بالقوة والإكراه. وبذلك فهي عالمية الطموح وعالمية الهيمنة، بعكس الأحزاب القومية التي تنحصر مناهجها وبرامجها في حدود أوطانها وقومياتها. وبالتالي فالأحزاب والجماعات الدينية في كل زمان ومكان تحمل أفكارًا ومشاريع استعمارية وتوسعية، وهي بذلك تمثل تهديدًا كبيرًا للأمن والسلم الدوليين (الأحزاب الصليبية وحروبها الصليبية الاستعمارية الطامحة إلى هيمنة الصليب على كل العالم، والجماعات الجهادية الإسلامية الحالمة بهيمنة الخلافة الإسلامية على العالم أنموذجًا). بينما الأحزاب القومية لا تحمل أي أفكار أو مشاريع توسعية أو استعمارية، فأفكارها ومشاريعها محصورة في حدود قومياتها وأوطانها، وعلاقاتها الخارجية تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، وهي بذلك لا تمثل أي تهديد للأمن والسلم الدوليين..!!

ولا جدال ولا نقاش في أن العالم العربي عاش أفضل أيامه في ظل حكم الأحزاب القومية العربية خلال الفترة السابقة؛ عاش الأمن والأمان والاستقرار والنهضة والتطور والتنمية في كل مجالات الحياة، عاش التلاحم والتعاون والتقارب العربي ـ العربي في أروع صوره، عاش الاستقلال والسيادة بكل تفاصيلها، عاش الانكفاء والاهتمام بالداخل وبناء الأوطان، رغم بعض السلبيات التي رافقت تلك المرحلة، والتي لم تعد تُذكر مقارنة بالمراحل التي جاءت بعدها، والتي أصبحت السلبيات فيها هي العنوان الأبرز لكل مجريات الحياة. وذلك بعد أن سيطرت الأحزاب والجماعات الدينية والمذهبية والطائفية على السلطة في العديد من الدول العربية، وحولتها إلى ساحة مفتوحة للعنف والصراعات والانقسامات المذهبية والطائفية، وساحة مفتوحة للتبعية والولاءات الخارجية، وساحة مفتوحة للعبث والفوضى والتخلف والتراجع والفشل والعجز، وساحة مفتوحة لسفك الدماء وضياع الأمن والأمان والاستقلال والسيادة، وساحة مفتوحة للتسابق والتفاخر بالتبعية والولاءات لقوى ومشاريع خارجية. جعلت هذه التحولات العرب يندمون ويتحسرون على الأيام الجميلة التي قضوها تحت حكم ورعاية وحماية الأحزاب القومية العربية، بعد أن شاهدوا حالة الضياع والفشل والتبعية التي تعيشها أوطانهم وأمتهم اليوم، وهي قابعة تحت سلطة ورحمة الأحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية..!!

كل ذلك يجعل المشاهد والمتابع للحال العربي يشعر بالحسرة والندامة تجاه الأحوال السلبية التي يعيشها العرب، وخصوصًا البلدان القابعة تحت هيمنة الأحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية. إذ صارت الدعوات الطائفية والمذهبية هي سيدة الموقف، وهي الطاغية على السطح والمهيمنة على الحراك الفكري والثقافي بين الأوساط الثقافية والفكرية في تلك البلدان. بعدما كانت تلك الدعوات العصبية البغيضة قد بدأت تتلاشى وتختفي في ظل حكم الأحزاب القومية العربية، التي حاربت تلك الدعوات وحاصرتها وجففت منابعها، وكادت أن تقضي عليها. ولو لم يُحسب لتلك الأحزاب إلا هذه المواقف القوية والجريئة لكفاها ذلك، ولجعلها تستحق كل الاحترام والتقدير والريادة. فهل هناك ما هو أخطر من الدعوات والأفكار والمناهج التي تعمل على تقسيم المجتمع وتمزيقه على أسس طائفية أو مذهبية أو عنصرية؟ والتي تصنع الحواجز بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد؟ والتي تؤجج نار الأحقاد والكراهية والعداوة والبغضاء بين الإخوة؟ والتي تذهب بهم إلى مربعات العنف والصراع والتفتت والتشظي والانقسام؟ نعم، لن نبالغ إذا قلنا إن الدعوات العصبوية والمذهبية والطائفية والمناطقية هي الأشد خطرًا وفتكًا على وحدة الأوطان وقوتها وتماسكها وتلاحمها، وهي الأشد خطرًا حتى على الدين نفسه، وهي البوابة التي تنفذ منها سموم الخلاف والشقاق والتشرذم والضعف والهوان..!!

