في تطور يهدد بمفاقمة المعاناة الإنسانية في أكبر المحافظات اليمنية مساحة ، أعلن برنامج الغذاء العالمي عن تقليص حاد في نطاق مساعداته بمحافظة حضرموت، ليقتصر تدخله الإنساني العام المقبل على مديرية واحدة فقط بدلًا من 25 مديرية كانت تتلقى الدعم خلال السنوات الماضية.
جاء ذلك خلال لقاء محافظ حضرموت مبخوت مبارك بن ماضي، مطلع الشهر الجاري، مع مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي (WFP) في عدن ليلى أحادي، ومدير مكتب البرنامج بالمكلا "دانيال مانديز"، عبر تقنية الاتصال المرئي.
وحينها أعرب بن ماضي، عن أسفه ورفضه لهذه الآلية لبرنامج المساعدات، موضحًا أنه كان من المفترض إشعار السلطة المحلية قبل ذلك، مع اعتماد برامج تأهيل للمديريات المستهدفة بمشاريع مستدامة تعوضهم عن المساعدات الغذائية أو حاجتهم إليها.
هذا القرار أثار موجةً من القلق في الأوساط المحلية وبين المستفيدين من البرنامج في المحافظة، كما عبر ناشطون بأنه سيزيد من حجم المأساة الإنسانية التي تشهدها المحافظة.
آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة
بهذا الشأن قال الناشط الحقوقي والسياسي عبدالله باشراحيل إن" قرار برنامج الغذاء العالمي بالانسحاب من عدد كبير من المديريات يُعد خطوة صادمة وخطيرة، نظرًا لتأثيره المباشر على آلاف الأسر التي كانت تعتمد اعتمادًا كليًا على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة".
وأكد باشراحيل أن هذا القرار يضع شريحة واسعة من الأسر الهشة أمام وضع في غاية في الصعوبة ، خصوصًا في المناطق التي تعاني أصلًا من تدهور الخدمات وانتشار الفقر وسوء التغذية.
وأوضح أن تأثير القرار سيظهر خلال أسابيع قليلة، إذْ ستجد الكثير من الأسر نفسها عاجزة عن توفير احتياجاتها الغذائية الأساسية، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، لا سيما بين الأطفال والنساء، إضافة إلى احتمالات ازدياد التسرب المدرسي مع توقف بعض برامج الوجبات المقدمة للطلاب.
وأشار إلى أن غياب المساعدات سيدفع الأسر إلى خيارات أكثر قسوة، أبرزها الاستدانة أو بيع ما تبقى لديها من ممتلكات بسيطة لتأمين الغذاء، الأمر الذي سيعمّق دائرة الفقر ويوسّعها بشكل خطير.
وأردف باشراحيل" السلطة المحلية والمنظمات العاملة داخل المحافظات تبذل جهودًا حقيقية، لكنها لا تمتلك القدرة على تعويض هذا الفراغ الذي سيخلفه البرنامج، نظرًا لضخامة التمويلات والقدرات التي كان يوفرها".
وأضاف أن" أي بدائل محلية ـ إن وجدت ـ لن تتجاوز مستوى الحلول المؤقتة والدعم المحدود عبر المبادرات الخيرية أو منظمات المجتمع المدني".
ودعا باشراحيل المانحين إلى إعادة النظر في تقليص التمويل الإنساني، مؤكدًا أن “القرار لا ينعكس على الأرقام فقط، بل على حياة بشر يعتمدون بشكل كامل على هذه المساعدات للبقاء”.
وشدد على أن استمرار دعم برامج الأمن الغذائي في اليمن ضرورة إنسانية ملحّة وليست خيارًا ثانويًا، خاصة وأن البلاد ما تزال تمر بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا.
وأكد أن" الفئات الأكثر تضررًا ستكون النازحين والعمال بالأجر اليومي، الذين يواجهون أصلًا ظروفًا معيشية قاسية ولا يمتلكون أي مصدر دخل ثابت" محذرًا من" إمكانية لجوء الأسر إلى استراتيجيات سلبية للبقاء، مثل تقليل الوجبات اليومية أو إخراج الأطفال من المدارس، إضافة إلى احتمالية ارتفاع مستويات الديون بشكل كبير".
وختم باشراحيل تصريحه بالتنبيه إلى أن فقدان مجتمعات كاملة لمصدرها الأساسي للغذاء قد يدفع الأسر إلى النزوح الداخلي أو الهجرة إلى مناطق أخرى بحثًا عن بدائل، محذرًا من أن تضاعف الاحتياج قد يخلق توترات اجتماعية جديدة في المناطق التي تعاني أصلًا من هشاشة البنية والخدمات.
الأسر أمام خيارات قاسية
في السياق ذاته قال الصحفي أحمد الجعيدي إن" قرار برنامج الغذاء العالمي جاء في ظل ظروف معيشية قاسية يواجهها السكان في المحافظة وفي ظل ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والخدمات الأساسية".
وأوضح الجعيدي لـ"المهرية نت" أن" القرار، رغم أنه يأتي ضمن سياسة عامة للبرنامج على مستوى اليمن، إلا أن تأثيره سيكون أكثر وطأة على الأسر الفقيرة في حضرموت، والتي كانت تعتمد على المساعدات الشهرية لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية".
وأضاف" حضرموت تأثرت كذلك بقرارات إعادة التوزيع نتيجة تحديات تشغيلية ولوجستية في مناطق مختلفة من اليمن، من بينها القيود على حركة العاملين الإنسانيين، رغم ما تتمتع به المحافظة من قدر نسبي من الاستقرار مقارنة بغيرها".
وأكد الجعيدي أن هذا الانسحاب سيترك انعكاسات مباشرة وعميقة على حياة المواطنين، إذ سيؤدي غياب المساعدات إلى ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، خاصة لدى الأسر ذات الدخل المحدود التي تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الغذائي".
وواصل" آلاف الأسر قد تضطر للجوء إلى الاقتراض أو الاعتماد بدرجة أكبر على السوق المحلية التي تشهد ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار، ما يفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على السكان".
مزيد من المعاناة
بدوره، يرى عمر حاج الشعيب، أحد أبناء محافظة حضرموت أن" القرار سيترك أثرًا مباشرًا على الأسر التي تعتمد على المساعدات الغذائية في ظل الانهيار الاقتصادي وغياب الأمن الغذائي".
وأضاف أن" الظروف المعيشية تزداد تعقيدًا حتى بالنسبة للموظفين؛ إذ لا تتجاوز رواتب الغالبية منهم 100 ألف ريال ولا تصل في أفضل الأحوال إلى 200 ألف ريال، وهو مبلغ لايكفي — بحسب قوله — لتغطية احتياجات أسرة واحدة لديها أبناء والتزامات ومتطلبات يومية متزايدة".
وأكد الشعيب إلى أن" قرار كهذا يتطلب بدائل واضحة وتدخلات عاجلة من السلطات والمنظمات المعنية، لضمان عدم انزلاق الأسر الهشة نحو مستويات أعمق من الفقر والجوع، خصوصًا في ظل أوضاع اقتصادية خانقة واستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news