نعم، خلال فترة حكم الأحزاب القومية العربية كانت مفاهيم ومصطلحات الهوية والقومية والوحدة العربية هي الحاضرة والمهيمنة على كل الأدبيات والندوات والدوريات والصحف، وعلى الإنتاج الفكري والثقافي بشكل عام في كل الدول العربية. وكان هناك تفاعل سياسي وفكري على كل المستويات يدفع بقوة نحو التقارب العربي ـ العربي، ويشجع على تعزيز وتقوية التبادل الفكري والثقافي والاقتصادي بين الأقطار العربية. وكانت الجماهير العربية تتغنى بالوحدة العربية في كل فعالياتها ومهرجاناتها وإبداعاتها الفكرية والثقافية، وكان العرب أكثر قربًا من بعضهم خلال تلك الفترة. بعكس الحال اليوم، حيث تلاشت كل مفاهيم ومصطلحات الوحدة العربية، وأصبحت الهيمنة اليوم على كل المستويات الفكرية والثقافية لمصطلحات ومفاهيم الطائفية والمذهبية، والترويج لثقافات وأفكار وأدبيات قوميات غير عربية، والتهكم والسخرية من الهوية والقومية العربية. وأصبح أبناء الوطن الواحد منقسمين على أنفسهم، يعيشون حالة غير مسبوقة من الصراعات والخلافات الداخلية..!!

وكم هو مؤسف مشاهدة تلك الأحزاب والجماعات المذهبية والطائفية وهي تستغل السلطة والحكم لترسيخ أفكارها وسياساتها ومناهجها ودعواتها وثقافتها الطائفية والمذهبية المستوردة (العراق والسودان وليبيا ولبنان أنموذجًا). وكم هو محزن مشاهدتها وهي تتسابق في تقديم فروض الولاء والطاعة والتبعية للقوى الخارجية التابعة والموالية لها، على حساب انتقاص سيادة وكرامة الوطن والعروبة، وإهمالها لكل ما له علاقة بالثقافة والهوية والقومية العربية. وفوق هذا وذاك، تعيش الشعوب العربية المنكوبة بالأحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية حالة من الفشل التنموي والعجز الاقتصادي والتراجع العلمي والحضاري في كل المجالات، وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري بشكل غير مسبوق. وتسببت كل هذه العوامل في تردي الأوضاع المعيشية والتعليمية والاقتصادية لتلك الشعوب، التي وصلت اليوم إلى قناعة تامة بأن العيش تحت حكم الأحزاب القومية العربية، بكل سلبياتها، أفضل بكثير من وضعها الحالي. ففسادها وسلبياتها لم تعد تُذكر أمام الأوضاع الكارثية التي تعيشها وتتجرعها اليوم تحت حكم الأحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية، ولسان حالهم يقول: "نار الأحزاب القومية العربية ولا جنة الأحزاب والجماعات المذهبية والطائفية".

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

ضربة إسرائيلية في بيروت تستهدف الرجل الثاني في حزب الله

حشد نت | 1282 قراءة 

الاحتلال الإسرائيلي يعلن استهداف رئيس أركان “حزب الله” والرجل الثاني في الجماعة.. من هو؟

بران برس | 840 قراءة 

ضحايا يكشفون جرائم عصابة حيدر… الوازعية تنتفض لاستعادة الأمن وتعلن مساندتها الكاملة للحملة الأمنية

حشد نت | 576 قراءة 

وزير الخارجية الأسبق ‘‘خالد اليماني’’ يثير ضجة بسبب هجومه على الوحدة اليمنية ودعوته لـ‘‘انفصال الجنوب’’

المشهد اليمني | 447 قراءة 

تصريحات حوثية تكشف مأزق الجماعة مع السعودية.. أوراق تتساقط وخطاب التصعيد يُظهر العجز

الأمناء نت | 404 قراءة 

افتتاح "جيان هايبرماركت" في عدن مول كأكبر مركز تسوّق من نوعه في اليمن(صور)

كريتر سكاي | 345 قراءة 

الحوثيون يحكمون بالإعدام على اللواء علي السياني مدير الاستخبارات العسكرية السابق

مندب برس | 299 قراءة 

لأول مرة.. الجيش اليمني يستخدم الطيران المسيّر في مواجهة الحوثيين

الموقع بوست | 296 قراءة 

تعديل وزاري مرتقب.. الرئيس العليمي يفاجئ الجميع من عدن: خلل قانوني غير مقبول في الحكومة الحالية

المشهد اليمني | 251 قراءة 

بنك عدن يعلن صرف مرتبات ثلاثة أشهر

كريتر سكاي | 250 قراءة